إشكالية الدراسة وإطارها التصوري:

تندرج وثيقة البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بسلك التعليم الابتدائي في إطار استكمال الجهود  الهادفة إلى التجديد والتطوير المستمرين، بما يمكن من توجيه الممارسات التربوية بهذا السلك نحو تحقيق أهداف النظام التربوي وضمان الانسجام والتفاعل بين مكونات المنهاج، وكذا الإسهام في تيسير الأداء المهني لمختلف الفاعلين وتطوير كفايتهم وتعزيزها، ومن خلال هذه الأهداف الأساسية للمنهاج، تصبح الإشكالية المطروحة هنا، هي إلى أي مدى أستطاع المنهاج أن يوصي بمبادئ وطرائق الديداكتيك العامة؟ وهل هناك طريقة معينة يوصي بها المنهاج للتدريس؟ أم هناك طريقة يوصي بها لتدريس جميع اللغات؟ وهل للغة العربية طريقة خاصة، أم هناك ما هو مشترك وما هو مختلف؟ وكيف هو التقييم الذي أوصى به المنهاج، هل هو عام يوصي به لجميع اللغات أم هو خاص بالنسبة للغة العربية؟ ثم إلى أي مدى تم الاهتمام بالكفايات في المنهاج؟

- مــدخــل:
    الفعل التعليمي – التربوي الخلاّق، بمعناه ضمن معظم التيارات و المدارس التربوية المعاصرة، هو ذلك الذي يضمن نمو المتعلمين،نموا على مستوى مختلف أبعاد شخصيتهم: النفسية و الجسدية و الاجتماعية و الأخلاقية و المهارية و العقلية...و يشترك كل المدرسين في هذا الرهان، رغم اختلاف موادهم التعليمية، ما دام المحوري في تلك الأبعاد و الضامن لنموها و ازدهارها، و الذي هو النمو العقلي، أو نمو البنيات المعرفية، يخصّهم كلهم، إذ حين يحدد أحد أبرز علماء النفس التربويين المعاصرين مثلJohn Biggs  مهمة المدرس الملهم في مساعدة المتعلمين في التخلص من البنية المعرفية المختلةunstructured) ) و الأحادية (unistructral)، باتجاه المتعددة العناصر(multistructural)، ثم العلائقية (relational)، فالميّالة أو الممتدة نحو التجريد(extended to abstraction)(1)،فإنه لا يجعل هذه المهمة الرفيعة تخص مدرس مادة دون غيرها، بل يجدها روح رسالة كل مدرس و محور كل أنشطته التعليمية، و بها تقاس فعاليتها، و أهليته لهذه الرسالة.

تقديم:
عرف المشهد التربوي مجموعة من التحولات على عدة أوجه ، سواء على مستوى منظوماته المرجعية أو على مستوى الغايات أو على مستوى المفهوم في حد ذاته، فقد أصبح سؤالا حيويا شغله الشاغل هو تطوير الممارسة التربوية وتجويدها.ومن هنا أصبح الاهتمام بالنوعية وتحسين المردودية التربوية من صميم اهتمام العديد من الباحثين، فقد تأثر قطاع التربية كمثيله من القطاعات الأخرى بمفاهيم جديدة مسايرة للعصرنة، مع التركيز على الفعالية والجوانب العلمية و الموضوعية.و بدأ الاهتمام يروم  الإجابة على مجموعة من الأسئلة من قبيل: كيف نكون متعلمين فعالين ؟ وكيف نطبق أحسن الطرق و الوسائل من أجل هذا المتعلم الفعال ؟ و كيف نحقق الغايات و الأهداف المتوخاة ؟[1].وقد حاولت في هذا المقال تقديم نظرة بانورامية لأهم النظريات والحركات والأفكار التربوية وسماتها في مختلف العصور وأثرها على الحقل التربوي والممارسة التعليمية المعاصرة.

