Anfasse.orgعن صحيفة النيويورك تايمز
" 12 آب بدا بصباح حار في منطقة اليس فورد كنت في انجلترا متبوعا بعاصفة رعدية قوية بعد الظهر وفي تلك الاثناء كانت ثمار الكرز قد بدأت بالاحمرار . 12 آب 1938 "
هذه الملاحظات التي سجلها جورج ارويل في يومياته الغزيرة التي تنشر يوميا على احد المدونات كل يوم وبالضبط بعد مرور سبعين عاما على كتابتها حيث يقول الباحثون الذين يقفون وراء هذا المشروع انهم يحاولون جذب المزيد من الانتباه لأعمال ارويل على الانترنيت ولجعله اكثر وثاقة بالجيل الاصغر سنا من الشبان الذين اراد التحدث اليهم في الماضي .
يقول البروفيسورة جين ستون من جامعة ويستمنستر في لندن التي تدير جائزة ارويل للكتابة والمبتكرة لفكرة هذه المدونه " اعتقد ان ارويل كان يمكن ان يكون مدونا كأي مدون آخر واعماله التي تربو على 20 مجلدا دون ان تتاح له الفرصة لنشر افكاره تلقائيا الى الجمهور المنتظر حيث توفي ارويل عام 1950 .
لكن الفرصة الآن سانحة ولو انها متأخرة قليلا حيث ان هذا الموقع يتضمن وصلات وتعاريف وخريطة على موقع ال"غوغل" للمصحة في منطقة كنت جنوب شرق انجلترا حيث كان ارويل يتعافى من السل ويلاحظ الطقس مباشرة .
يبدا المدخل من تاريخ 10 آب مثلا هكذا " سحب ممطرة بكثافة في المساء , القمر اصفر كن مطمئنا فسوف يستهلك في السحب المتجمعة فوق اوربا " .
الشهر القادم سيتم اعادة طباعة يومياته السياسية حيث ستبدأ من يوم 7 ايلول عام 1938 .
هذه اليوميات لاتمثل ارويل في مجادلاته الاكثر انفعالا بل انها تمثل ارويل في حالاته الاكثر ثباتا .

أنفاسبرحيل المفكّر بيار جوفاني دونيني(1936-2003م)، فقدت الساحة الإيطالية علما بارزا من أعلام الفكر السياسي، كما فقد مجال الدّراسات السياسية الإسلامية باحثا متميزا، أثرى المكتبة الإيطالية بمؤلفات نقدية وتصحيحية. توجّهت بالأساس لترسيخ الوعي العلمي بمسار الخطاب السياسي العربي والإسلامي، بعيدا عن مؤثرات الأحداث المضطربة وتقلّب العلاقات بين الشرق والغرب. فالرجل ليس من النوع المهادن أو المناور بل من الذين سعوا لترسيخ تقليد علمي موضوعي بين طلاّبه وأتباعه في علاقة الغرب بالمسلمين. وبرغم فارق السن الذي كان يفصلني عنه، وتحدّري من فضاء زيتوني إيماني، وإتيانه من عمق المدرسة الاشتراكية الإيطالية، كانت لقاءات التلاقي رحبة التي تجمعنا، فرحم الله "جو"، كما كانت تناديه زوجه أستاذة الأدب العربي إيزابيلا كاميرا دفليتو. أترجم هذا النصّ الذي لم ينشر خلال حياته، لم ألمس فيه من حوصلة لمفاصل علاقة الكاثوليكية بالإسلام. (المترجم)
***
يأتي الموقف الحالي للكنيسة الكاثوليكية من العالم الإسلامي بناء على حضور وتشابك اتجاه متناسق طويل المدى، ونتيجة سياق تطوّر حديث متميّز بالتذبذب والرّيبة والمراجعة. على مستوى الموقف الطويل المدى، يمكن معاينة مرحلة أولى، متميّزة بالعداء، تبلورت بحضور الرؤية الإسلامية على أطراف العالم المسيحي. حيث تواجدت أطراف هامشية، على طول آفاق نائية، كانت وراء الخطأ الجلي المبرّر تاريخيا لتقييم أتباع بطرس، تقرّر فيها أن رؤية العالم التي روّجها النبيّ العربي ما كانت دينا جديدا، بل بدعة مسيحية.

