الفكر العربي و بناء منهج النفي و الإثبات ـ د. محمد الصفاح

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

artistic-mess-graphicاستقراء لشخصية الفكر العربي يتبين أن حياته الفكرية قد خضعت لحقبتين زمنيتين اثنتين:
1-    حقبة التلقي ،و الإقبال ،و القبول ،و الاستيعاب و التمثل: و خلالها كانت العلاقة بين الفكر و الأنشطة المعرفية، علاقة تقبليه، تميزت بالانفتاح على العلوم و المعارف. فكان بذلك فكرا طوافا، جوالا غازيا، سائحا ،شديد الحماسة للعلم، و تعقبه أنى وجده، يتوخى تحصيل الزاد المعرفي الروحي، الكفيل بصناعة الشخصية المعرفية الفكرية القادرة على صياغة رؤية للعالم، وفق منظور علمي فكري، يمتلك القدرة على بناء المواقف، و تدبير الوضعيات على الوجه المطلوب.
على هذا النهج القويم الرشيد إذن سار الفكر العربي حقبة من الزمن، تحركه الرغبة الأكيدة لامتلاك ناصية العلم من مواطن العلم، و تشده غريزة الوفاء للفكر. و لعلها القيمة الثمينة الكامنة وراء ميلاد و إنجاب الشخصية الفكرية الاعتبارية العابرة بصدق و مصداقية نحو:
2-    حقبة التساؤل و النقد و التأصيل و الإبداع: إنه طور أبان فيه الفكر العربي و بحق عن نضجه و قوته وعلو شأوه، إذ برز على مسرح الحياة الفكرية، فكرا رشيدا، راشدا يمتلك ناصية التفكير القوي، بعدما تزود بكفايات و مهارات و آليات مستقاة من علوم شتى اطلع عليها و خبر فلسفتها و مضامينها لاسيما الفلسفة و المنطق. فتجلت بذلك حركته الفكرية القائمة على أساليب

-    النقد و الفحص و التمحيص.
-    الحجاج.
-    المناظرة.
-    الاستقراء و الاستنباط.
و هي آليات أسلوبية تثبت و تؤكد:
1-    قوة الفكر و التفكير.
2-    حرية الفكر و استقلاليته.
3-    الشخصية العلمية للفكر.
من هذا المنطلق أضحى الفكر العربي صاحب صوت يسمع، رافضا، و منتقدا، و مجادلا، و مناظرا. يناقش و يحاور الأفكار، ويقارع الخصوم و ينازلهم بالفكر القوي و التفكير المنطقي العلمي. و تلكم القوة الفكرية و العلمية المتراكمة عبر السلوك الاجتهادي الحثيث و الخبرات القرائية. الدءوبة، أكسبت الفكر فتحا عظيم الشأن تجلى في تمتعه بقدرتين اثنتين تعدان نقطتي ارتكاز هذا الفكر، هما:
1-    القدرة على النفي: و تكونت لديه عبر التراكم القرائي الذي أمده بمخزون استراتيجي كبير وثر من المعارف كونت لديه خبرات معرفية جعلته قادرا على الحركة الفكرية في كل الاتجاهات، بما في ذلك النفي، و يعني ،الرفض و الاستبعاد. أي رفض كل ما يتعارض و التفكير العقلي المنطقي. و المقصود بالرفض في هذا المقام، الرفض العلمي المبني على القواعد العلمية المنظمة لعملية التفكير السليم. و ليس ذلكم الرفض الانطباعي المرتبط بسلطة الذات و ما تفرزه من أهواء. و قد تحقق النفي في بعدين اثنين: الأول، له علاقة بالذات، و ذلك لما انبرى الفكر معبرا عن نفسه سالكا كل السبل الفكرية ذات الصلة بالمشارب المعرفية و الروافد الثقافية بهدف الكشف عن حقيقة الذات التي بدت واضحة المعالم بعد عملية الكشف، و الانكشاف العلمي و المعرفي. و لعله أمر استطاع من خلاله الفكر أن ينفي عن نفسه و عن أهله العجز و الانكسار، مثبتا الأهلية و القوة و الازدهار. أما الثاني: فله علاقة بالفكر الأخر، و ذلك حينما أثبت له ،أنه ليس فكرا خصما، معاديا، حقودا، يضمر ثقافة الشر و العدوان إنما هو شريك له في الحياة و الحضارة و الإنسانية.
