أنفاستنتمي أسطورة "ليليث" إلى أصول تاريخية قديمة جداً، فهي تتصل ببابل القديمة، حيث كان الساميون القدماء يتبنون مجموعة من المعتقدات الخاصة بأجدادهم السومريين، كما ترتبط بأكبر أساطير الخلق. هناك روابط متينة تلصقها بالثعبان، إنها بقايا ذكريات طقس قديم جداً كرّم أكبر إلهة سميت كذلك بـ"الثعبان الأكبر" و"التنين"، القوة الكونية للخلود الأنثوي، والتي عُبدت من خلال هذه الأسماء: "عشتروت Astarté، أو عشتار Istar ou Ishtar، ميليتا Mylitta، إنيني أو إينانا Innini ou Innana"(1).
وقد اكتشفت نقوش في الآثار البابلية (مكتبة آشور بانيبال)، وضّحت أصول "ليليث"، البغي المقدسة لإنانا، والآلهة الأم الكبرى، التي أرسلت من قبل هذه الأخيرة كي تغوي الرجال في الطريق، وتقودهم إلى معبد الإلهة، حيث كانت تقام هناك الاحتفالات المقدسة للخصوبة. كان الاضطراب واقعاً بين "ليليث" المسماة "يد إنانا"، والإلهة التي تمثلها، والتي كانت هي نفسها توسم أحياناً بهذا اللقب "البغي المقدسة".
لاسم "ليليث" جذور في الفصيلة السامية والهندو أوروبية. الاسم السومري "ليل Lil" الذي نجده ممثلاً في اسم إله الهواء "أنليل"(2) يدلّ على: "الريح" و"الهواء" و"العاصفة". إنه هذا الريح الحار الذي ـ حسب المعتقد الشعبي ـ يعطي الحرارة للنساء أثناء الولادة، ويقتلهن مع أطفالهن. عُدّت "ليليث" في البداية باعتبارها من أكبر القوى المعادية للطبيعة تتصدر مجموعة مكوّنة من ثلاثة آلهة: أحدهم ذكر والاثنتان أنثيان: "ليلو Lilû"، و"الليليتو La Lilitû"، و"أردات ليلي L'Ardat Lili، واعتبرت هذه الأخيرة زوجة سارق النور أو السارق الأنثوي للنور.
يوجد كذلك تشابه بين كلمة "ليليث" والكلمتين السومريتين التاليتين: ليلتي "الشهوة" ووليلو" الفسق". تستخدم ليليث إغراءها (المرأة الجميلة ذات الشعر الطويل) وشهوانيتها (الأكثر حيوانية) في نهايات تدميرية. على الأرجح وقع هذا أثناء سبي بابل(3) حيث حاول اليهود أن يتعرفوا على هذا الإله الذي يَنْشط خاصة في الليل؛ وعليه حاولوا أن يربطوا بين اسم (ليليث) والكلمة العبرانية ليل (الليل)، ولكن عدّ الربط احتمالاً غير ممكن الوقوع. وهكذا رُسمت صورة لليليث من خلال ملامح طائر الليل، البومة أو طائر الشؤم.
سيمكّن صوت باحثين آخرين من استكمال وصف ليليث من خلال العلاقات الممكنة التي تُقرّب اسمها من الجذر الهندو أوروبي (ل، La) بمعنى (الخلق ـ الغناء) من جهة، ومن الكلمة اليونانية من جهة أخرى. وتتفرع من الجذور (ل، La) الكلمة السنسكريتية (ليك، Lik) أي (لعق)، وكذلك عدد كبير من الكلمات التي لها علاقة باللسان والشفتين: نجد كلمة (lippe) في الألمانية والفرنسية، وكلمة (Labium) اللاتينية؛ تلتهم ليليث الأطفال، وتتجلى شفتاها وفمها دائماً في الأعمال الأدبية التالية.