أنفاسالترجمة فى معناها البسيط تفاعل متصل نشط بين مجتمعات وحضارات مختلفة ، وهى بذلك تمثل صلة مباشرة بين الحضارات لجميع مجالات المعرفة فى العلوم الإنسانية ، و أداة تعبير عن قوة المجتمع فى استيعاب أكبر قدر يعنيه باختياره وإرادته من حصاد المعارف الإنسانية التى هى سلاح الإنسان للتقدم ، وبذلك تغدو الترجمة أداة لتفاعل المجتمع مع جديد العلوم الإنسانية والفنون ، وهى تمثل عامل ضمن مجموعة عوامل متكاملة للتقدم الحضارى ، وقد باتت الترجمة اليوم ضرورة قياسا إلى التقدم العلمى المذهل الذى تنعم به البشرية ، خاصة مع وجود وسائل اتصال قوية فورية سهلت تقارب الشعوب وتواصلها .
والمترجم هو الذى يصوغ الأفكار المترجمة فى كلمات موجهة موصلة هذه الأفكار إلى القارئ ، والفارق بينه وبين كاتب النص هو أن الأفكار التى يسعى لصوغها ليست أفكاره ، بل أفكار سواه عليه أن يُلبسها حلة مجتمعه وبيئته . والترجمة الجيدة لا يشترط فيها إجادة اللغة المنقول عنها واللغة المنقول إليها فحسب ، بل ينبغي أن يتمتع المترجم بحس لغوى لكلٍ من اللغتين المنقول عنها والمنقول إليها .ذلك لأن الترجمة تمثل القناطر التى تربط الثقافة المحلية بتيارات الثقافة العالمية ، وغنى عن التعريف القول بأن الترجمات قد لعبت دورا مهما فى فترات نهوض المجتمعات على مر الحقب التاريخية المختلفة . فالترجمة حركة أخذ وعطاء وحركة تبادل فى جميع المجالات تتيح اللقاء بين الثقافات والتفاعل بينها وينتج عنها - رغم قصورها - أن يشارك بعضنا البعض الاكتشافات العلمية والتكنولوجية والتراث الثقافي الإنساني .
وتشغل الترجمات الأدبية مكانة مهمة بين نوعيات الترجمة المختلفة ، وقد بلغت الترجمات الأدبية مكانة مرموقة فى الوقت الحاضر ، حيث يمكن الجزم بصعوبة تقييم التيارات الأدبية القومية دون الأخذ فى الاعتبار لتيارات الأدب المترجم الوافدة ، خاصة وهى التى تصنع المنهجية العلمية التى تسير عليها التيارات الأدبية القومية ، فالترجمات هى الوسيط الفنى الذى تمت من خلاله عمليات التأثير والتأثر بين الآداب والتى كان لها فضل كبير فى إثراء الآداب بالأفكار الجديدة والأشكال الفنية المتعددة ، فحين نقرا رواية مثلا نقول بها نزعة كافكاوية (نسبة إلى كافكا) فمن أين جاء الكاتب بهذه النزعة سوى بتأثره عبر ترجمات كافكا . أو أن يقال إن شخصيات هذا الكاتب مثل شخصيات شيكوف مثلا ، فكيف رسم الكاتب العربي شخصية مثل شخصيات شيكوف إلا بالاطلاع عليها والتأثر بها .