و الملاحظ أن فلسفة النفي و القدرة عليه كأداء علمي، عملي، لا يمكن أن تنضج مادتها في الذهن و يستقر منهجها في التفكير، إلا إذا كان الفكر يمتلك القدرة على الشك، و ليس أي شك. بل، الشك العلمي القائد أو المفضي نحو اليقين الفكري المعرفي، و ذلك على اعتبار أن آلية الشك، أداة من الأدوات المنهجية الفلسفية الأسلوبية الموصلة إلى كشف حقيقة الشيء قصد نفيه أو إثباته، و ذلك بالوسائل الفكرية المناسبة القادرة على إقناع الخصم الجاهل أو المعاند.، و جعله يقر بالمنفي و يقتنع به ،و يصدقه. و ذلك نصر للفكر و انتصار للتفكير.
2-    القدرة على الإثبات: أسلوب فكري أو مهارة فكرية تكتسب بالمجاهدة والمكابدة و العشق اللامحدود لفنون القول بشتى ضروبه إنه مقام تفكيري أدركه الفكر العربي بفضل اجتهاده المتواصل، إلى أن صار قوة جبارة تتحطم على جلاميدها أسوار الوهم العالية و تتهاوى على كلكلها عواصف الأباطيل العاتية. و ذلك لما امتلكه من قوة منحته الشرعية و الحق لإثبات ما ينبغي إثباته صدقا و على وجه الحق للفكر الأخر، لا ما يراد إثباته عنادا و مكابرة، من خصم، سواء أكان مخاصما، أو مرتابا جاحدا. ليصبح بذلك الإثبات فلسفة قوة يتمتع بها الفكر و التفكير، تغذيهما بالعزم و تمدهما بالقدرة على خوض غمار المجالات الفكرية، و عقد المناظرات القولية بدون خجل أو وجل، و ذلك في شتى المجالات الكلامية سواء تعلق الأمر بالمنحى الوجداني، أو المنحى العقلي، أو المنحى العقدي.
و قد تحقق الإثبات ببعدين اثنين:
1-    البعد الأول: و تمثل في إثبات القضايا الخلافية التي بسطت على موائد السجال و النقاش، و شحذت بخصوصها الألسنة، و ذلك من خلال اعتماد منظومة فكرية عقلية علمية أساسها المنطق و أساليبها الحوار العقلي القائم على التأمل العميق، المبني على التفكير الموضوعي الدقيق .الساعيين للكشف عن الحق أو الحقائق، بعيدا عن الأهواء و الإغراء، و ذلك لما تثبته الحجة القاطعة الساطعة، و ينطق به لسان البرهان الصادق. فتبدو بموجبها القضية موضوع النقاش و السجال و الخلاف ظاهرة ثابتة واضحة للعقل ماثلة حقائقها بجلاء أمام المصدق فيزداد صدقا و يقينا كما للشلك. حينما يتبدد وهم اليقين الكاذب من زوايا ذهنه المعتمة، و يستقر به نور اليقين الصادق، فتتهاوى أركان القضية الكاذبة الباطلة، و ما يتعلق بها من أوهام و أباطيل.