أنفاسأهمية الترجمة:‏
عبر التاريخ لعبت الترجمة دوراً بالغ الأهمية في نقل المعارف والثقافات بين الشعوب. فاليونان يرسلون الطلاب والدارسين إلى مصر القديمة للتعلم ونقل معارفها في الحساب والفلك والزراعة... إلى الإغريقية، ثم يأتي الرومان فينقلون عن الإغريقية آدابها وفلسفتها، ويأتي العرب فينقلون عن اللاتينية والإغريقية، ويأتي العصر الوسيط فيدفع بالأمم الأوربية الغارقة في عصر الظلمة إلى نقل المعارف عن العرب. وهكذا تترجم كتب ابن سينا وابن رشد وابن الهيثم والكندي والرازي وغيرهم من علماء النبات والفلك والجغرافيا والتاريخ.. ويظل كتاب القانون يدّرس حتى القرن السادس عشر في بعض الجامعات الأوربية. ثم تدور الدائرة ويعود العرب، وقد وجدوا أنفسهم متخلفين عن الركب الحضاري بعد عصر انحطاط طويل، مضطرين للنقل عن أوربا. وهكذا دواليك... إذ تبقى الترجمة اللحمة التي تربط بين خيوط السداة في نسيج الحضارة البشرية، ربما، لولاها، لظلت الأقوام والشعوب متباينة متباعدة لا يربط بينها رابط.‏
هذا الدور الأساسي الذي تقوم به الترجمة نراه واضحاً من خلال النظرية التي تقول: إن للحضارة أطواراً ومراحل، وإن لكل طور ومرحلة شعباً من الشعوب يحمل مشعل الحضارة، تماماً كما في سباق الماراثون، إذ ليس باستطاعة أي شعب أن يحمل هذا المشعل إلى الأبد... بل هو يأخذه من شعب سابق ويسلمه إلى شعب لاحق... يأخذ ويعطي... مستفيداً من مجمل الإنجازات التي توصلت إليها الشعوب الأخرى قبله... ناقلاً ما وصل إليه وما استطاع أن يطوره يإمكاناته الذاتية إلى ما بعده... وعملية النقل هنا تعتمد اعتماداً رئيسياً على الترجمة. فعلوم الكلدان وإنجازاتهم في الحساب والفلك لم تضع هباء، بل انتقلت إلى مصر. وفلسفة الإغريق وحكمتهم وجدت نفسها بحلة جديدة بين أيدي العرب، وهكذا جبر الخوارزمي وكيمياء ابن حيان وبصريات ابن الهيثم... مشعل ينتقل من يد إلى يد.‏
ولعلنا نرى في تاريخنا العربي أوضح الأمثلة على الدور الذي لعبته الترجمة؛ فقد تنبه الخلفاء, خاصة بعد عصر الفتوحات الأولى، إلى أن هناك ثغرات واسعة لا بد من سدها، لا سيما في مجال تنظيم الدولة والقوانين والجباية وشؤون الإدارة والمال... إلخ. لهذا سارع عبد الملك بن مروان فأمر كل ذي معرفة بلغة بيزنطة وفارس واليونان بترجمة كل ما كتب في هذه الميادين، بعدئذ بدأت حركة الترجمة تتسع وتتطور إلى أن بلغت الذروة في العصر الذهبي للحضارة العربية، عصر المأمون، ذلك العصر الذي احتل فيه أعلام الترجمة مكانة رفيعة لدى الخليفة ورجال الدولة والوسط الاجتماعي، وهكذا حفظ لنا التاريخ أسماء لامعة لما نقلته لنا من كبار الأعمال عن الفارسية والهندية، اللاتينية والإغريقية.. كابن المقفع، ثابت بن قرة، يحيى بن البطريق، سهل بن هارون، حنين بن إسحاق، يوحنا بن ماسويه... إلخ.

أنفاسإن القراءة المُتمَعّنة للأحداث الراهنة تقودنا إلى التفكير في الأسباب العميقة التي ولّدتها وغذتها. واحد من بين هذه الأسباب، ذي الثقل المحدِّد، يَنبع من التصوّر الثقافي للآخر: والآخر هو كلّ مَن لا ينتمي إلى المجموعة التي تقف على إرثها التاريخي الخاص. وفي غالب الأحيان يُعمد إلى قراءة الأحداث التاريخية إمّا لتعليل مشروعية التعايش السلمي والحياة السعيدة، أو لتبرير الحرب والاستنزاف الدائم، والتآكل بسبب الظنون والمخاوف المتبادلة.