أنفاس"لا نعرف دولة لا تعطي امتيازات للطبقة السائدة في عهدها" كارل ماركس
 لقد جانب أحد الأصدقاء الصواب عندما ربط اندلاع الأزمة المالية العالمية بانتعاش الخطاب الإيديولوجي والعودة من طرف الكتاب إلى الاهتمام بماركس وبالتحديد إعادة الاعتبار إلى كتابه العمدة: "رأس المال" ونقده للاقتصاد السياسي الليبرالي ولعل القيام بترجمة المصطلحات الأساسية في الماركسية ونص: "في مواجهة الاقتصاد، الكل في المواجهة " لباسكال كومبيمال المنشور في العدد 479 أكتوبر 2008 من المجلة الأدبية الناطقة باللغة الفرنسية والتي خصصت ملفا حول ماركس ومبررات إعادة الإحياء لفكره في اللحظة الراهنة يتنزل في هذا السياق ويعبر عن الحاجة إلى اقتصاد سياسي نقدي يساعدنا على مواجهة العولمة وصنع عولمة بديلة أكثر عدل وإنسانية خاصة إذا ما تعاملنا ماركس ليس كسياسيا بل كفيلسوفا وليس كصاحب مذهب فلسفي دوغمائي بل كواحد من أقطاب الظنة وكاشفي الأقنعة وواحد من مؤسسي فلسفة الرجة التي جعلت من مطلب تحقيق إنسانية الإنسان شغلها الشاغل، وإذا ما عنينا أيضا بالايديولوجيا كنظرية علمية نقدية للواقع تكشف عن التشوهات التي يتعرض لها الوجود الإنساني وليس كمجموعة من الترهات والأضاليل تعمل الطبقة السائدة على نشرها مبينة أنها حقائق ومبادئ صحيحة بغية تحقيق السيطرة على بقية الطبقات والمحافظة على مصالحها ، فماهي المفاهيم الأساسية التي وظفها ماركس لفهم طبيعة الاقتصاد العالمي والتعرف على آليات اشتغاله ومسارات تحوله؟
1-    المفاهيم الأساسية :
"لا ترسم هذه المجموعة من المفاهيم عقيدة منغلقة على نفسها وإنما هي محاولة إصلاحية لما أصاب الوضعية الحديثة من تعقد، ينبغي دائما أن نستفسر عن الاستعمال المشروع الذي يمكن أن تخضع له الماركسية في علاقة نقدية مع الكثير من الأشياء الأخرى من تقاليد مغايرة لها. هذه المفاهيم المصاغة بشكل صوري ترجع عندئذ إلى إعادة تأسيس ما وراء بنيوية للماركسية أنجزها مؤلفيها. بينما لم تكف هذه الأخيرة عن إظهار الانتقادات الموجهة لماركس والنظريات البديلة التي سبقته.

انفاسوهنا سيظهر للمترجم أن ليس هناك من "ترجمة واحدة"، وأن فعل الترجمة هو القيام باختيار بين عدة افتراضات. صحيح أن كل شيء قابل للترجمة والتفسير، لكن يحدث أحيانا ألا يكون مناسبا الحديث عن الترجمة، فعبارة التكييف ستكون المصطلح الأكثر ملائمة. إن الأهم خلال وضع الصورة النهائية للترجمة هو البحث عن أقل ما يمكن من التباعد عن النص الأصلي، ذلك لأن الترجمة هي دوما تقريبية، وتبقى على الدوام عنصر تقدير ذاتي: إن "الـ" ترجمة غير موجودة.

تهتم مؤلفات كثيرة بالمشاكل النظرية التي تثيرها الترجمة، وهذا جانب أساسي لا يخلو من أهمية، لكن ما صار يكتسي أهمية قصوى في السنوات الأخيرة هو المشاكل العملية للترجمة باعتبارها نشاطا ديناميا ومهارات عملية يمكن وصفها والتحكم فيها وتعليمها، ومن هنا الاهتمام بالأسس الديداكتيكية للترجمة في مؤلفات الديداكتيكيين(1) الذين يركزون على السيرورة التي من خلالها ينتقل نص من لغة إلى أخرى، مستحضرين العناصر الثلاثة المكونة لعملية الترجمية (المترجم، النص، المتلقي)، ومثيرين كل المعطيات والصعوبات التي يطرحها كل مكون في علاقته بالمكونات الأخرى، ومشددين على الكيفيات والطرائق الواجب اكتسابها لمواجهة هذه الصعوبات وإزالتها.