متداخلة هي ما يلاحق المدرسة المغربية من أسئلة تخص وقعها الوظيفي وقدرتها وحمولتها، وأمام تباين مؤشر أزمة الشأن نجد إشكال التكوين والتكوين المستمر كحلقة أساس في المنظومة التربوية، وفي حديث الباحث والفاعل والمهتم حول ما هو مهننة وتجويد وكفاية أطر. وقد يكون التكوين والتكوين المستمر مدخلين أساسيين لأي إصلاح بات بحديث عن إصلاحِ إصلاحْ، وأن كفايات المهننة هي من سبل تمكين الفاعلين من تنزيل أي اصلاح مؤثر وقادر على بلوغ المنشود من النتائج. الرهان الذي يتأسس ويتمحور حول ما هو موارد محركة للفعل التربوي لن يتحقق دون إطار تكوين وتكوين مستمر، بعيداً عما هو إعادة إنتاج وبأفق أكثر مِهَنية من خلال كفايات أساس ووضعيات مهنية للتجريب والإعداد والاكتساب.

 «la géographie peut servir à faire la guerre et donc à produire la justice ‘’spatiale ‘’ »
Bernard Bret, 03/2015, Géocarrefour Volume 90, La Nature en question. Varia . compte rendu d'ouvrages Théry H., 2014, Le Brésil, pays émergé, Paris, A. Colin, coll. Perspectives géopolitiques, 300
 p.

المحور الثالث : مفهوم "العدالة المجالية" ونشأة الجغرافية القيمية

    الملاحظ أن التقارب بين القيم الفلسفية (العدالة) والأبحاث الجغرافية، قديم قدم الدراسات الجغرافية (المدينة الفاضلة)، لكن استثمار القيم الفلسفية بمنظور التأصيل الجغرافي تعتبر مسالة جد حديثة ترجع خلفياتها غلى ما بعد الحرب العالمية الثانية،  والهدف منها ليس مناولة الموضوع الجغرافي بمنظور فلسفي صرف، ولكن بمنظور جيو مجالي يعمل على استدماج القيم الفلسفية ضمن التنظيم المجالي، في أفق عقلنة تشخيص وتفسير الأبعاد القيمية المجالية (قيمة العدالة). انطلاقا من هذا الجانب فإنه من المسلمات البديهية على مستوى تنظيم المجال (من المجال المحلي، إلى المجال العالمي)، أنه لا وجود لتنظيم سوسيو مجالي عادل/منصف. وبذلك فالعدالة المجالية تشكل حلما أو يوتوبيا بالنسبة للإنسان (مواطن – باحث – مسؤول عن الإعداد والتخطيط – فاعل جمعوي...). كما يجب علينا الاحتراس أثناء مناولة هذا المفهوم وعدم خلطه بالمفاهيم القريبة منه والمتداخلة معه وهي مفاهيم الاختلافات/التباينات المجالية (les différenciations spatiales)، والتفاوتات المجالية (les inégalités spatiales)، واللاعدالة المجالية/اللاعدالة الترابية (l’injustice territoriale)، والعدالة الاجتماعية، فالاختلافات أو التباينات المجالية تمثل حقيقة واقعية، وأن التفاوت في تنظيم المجال هو المحرك الأساس/المظهر لعملية اللاعدالة المجالية، ومن جانب آخر تعد العدالة الاجتماعية مدخلا أساسيا لإحقاق العدالة المجالية والعكس صحيح، معنى هذا أننا أمام قضية تحمل وجهين لعملة واحدة...   