أبواق الدعاية لهذين التصوّرين، أعني العيش في كنف السلام والتعايش السلمي، أو العكس، أي الأفكار المسبقة والتعصّب، الشيء الذي يؤدي إلى اختلاق تعليلات لعنف جديد، هي وسائل الإعلام. ولكن الظاهر أن وسائل الإعلام مائحة في غالب الأحيان إلى اظهار البعد السلبي المثير من حياة المجموعات. وليس من سبيل الصدفة أنها كثيرا ما تبثّ مشاريع عنف وحرب عوضا عن مشاريع انفتاح كوني، من طرف مجموعات مصغرة مضغوط عليها، لدرجة أنها تلجأ إلى العنف كردّ فعل. لكن إن تصفحنا التراث التاريخي سنعثر على حالات سلام وحرب، وعليه فإن التاريخ يمكن أن يُقرأ كمُعلّم حياة (magistra vitae) أو مُعلّم موت (magistra mortis). إنه أمر مُعزٍّ وباعث للرجاء ملاحظة أن في ذروة الحملة الصليبية والجهاد الأصغر، نعثر على تجارب مشرقة في التسامح والتعايش السلمي.
لقد وقع اختيار الحقبة التاريخية وصنف الوثائق لأسباب هامة وعميقة، ذلك أنه زمن محدد، أصبح إطارا مرجعيا يحمل مخاطر تأويل تاريخي وكليشيهات ثقافية. لكن على نشازتها فإن زمن الحروب الصليبية والجهاد، وُجِد فيه رجال يَتَبنون فكرة السلم. فالوثائق التي تضمّ رسائل الحكّام الذين يقودون العالم آنذاك تبقى حجة شاهدة على ادراكهم فكرة التسامح، حتى من الزاوية الثقافية. هناك مستندات وثائقية ذات أهمية تاريخية محدِّدة وأخرى أقل منها أهمية. ومن بين الوثائق المهمة نجد تلك التي تخص المراسلات بين الحكام، أو بين السلطات السياسية والروحية العليا مثل البابا والامبراطور وأمثالهم في العالم الإسلامي.
لقد اعتمدنا في بحثنا هذا القراءة والتبويب المنظم للأحداث الخاصة بالتسامح والتعايش، الموزعة في  آلاف السّجلات من الوثائق البابوية ومن المراسلات المباشرة لأمراء مسلمين، أو الغير مباشرة والمأخوذة من الأجوبة التي أرسلها البابا.
المؤرخ، كمحقّق ورَاوٍ للأحداث، له ثقافته الخاصة وشخصيته التي لا يمكن حذفهما؛ لكن، من الأكيد، على كل حال، أنه يجب أن يكون على أقصى درجة من النزاهة وصدق الضمير، من حيث اظهاره نزعة سلام بناءة. التاريخ، وقد كان قد نبّه على ذلك شيشرون هو معلم حياة، وهو بمعنى ما نور ساطع للحقيقة، وبالتالي حسب شيشرون، يجب أن يكون "صادقا بسيطا وصالحا".