في هذا الإطار يندرج مؤلف الباحثين ج.هاردان وس.بيكو (1990)(2)، وهو يتكون من قسم منهجي يقدم النشاط الترجمي في شروطه ومراحله ومحطاته ووسائله ومشاكله، ومن قسم عملي يشتغل على نصوص إنجليزية وفرنسية.
ويسعى هذا المؤلف إلى أن يكون مدخلا إلى ممارسة الترجمة، مدخلا إلى منهج وطرائق المترجم. وهو يأخذ بالمقاربة التطبيقية في هذا المدخل لسببين أساسيين: أولا هناك مؤلفات تدرس المشاكل من زاوية نظرية بطريقة شاملة. ثانيا، لا يكفي الانطلاق من نظرية مهما كانت قوية وشاملة، ذلك لأن الترجمة تشبه أداء مقطع موسيقي، فهي تحتاج إلى الكثير من التقنية وتفرض في أشكالها الأكثر تعقيدا الكثير من الفن والإلهام. ولهذا ينبغي البحث عن تعلم الترجمة بتطبيق المنهجية وبمعاينة وملاحظة ممارسة الترجمة. وهذا ما يفرض القيام بمسح لهذا المجال وتعيين المشاكل التي تعترض المترجمين و"تركيب" ترجمة. Read Moreولا يمكن القيام بكل هذا دون تفكير في اللغة. فمن الضروري اكتساب وعي لغوي يمكن من تجاوز التحويل اللاواعي للوصول إلى المقارنة الواعية المعللة، فالكثيرون يدفعهم المنطق اللغوي اللاواعي إلى إسقاط بنيات لغتهم على لغة أخرى، ولهذا يكون من الضروري القيام بدراسة مقارنة للغتين عند الترجمة. فعندما نقول لغتين، فذلك يعني منطقين ورؤيتين للعالم، ويعني ذلك أيضا أن النحو هو الآلية الحاملة للمعنى، وهذا يدعو إلى القول إنه ليس هناك من ترجمة دون مقاربة واضحة للنحو، ليس فقط باعتباره خزانا للأشكال، بل بالأخص كإوالية ضرورية في بناء المعنى.

أنفاس(الوثيقة الرسمية التي تنظّم علاقة الكنيسة الكاثوليكية باليهود)
تعد هذه الوثيقة المترجمة واحدة من أبرز النصوص المتعلّقة باليهود في التاريخ المعاصر للكنيسة الكاثوليكية. فهي وثيقة لاهوتية مرجعية تعكس مواقف الكنيسة ورؤاها في مستهلّ القرن الواحد والعشرين، ومحورية من حيث إلزامها للكاثوليك واستلهام أبعادها ومضامينها، سواء في الحوارات الجارية مع اليهود، أو ما تعلّق منه بمواقف الكنيسة. آثرنا ترجمتها إلى اللّسان العربي وإطلاع القارئ العربي عليها، لما لها من جدوى في الإلمام بسياسة الكنيسة.
فنظرا للقيمة المرجعية الرسمية لهذه الوثيقة التي أعدتها لجنة العلاقات الدينية مع اليهودية، برئاسة الكردينال إدوارد إدريس كاسيدي في الفاتيكان، فإن الجدل حولها داخل الكنيسة ما انفك، لاسيما لأثر المفاعيل الثقافية والدينية المترتبة عليها في الأحقاب المقبلة.
استهلّت الوثيقة بتوطئة للكردينال كاسيدي، جاءت كالتالي:
عبر عديد المناسبات وفي أثناء مهمتي البابوية، استعدت بشعور يغمره الأسى عذابات الشعب اليهودي خلال الحرب العالمية الثانية. إذ تستمرّ تلك الجريمة، التي صارت تعرف بالمحرقة، وصمة بيّنة في تاريخ القرن العشرين.