*تقديم
    يشكل المدخل القيمي أحد المداخل الرئيسة المهيكلة للمنهاج الدراسي الحالي لمادتي التاريخ والجغرافيا بالتعليم الثانوي التأهيلي، بجانب المدخلين الآخرين الذين بني عليهما تجديد منهاج المادتين، وهما المدخلين البيداغوجي والتربية على الاختيار. ويمثل هذا المدخل القيمي في نفس الوقت إضافة نوعية للارتقاء بتدريسية المادتين في أفق مقاربة معايير التغطية الشمولية والتمثيلية الخاصة بمنظومة الكفايات، بالتقاطع المتكامل مع المكونات المميزة لشخصية المتعلم (معرفيا/مهاريا/قيميا)، وباستهداف معايير الجودة والتجديد والتحيين في المنتوج المقدم للناشئة المتعلمة. لكن المنظومة القيمية بحمولتها المتعددة الأبعاد المرتبطة بترسيخ قيم الهوية والمواطنة والانفتاح على المنجزات الحضارية العالمية وتقدير ميراثها، والتشبع بالحقوق والحريات وتحمل مسؤولية الواجبات، تبدو واضحة المعالم ضمن دروس مادة التاريخ، إلا أنها تأخذ أنساقا وأشكالا ومظاهر خاصة ضمن منهاج مادة الجغرافيا، بحكم الدينامية المجالية الزمانية التي تطبع تنظيم وتعديل الظواهر الجغرافية، والترابط النسقي للمكونات الإبستمولوجية والبيداغوجية والديداكتيكية المهيكلة لأسس المادة مع الأبعاد المنتظرة من قيم التربية المجالية (المرجعية الديداكتيكية للجغرافية المدرسية – مدخل المقربة بالكفايات)، وانفتاح آفاق الدراسات الجغرافية على إنتاجات العلوم الإنسانية الأخرى (الفلسفة – السوسيولوجيا – المنظومة القانونية...)، وهو ما يطرح إشكالية توظيف/ادماج جملة من المفاهيم القيمية الجديدة ضمن حقل الدراسات الجغرافية ذات المضامين المجالية كالعدالة المجالية، والعدالة الترابية، والعدالة المناخية، والعدالة البيئية... من خلال العمل على ضبط محتوياتها الدلالية، والأطر النظرية والمقارباتية التي أنتجتها، وسياقات استثمارها، وكيفية تدريسيتها ضمن دروس مادة الجغرافيا، وانتقاء الآليات الكفيلة بتدبيرها، وكيفية اكتسابها من طرف الناشئة المتعلمة والتشبع بمضمونها القيمي المجالي...

لماذا يستمر هذا العبث بالمدرسة؟ هل نسير إلى الهاوية بتعبير الفيلسوف الفرنسي إدغار موران؟ ما الحل؟ وكيف؟ ومتى؟ وكم؟ ولماذا يجب التدارك الآن وليس غدا؟ أليس من حق المغاربة أن يعيشوا في وطن حر حداثي قوي جميل مبدع يتساوى فيه الجميع، ويسعد فيه الجميع حقيقة لا مجازا؟ أما آن للوطن أن يتأصل ويتكلم لغته؟

 معلوم أن الأزمة التعليمية في المغرب لم تعد مجرد أزمة عادية عابرة، لقد استفحلت وتورمت لتصير طاعونا قاتلا. يشهد بذلك الجميع، الخبير العليم والجاهل الأمي، في الداخل والخارج، بالدراسات والتقارير والأرقام . الكل يندب حال المغرب في هذا القطاع الحيوي. لقد بلغ السيل الزبى، ونسير إلى الهاوية بخطى راسخة فيما يبدو. هذا ما يفصح عنه واقع الحال بدون مجاملة تحاول تغطية الشمس بالغربال. فلا تعويذات وتمائم السياسة قادرة على إشفاء بأوصاله الأسقام، ولا أراجيف التوهيم قادر على تسكين آلام شعب وإسكات أنينه، ولا مساحيق البلاغة تُواري إفلاس المنظومة بالتلطيف والمدح والمجاز والتورية، فقد نزع الغطاء عن سوءاتنا في القطاع، وأسفرت عن مجتمع يخبط خبط عشواء.

تقديم وإشكال
أصبح التدريس بالوضعيات – المشكلات أكثر انتشارا ضمن المنظومات التربوية العالمية، لا سيما وأن هذا النهج قد تم تبيه من طرف بعض المؤسسات الأكاديمية (كلية ماك ماستر للطب بكندا 1969/التكوين المهني...)، واستحسنه العديد من البيداغوجيين في إطار الأجرأة التدبيرية لمدخل المقاربة بالكفايات (البيداغوجيا النشيطة)، بهدف الارتقاء بتدريسية منهاج المواد الدراسية ومنها مادة الجغرافيا، وانتشالها من الرتابة الطولية والشكلانية الخطية نحو طرح الإشكالات المركبة والبحث عن الحلول الناجعة لها (الوظيفية)، انسجاما مع تكامل الوظيفيتين الأساس لمنهاج المادة (الوظيفتين التربوية والمجتمعية)، وتقاطعهما مع تكوين الناشئة المتعلمة (المواطنة الفاعلة)، مقدما العديد من الإيجابيات والمزايا التعلمية للمتعلمين...