أنفاسعلى الأثر الفني أن يقدم ذاته للإدراك! ويجب إنجازه لينتقل من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل. ويتحتم على الإنجاز – على الأقل – بالنسبة لبعض الآثار التي تقوم على الرموز في انتظار من يفعلها. عندها يمكننا أن نتحدث عن وجود افتراضي ، حتى وإن كان الأثر منتهيا لا يضيف إليه الإجراء شيئا على إلى مقصد المؤلف. وضرورة التحقيق – مثلما يقول لنا "إنغاردن" "INGARDEN" يفرضها علينا الأدب المسرحي مثلا. فعندما أقول مسرحية أشعر أن ثمة شيء ناقص أحاول إتمامه، وأنا أفكر – في شيء من الغموض ، وحسب معرفتي بالمسرح-  في الإخراج و المواقف، والنبرات. وكأن ما أفعله إنجاز خيالي ، بيد أنه يبعث الحياة في النص، ويضيء عتمته. فكلمة تأخذ معناها لأنها تنفلت مثل الاعتراف، وأخرى لأنها تنفجر، ومشهد يغدو دراميا فقط للوجود المحتشم لشخصية ملكية صامتة، وعبارة " كم استثقل هذه الزينات، وهذا الحجاب الفضفاض‍‍" تستدعي حركة نوعية، أو زيا خاصا.فإذا كان المؤلف في بعض الأحايين قد عمد إلى تسجيل إشارات تخص الديكور ، أو اللعب، فذلك لأجل القارئ أولا حتى يثير خياله في الحدود التي يسمح الكتاب فيها بمضاعفة المشرح المشاهد للمسرح المقروء.( 1) وفي واقع الأمر ، يكون جهد التخييل الذي أسديه للنص، حين يعترض إدراكي المباشر خط الكلمات، في خدمة الحكم، دون الإدراك. لأنني عندما أنجز المسرحية وفق قدراتي الخاصة، فإنني أسعى قبل كل شيء إلى الفهم، إلى الاكتشاف، أو إلى مناقشة المعنى. إنها حقيقة القراءة‍‍. ففي غياب الوجود الحسي الذي يتحول الأثر بموجبه إلى موضوع جمالي ، يقوم الأثر  مادة للتفكير ببنيته ودلالته. بيد أنني في المسرح أتلقى السحر، أما في القراءة فإنني ببرودة أتدرب على ذكاء النص، والاستفادة الحسنة منه.ومن ثم تقدير الأثر . إنه التقدير الوحيد الذي تنتظره المسرحيات التي لم يتسنى لها حظ الوقوف على الخشبة .. وعندما لا أقف منها موقفا إستيطيقيا ، فإن الأثر لم يتحقق عندي موضوعا جماليا. (2) وذلك الاكتشاف يحققه الإنجاز الفعلي للمسرحية. وقبل البحث عن التغيير الذي يحمله الإنجاز لأصول الأثر ، لنرى كيف تفرض بعض الفنون إجراءها الخاص الذي يميزها عن غيرها .
1 - الفنون التي يكون فيها المنجز غير المؤلف:
       إن الفنون التي تقتضي إنجازا، هي تلك الفنون التي يكون فيها إجراؤها مرحلة منفصلة عن إبداعها. وقد نسمي العرض الأول للمسرحية إبداعا، حتى وإن كان الممثل غير المؤلف، يحقق فيها لذاته نعت الفنان. ومن دون شك يظهر الفرق شاسعا بين الإنجاز والإبداع في العلاقة بين المهندس المعماري والمقاول. وبدرجة أقل أقل بين مصمم الرقصة والراقص. لأن فن "الباليه""BALLET" هو الفن الذي لا وجود له في غياب المنجِز، لأنه يفتقر إلى نظام من الرموز المحددة، وتتعين قيمته من قيمة المنجز وحده. وبغض النظر عن المهندس المعماري، فإن ادعى الممثل والعازف والراقص نعت الفنان، فلإحساسهم جميعا بضرورتهم للفن... كيف ذلك؟

أنفاسأولا- الترجمة ووعي الذات :‏
الترجمة ضرورة أملتها ظروف علاقة الإنسان بذاته وبغيره . فمنذ وعى الإنسان ذاته وتميزه عن الآخر , بدأ يبحث عن فهم هذا الآخر ليعزز من فهمه لذاته , أو لتميزه عن ذاك الآخر أو تواصله معه‏