ونحن نتأهّب لحلول الألفية الثالثة من العصر المسيحي، تبقى الكنيسة مدركة أن غبطة اليوبيل، هي مسرّة متأسّسة على الصفح عن الخطايا والتصالح مع الربّ ومع القريب. لذلك تدعو الكنيسة أبناءها وبناتها لتطهير قلوبهم من الشوائب، عبر التوبة عن الأخطاء وعن أصناف المكر الذي حصل في الماضي. وتدعوهم إلى الوقوف بخشوع بين يدي الرب، وتفحّص مسؤولياتهم في ما اقترف من شرور في زماننا.
رجائي الصادق أن تعين بحق وثيقة " نحن نتذكّر: تأمّلات في المحرقة"، التي أعدتها وأشرفت عليها لجنة العلاقات الدينية مع اليهودية، على تضميد جراح الخلافات والمظالم في الماضي. وتحفّز الذاكرة وتؤهّلها لأداء مهامها في كنف تشييد مستقبل، لا مكان فيه البتة لظلم المحرقة المجحف. لتكن قدرة ربّ العالمين في عون جهود الكاثوليك واليهود، وكلّ الرجال والنساء، من ذوي النوايا الطيبة، للعمل معا من أجل عالم يسوده احترام أصيل لحياة وكرامة كل كائن بشري، لأن الجميع خلقوا على شبه الله وصورته.

أنفاس كانت بدايةُ الثمانينيات علامةً صامتةً على رغبة شخصية في ترجمة «رمية نرد» إلى العربية. علامةٌ ملقاةٌ في صيغة ملاحظة مكتوبة، بيد، مرعُوبة، يدي، في كرّاس صغير. كانت القصيدة تحت بصري. الصفحاتُ والعنوانُ تلمع. وجسدي يستقبلُ هذا الضوءَ الفريد.
 كنتُ أعامل هذه الرغبة بما هي عرَضٌ من أعراض النزوع إلى المستحيل. كنتُ آنذاك أشرع في قراءة القصيدة فإذا بدُوارٍ يصيبني. دوار الجمال. دوار المطلق. دوار ما لا يدرَك إلاّ ذوقاً. وعند قراءة كل صفحة من صفحاتها كانت النشوة تمتزج باللاّطمأنينة. هي قصيدة تجعل من المطلق مُقامَها الذي لا مُقام سواه. لغةً وتفضئةً.
. ١ .
 كانت صورة ملارمي، التي كان نَـدَر Nadar التقطها له سنة 1895، وهو جالس فوق الكرسي، حاملاً ريشة المداد، وفوق كتفيه غطاء صوفي صغير الحجم أهدته إياه صديقته ميري لُوران Méry Laurent، يشعرني بصورة زاهد، وهب حياته للمطلق. هذه قصيدةُ الأسرار. كنتُ أهمس في نفسي فيما أنا كنت أخشى البوحَ، لقريب أو بعيد، برغبتي في ترجمتها إلى العربية. كلام صامت كان بيني وبين القصيدة. بل لمْ أكنْ أجرؤ على التفكير في الترجمة كلما ألقيتُ نظرة على صورة ملارمي. كنتُ أتخيل ليلاته الطويلةَ في تورْنون Tournon أمام مهَاوِي الورقة البيضاء، أترك نفسي تضيع في صمت كنت أظنّه صمتَ بيته في فالْفانValvins . وأتقمّص شدةَ انتظاره سعادةَ أن يرى صدور القصيدة في طبعة وفيّة لما يتصوره لها، بعد أن لم يستطع أن ينشر «إلاّ نصفَها» في مجلة كُوسْمُوبّوليسْ Cosmopolis .
. ٢ .