ومن هنا أصبح من الضروري وضع المتعلِّم أمام وضعيات – مشاكل، فليس من الجائز تقديم الخلاصات والمعلومات الجاهزة عن القضايا الجغرافيَّة المدروسة للمتعلمين (بيداغوجيا الحلول الجاهزة)، ولكن عليهم البحث عن دلالات المعطيات والقضايا الجغرافية وفهمها، والتدرب على طرح التساؤلات وصياغة الفرضيات وتعزيز التعلُّم الذاتيِّ، وتطوير مهارات التفكير الإبداعي والاستقصاء، ومعالجة المشكلات باقتراح الحلول المناسبة لها، وتبني المواقف والقيم المجالية الإيجابية، والتفاعل المرن معها (بيداغوجيا حل المشكلات)...

تقديم
تعد منظومة القيم بمحتوياتها واتجاهاتها وميولها ركيزة من الركائز التي يقوم عليها العمل التربوي كهدف ووظيفة، وهي مكون رئيسي للبناء الثقافي للمجتمع، يعتبر نموذجا منظما للقيم في هذا المجتمع أو ذاك.
تؤدي منظومة القيم مجموعة من الوظائف على المستوى الاجتماعي، حيث تربط أجزاء الثقافة وتزود المتعلمين والمتعلمات بمعنى الحياة والهدف الذي يجمعهم ببعضهم البعض، كما أنها تمكنهم من القدرات الضرورية لأداء الالتزامات المختلفة لأدوارهم.

وقد أصبح لموضوع القيم راهنيته في المجتمع المغربي، وفي مناهج التربية والتكوين نتيجة للثورة التكنولوجية للإعلام والتواصل وما احدثته من تغيرات اقتصادية واجتماعية عالمية ومحلية وكذا عوامل التغيير الثقافي وما ترتب عنها من إعادة تشكيل كثير من معارفنا ومفاهيمنا عن الحياة، وإعادة النظر في معظم تصورات الإنسان عن ذاته، علاقاته وعالمه.

هل بإمكان المدرسة أن تصلح ما أفسده الفقر؟ إنه السؤال الملح الذي قاد الخبير التربوي إيريك جنسن إلى تسليط الضوء على إشكالية الفقر والتعليم من منظور علم النفس العصبي المعرفي، لرصد الآثار والتغييرات السلبية التي تطرأ على وظائف المخ في البيئات المحرومة.
يركز مضمون عمل جنسن على العلاقة بين التحصيل الأكاديمي و الضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الطفل في بيئة فقيرة؛ وذلك من خلال أطروحات ثلاث:
تنبني الأطروحة الأولى على حقيقة مفادها أن التعرض المستمر للفقر يُحدث تغييرات مدمرة في المخ، حيث تُسبب الخبرات المؤلمة في الطفولة خللا في الوظائف الاجتماعية و المعرفية، واضطرابا في السلوك، ناهيك عن التعرض للأمراض وخطر الموت المبكر في بعض الحالات.

ساد الاعتقاد منذ القرن التاسع عشر بأن السلوك الإنساني نتاج العوامل البيئية، فانحصر الأداء التعليمي في مكافأة التحصيل الجيد، ومعاقبة كل خمول أو تراخ أو انحراف، دون الاهتمام بدور الاستثارة الداخلية في تعزيز وتيرة التعلم.
غير أن نموذج الثواب والعقاب كشف عن تناقضات تهز المبدأ الجوهري للتربية. إذ لم يعد الإنجاز قيمة في حد ذاته، بل ارتبط بنظام المكافأة، أو ما يسميه إيريك جنسن: الرشوة التي نقدمها للتلاميذ!

خلال ستينيات القرن الماضي وجه الباحث والطبيب النفسي الأمريكي وليام غلاسر أنظار التربويين إلى دور الحاجات السيكولوجية الداخلية في تفعيل الرغبة للتعلم، من منطلق إيمانه بأن السلوك البشري هادف، وينبع من أعماق الفرد لا من قوى خارجية. إننا مدفوعون من الداخل إلى الخارج، يقول غلاسر، وليس العكس. وهكذا شكلت نظريته في العلاج الواقعي تحديا للمنظور الحتمي حول الطبيعة البشرية، بمعنى: مادام الفرد قادرا على بذل مجهود ذاتي فسيتمكن من إحداث التغيير، وإعادة تشكيل بيئته بما يتناسب مع تصوراته.