من هذا المنطلق تعمل الترجمة على فتح الآنية على الغيرية ، وتقحم الآخر في الذات وتوسع دائرة التخيل لدى الإنسان ، وتحفظ ذاكرة الشعوب من الاندثار، وتجعل المرء يسافر عبر الأزمنة والأمكنة دون أن يبارح زمنه الخاص أو مكانه الخاص. كتب مترجمو طبعة الملك جيمس من الكتاب المقدس عام 1611 :" إن الترجمة هي أن نشرع النافذة لكي نتيح للنور أن يدخل ، وأن نكسر القوقعة كيما نأكل اللب ، وأن نزيح الستارة فنرى إلى المكان المقدس ، وأن نرفع الغطاء عن البئر حتى نجد الماء ..."‏
ولكي يكون التفاعل الثقافي مع الآخر فاعلاً ومؤثراً ومنتجاً، ينبغي لنا أن نعرف الذات بالإضافة إلى معرفتنا للآخر. وإذا كانت الترجمة تساعدنا على معرفة الآخر عن طريق نقل فكره إلينا، فإنها تساعدنا أيضاً على إدراك الذات بطريقتين متكاملتين. الأولى، تقوم الترجمة بتسليط الضوء على الآخر لنتعرّف عليه، وتعرُّفنا عليه يساعدنا على معرفة أنفسنا، لأننا لا يمكننا أن ندرك الذات ما لم نعرف الآخر، فبالآخر يتحدد الأنا. والثانية، هي أن ندرك ذاتنا عن طريق إدراك الآخر لنا. وتقوم الترجمة بنقل تصورات الآخر عنا إلينا. وكما بات معروفا فإن وعي الذات هوأحد الشروط الأساسية لتغيير الواقع الذي يحيط بهذه الذات . وكلما كان المرء واثقا من فكره وصحة وواقعية أهدافه كلما استطاع التعاطي مع الآخر المختلف دون خوف من الوقوع تحت هيمنته , ومثالنا على ذلك حلقات الحوار التي كانت تناقش كل شيء دون وجود لخطوط حمر أو خضر، أيام المأمون ، والمترافقة مع اتساع حركة الترجمة وانفتاحها حتى على فكر وخبرة المجتمعات والدول التي ناصبت الدولة العربية العداء من روم وفرس وغيرهم . فالترجمة لا تكون أداة فاعلة في المساهمة في تطوير مجتمعنا إلا عندما يتوفر شرط قبول التفاعل الحضاري مع المجتمعات المترجم عنها، وبالتالي شرط قبول الاقتباس عن "الآخر". وبالرجوع إلى عصر الازدهار العلمي العربي الإسلامي يتبين لنا بأن ظهور الترجمة وتطورها قد تحققا في مناخ شاعت فيه الحرية الفكرية وشهد انتصار أنصار المعارف الحديثة، الذين شّرعوا الاقتباس عن الأمم الأخرى ، على أنصار المعارف التقليدية، الذين وقفوا في وجه العلوم "الدخيلة". لقد انفتح العرب المسلمون على "الآخر" من دون أي تردد في ذلك العصر.....أما بعد تفكك الدولة القوية جراء الصراعات الداخلية والاستبداد والفساد ، فقد بات المجتمع والفكر واللغة والمصالح والحدود عرضة لجميع أنواع الانتهاكات ، وآل بنا الأمر للنوم لأكثر من أربعة قرون، نفترش الخنوع ونلتحف الغيبيات ، بينما كانت المجتمعات الأخرى تبني بأفكار فلاسفتنا وعلم علمائنا، بالإضافة إلى عناصر أخرى ، مجتمعات متطورة باستمرار .‏

أنفاسالمعادلة هي الإلحاق‏ :
في علم الترجمة، هناك دعاةٌ يشجّعون نزعة التمركز على العرق. وهذا ما سنعاينُه بصدد مقالة نشرتها المجلة الكندية META بقلم رومني: 1984)، وهذه المقالة تهتمُّ بترجمة التضمينات(1) الثقافية، في قصة: "أليس في بلاد العجائب". ويدرسُ كاتب المقالة، من بين النصوص الفرنسية الموجودة التي تقارب الأربعين، سبعة نصوص، نُشرت بين عامي 1869 و1976. أما حديثنا هنا فلا يتمثل في أن نقدم بدورنا نقداً لتلك النصوص المختلفة، بل في تبيان الكيفية التي تؤدي بالإطار التحليلي الذي يضع مؤلف المقالة نفسه فيه، إلى الوقوع في نطاق الانغلاق.‏