وأنا، اليومَ، أنظر إلى نفسي كما كانتْ تعيش تلك الرغبةَ بدون كلمات قادرة على الكشف عنها. قرأت القصيدة، عبر سنوات، من غير أن أبثَّ في إنجاز الترجمة. ثمة شيء ما كان ينقص لكيْ تنطلق الكلمات الأولى، كلمات العربية لقصيدة امتلكت ذهن وحواس ملارمي عهداً طويلاً قبل أن ينجح في كتابتها. ولا أدري كيف تحولت السنوات إلى غمامة خفيفة ألْبسُها وتلْبسُني. إحساسٌ كان يصعب أن يكون لي بطريقة مختلفة.

أنفاسارتبطت ممارسة الترجمة، في تاريخها الطويل، بالأحداث الاجتماعية والسياسية الفاصلة وبالتحوّلات العميقة في تاريخ الثقافات والحضارات، وبالصّراع على السلطة والنفوذ، وانصب عمل المترجمين في البداية على نقل النصوص القانونية والدينية، وكان مطلوبا من المترجم أن يُبلّغ ما يحمله من رسائل تبليغا أمينا لا تبديل فيه ولا تحريف، لأن الترجمات الدينية تتمسّك بقدسية الكلمة ولا تسمح بأي حذف أو إضافة. ثم خرجت ممارسة الترجمة لاحقا من المجال الديني إلى المجال الاجتماعي والمعرفي العام، فأصبح المترجم وسيطا بين المؤلّف والمترجم له، أي ذلك القارئ الذي لا يشارك المؤلّف نفس اللغة "وهذه الواسطة تجردت من حقوقها تجرّدا، وقامت بحقوق غيرها قياما" .
وأما طرائق الترجمة، فقد ظل يتجاذبها على مرّ التاريخ قطبان متصارعان: يتعصّب أنصار القطب الأوّل للترجمة الحرفية، أي "الأمينة"، ويرفضون رفضا باتا ما كان يُعرف "بالترجمة الحسناء الخائنة".وهي ترجمة المعنى التي يجعلها الديداوي مطيّة البيان، ورديف الوضوح، وهي في جوهرها "نقل المعنى من لغّة إلى لغة أخرى سواء كان هذا المعنى هو المعنى الذي يرتكز على الدلالة والمدلولات المرتبطة بالواقع والعالم المحيط، أو المعنى السياقي والموقفي الذي يتصل بسياق أو بموقف معين، أو المعنى النصي الذي يتجلى من الجمل المترابطة في تسلسلها". وخلص روبين براور من تحليله للعديد من النصوص المترجمة لقناعة تفيد بأن طرائق الترجمة انعكاس لتصوّرات المرء عن زمانه، وأن الأفكار التي تسود في عصر من العصور تساهم إلى حدّ كبير في تحديد قيمة الترجمة فيه.
ومثلما اختلف الدّارسون حول مناهج الترجمة وطرائقها، اختلفوا أيضا حول الغرض والغاية من الترجمة. ففي الوقت الذي يدعو شلايرماخر إلى النقل الأمين للنص المترجم، وإلى الحفاظ على خصوصياته الأسلوبية والتعبيرية وعلى طابعه الأجنبي من أجل أن تؤدي الترجمة دورها في إنجاح عمليات التثاقف وتشجيع التنوّع، نجد مقابل هذا النموذج الذي يمّحي فيه المترجم، ويتوارى خلف الأعمال الأجنبية، مدرسة أخرى ترى أن الهدف الأساسي من الترجمة هو إقامة علاقة مع الآخر وإنجاح عملية التواصل بين الشعوب والألسنة المختلفة، ومن هذا المنظور، فالترجمة ليست مجرّد تعبير وأداة تبليغ بل هي وسيلة لتقريب المعنى، ليس لمنطوق النص الأصلي، بل لفهم القارئ المستهدف، وهي بهذا المعنى أيضا "عمل على اللغة، وتفكير فيها مما يسمح للثقافات المختلفة أن تتواصل وتتحاور في ما بينها، فهي المثاقفة التي تسمح للنص بأن ُينقل من ثقافة إلى أخرى، وأن يُصاغ في قوالب مختلفة، تمنحه بفعل ذلك دلالات ووظائف جديدة" (الهواري، الوصلة الشبكية نفسها).