إن ك.رومني يعدد تسع مشكلات ثقافية، أي أنه يعدِّد، في واقع الأمر، تضمينات ثقافية بريطانية بنوع خاص، وهي تشكل صعوبات في الترجمة، وهذه الصعوبات هي: 1-"أن جنسية شخوص كتاب معين يجري تعرُّفُها عموماً من خلال الأسماء التي تحملها". 2-"وثمة دليل آخر يتيح للقارئ أن يعرف جنسية الشخوص هو، بدهياً، اللغة التي تتكلمها". 3-"التلميحات إلى تاريخ انكلترا والذي لا يعرفه القراء الفرنسيون معرفة حسنة". 4-"التلميحات الجغرافية". 5-"التلميحات إلى طرائق التعليم". 6-"الطعام". 7-"بعض التلميحات النادرة إلى النظام السياسي والقضائي". 8-"التعابير الاستعارية والأمثال". 9-"الأغاني وهدهدات الأطفال أي: Nursery Rymes".(2)‏
نرى في هذه القائمة حالاً أن "تلميحات" هي الكلمة المفتاحية. فمشكلة الضمني بكاملها، وهي المشكلة الجوهرية فيما يخص إشكالية ترجمة الثافة، هي التي تُطرح هنا في واقع الأمر. ولسوف يتعين علينا أن نرجع إلى هذه المسألة. وبانتظار ذلك الحين، لنلاحظ أن ك.رومني يحذرنا، بدءاً من مدخله، من تعذر اكتشاف الآخر في العمق: "عدم الفهم هذا، وهذه الحيرة التي يثيرها الكتاب تصدر جزئياً عن الأساس الثقافي الذي يستخدم كحبكة لمغامرات الصبيّة ...). وفي بعض الأحيان لا يفهم القارئ الفرنسي التلميحات، ويلقى نفسه غارقاً في جوٍّ لا ترتبط عناصره بعالمه الخاص به، الموضع نفسه، ص: 267). وإذا ما رددنا عبارة ج. لادميرال، نجد، منذ البدء هنا "اعتراضاً استباقياً" لادميرال، 1979، الصفحات 76- 85، وما تلاهما) على ترجمة الثقافة: فثقافة الآخر تظلُّ حبيسةً في أجوائه الداخلية. وحين تصل إلى ذاتنا (3) فهي تصيبُها بالحيرة، بسبب طابعها الأجنبي. إن مقالة ك. رومني تتيح لنا أن نفهم حول أية محاور تُبنى الممارسة المتمركزة على العرق؛ فهناك، أولاً، هاجس "القارئ"، ثم البحث عن "المعادلات" الفرنسية التي يمكنها أن تتوافق مع التضمينات الثقافية الأجنبية، أو، على الأصح، أن تحل محلها، ثم تجابهنا المشكلة التي مفادها أن المرجعيات الثقافية ليس لها "القيمة" ذاتها بالفرنسية، وبالانكليزية. مثال: الفكرة التي نكوّنها عن زيلاندة الجديدة مختلفة، من هذه الجهة أو تلك من بحر المانش)؛ وهناك أخيراً رفضٌ "للغرابة".‏

أنفاسهل خطر في بالك يوماً أن تقرأ أو أن تسمع رواية مئة عام من العزلة بشيفرة بوليسيّة؟ ها هي هيئة أحد الأحياء المزدحمة بالسكّان والقريبة من مدينة مكسيكو, قد شارفت على إنجاز ترجمة فريدة في نوعها للكتاب الذي يمثّل أنموذجاً لما يطلق عليه اسم "الواقعية السحريّة".
"بداية, لا شيء من (ألفا) العزلة. (ألفا) كثيرة لاحقة, وأمام المجموعة التي تصنع 44, وقف العقيد آورليانو بوينديا يصنع 60 لمساء قصي جعله والده فيه من 26 إلى 62 الثلج".
هذا ما تقوله ترجمة رواية غابرييل غارسيا ماركيز التي ينجزها عناصر في شرطة بلدية نيزاهوالكويت بلغتهم المألوفة التي تتشكّل من رموز رقميّة وألف باء صوتيّة.
وهكذا, فقد تُرجمت عبارة مثل "أمام فصيلة الإعدام", بجملة "أمام المجموعة التي تصنع 44, وتعني الـ  44 هنا "ميت".
(والنص في الرواية الأصليّة هو: بعد أعوام عديدة, وأمام فصيلة الإعدام, كان على العقيد آورليانو بوينديا أن يتذكّر ذلك المساء القصي الذي اصطحبه والده فيه ليُريه الثلج).
التشجيع على المطالعة :
ويشكّل هذا العمل جزءاً من برنامج اسمه "انتباه! أدب!" يهدف إلى التشجيع على المطالعة في مجتمعات الشرطة, باستخدامه لغة عاميّة مألوفة لدى لابسي الزي الموحّد.
ما الفائدة التي يعود بها البرنامج على الخدمة؟ يجيب روبرتو بيريز أحد منسّقي ورشة العمل: "أولاّ, إنّه يجعلنا حساسين لكوننا كائنات بشريّة, كما يسمح لنا بمعاملة المواطنين الذين نخدمهم معاملة طيّبة, وبالعناية بمسألة الأمن العام وهي مسألة هامة جداً في كلّ أنحاء البلاد".
فقدان هيبة الشرطة :
يتصف رجال الشرطة في المكسيك بتدني مستواهم التعليمي, وبأدنى درجة من المصداقيّة, مما يجعل المواطنين الذين يقلقهم ارتفاع معدّلات الفساد في مؤسسات الشرطة, وخصوصاً على مستوى البلديات, ينظرون إليهم نظرة سيئة.
ولذا فقد رأت السلطات في محلّة نيزاهوالكويت, وهي إحدى ضواحي العاصمة, أنّ من الضروري أن تتدخّل في القضيّة في سبيل "تربية" رجل الشرطة, حسب اعتراف عمدة المحلّة فيكتور باوتيستا في مقابلة أجرتها معه محطة بي بي سي.

أنفاستقديم : تستأثر الرياضة بشكل عام، وكرة القدم على وجه الخصوص، باهتمام عدد كبير من الناس، حتى قال عنها ماو تسي تونغ ذات يوم:"ينبغي الاهتمام بهذه الرياضة التي تجمع حولها كل هذه الملايين من الناس" .غير أن الناقد الإيطالي الكبير أمبرتو إيكو  UMBERTO ECOيعتبرها ،على العكس، طريقة ماكرة لإلهاء الناس عن الحياة الاجتماعية والسياسية.وفي الاستجواب التالي الذي أجرته معه مجلة  GLOBEيعرض إيكو آراءه ويحدد موقفه.وما تتميز به هذه الآراء وهذا الموقف من جرأة في الطرح وعمق في التحليل ، يسترعي الانتباه ويفتح شهية النقاش.
                                                                                        المترجم.

*المجلة : يبدو أنكم تؤيدون فكرة أن كرة القدم –أفيون الشعوب- على غرار المقولة الروسية، تسبب وفاة عدد من الأفراد الممتازين،تاركة الإنسانية ،بذلك، تتابع سيرها مع أفراد جدد.
 إيكو:أنا متفق ،فعلا، مع المستقبليين الإيطاليين (في بداية القرن( حين قالوا :" الحرب هي وحدها الكفيلة بتنظيف العالم"،لكن،شرط أن يشارك فيها المتطوعون وحدهم.غير أنها:للأسف، تجر إليها الضحايا،فتصبح، أخلاقيا، دون مستوى العروض الرياضية، لذلك يعجبني سباق الدراجات النارية فوق الهضاب والجرف، والنزول الجنوني بالمظلات، وتسلق الجبال الشاهقة، هكذا لا يموت إلا من أوتي هذه الكبرياء في جسده. فأنا إذن أوافق على كل نشاط جسمي يؤدي إلى وفاة "الأبطال" شرط أن يكون ذلك باختيارهم. إن الأرض ضيقة جدا، فيجب أن  تترك لنا نحن الذين نملك رؤية بسيطة للحياة. ومجمل القول، فالرياضة في حد ذاتها، لا تقل احتراما عن الحب، لا أنتقد إلا العروض المغرية، حتى وإن كانت أحيانا مثيرة، والحالة هذه، أن الرياضة كما تمارس اليوم، ليست غير ذلك. بعض الكائنات الوحشية (كأخصياء كنيسة سيكستين( "صنعت" لتصبح ابطالا بلا روح، تحيط بها جماهير مبتهجة تتفرج عليها لترى كيف "تحرك أجسادها" يتعلق الأمر هنا بنوع من الإستبداد المعنوي الذي يفرض على الأغلبية نسيان جسدها، لتعجب بجسد أقلية.
 
*المجلة : أليس هناك شيء من الحسد في حديثك؟