و نتج عن هذا الإثبات الفكري المعرفي بعدا ثانيا و تمثل في:
2-    الإثبات الوجودي: و له علاقة بالذات و معنى ذلك أن الذات المفكرة المثبتة بقوة الفكر و حصافة التفكير، القضايا الخلافية المتحاور بشأنها، استطاعت أن تثبت شخصيتها و هويتها تجسدت في المستويات التالية:
المستوى الزماني: و يقصد به الازدهار الذي عرفه الزمن أبان وجود هذا الفكر مما جعل الفترة الزمنية أو الحقبة تحمل اسم المفكر الذي نبغ في سياق تقدم الفكر. فكان بذلك النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي هو عصر جابر بن حيان المعروف عند الأوربيين في العصور الوسطى، و هو من أعظم رجال العلم في تلك العصور الوسطى، و هو من أعظم رجال العلم في تلك العصور. و النصف الأول من القرن التاسع يعرف بعصر الخوارزمي، و هو من أعاظم الرياضيين في كل العصور، إذ كان أثره في الفكر الرياضي أبعد من أثر أي أحد في القرون الوسطى و دعي النصف الثاني من القرن التاسع باسم الرازي و يعد في مرتبة كبار الأطباء في كل العصور لمعرفته الشاملة و دقة ملاحظاته في الفحص الطبي و له موسوعة في الطب اليوناني العربي دعاها الحاوي، و هو كتاب طبع مرارا في ترجمته اللاتينية و كان له أثر عظيم في الطب عند الأوربيين. و سمي النصف الأول من القرن العاشر باسم المسعودي المؤرخ الجغرافي. و النصف الثاني باسم أبي الوفاء الفلكي الرياضي. و يطلق على النصف الأول من القرن الحادي عشر اسم البيروني الذي كان فيلسوفا و رياضيا و فلكيا و جغرافيا و رحالة، و أعظم من اتساع معارفه أسلوبه العلمي الحديث الذي تميز بالنقد و البحث الدقيق. ويضارع. البيروني في شموخ فكره قطبان معاصران، أحدهما ،ابن الهيثم ،أعظم علماء الطبيعة المسلمين و أحد كبار البصريات في جميع العصور . و كان الأخر، ابن سينا ،أعظم أطباء عصره و من أعاظم أطباء جميع العصور. له موسوعتان عظيمتان إحداهما فلسفية "كتاب الشفاء" و الثانية طبية "القانون" و تمثلان ذروة الفكر في القرون الوسطى. و يمثل النصف الثاني من القرن الحادي عشر، عصر .عمرا لخيام المعروف     عند الغرب برباعياته، و أحبه لأجلها، و كان عند أهله من أعظم الرياضيين و الفلكيين، و عاش في هذا العصر الإمام الغزالي و هو من أرفع العلماء روحا في الإسلام.
يبدو للقارئ الفاضل إذن، أن هيمنة الفكر العربي كانت قوية و شرسة استوعبت بحق و بصدق الوعاء الزمني فحظي بشرف التقسيم المرتبط أساسا بشرف الفكر الذي تمتع أهله بقيمة اعتبارية ستظل محفورة في عمق الذاكرة الزمنية، و عالقة بالذاكرة الجمعية المعرفية الفكرية الثقافية الإنسانية.
المستوى المكاني: لازدهار الفكر انعكاسا قويا، و مباشرا على ازدهار المكان الذي يوطن و يثبت و بحق وجود الفكر العربي. و حتى لا نضيع في رحابة المكان الذي شهد و لازال يشهد على شموخ الفكر العربي، سيتم الاقتصار على عينات مكانية لأجل التمثيل ،فمن بلاد المشرق العربي نذكر، العراق الذي كان مركزا لأعظم نشاط فكري في ذلك العصر، الذي كان زمن إشراق عقلي في بغداد على عهد الخليفة العباسي المأمون، صاحب دار الحكمة.
و من بلاد الغرب الإسلامي، نذكر المغرب الذي كانت حواضره و بواديه منارات للعلم. ومن باب التأكيد لابأس من إدراج مقاطع نصية من رسائل لسلاطين مغاربة تظهر مدى اهتمامهم بالفكر، و تقديرا لأهله. فهذا السلطان محمد بن عبد الله يجيب كبير الزاوية ،الشيخ يوسف الناصري في عرض انتساخ البيان و التحصيل لابن رشد، يقول: ".........و بعد، فقد وافانا،كتابكم و سرنا العذب خطابكم......اعلم أن ذلك منا على بال ..... و ها نحن أمرنا علماء فاس وقاضيها، بنسخه من نسخة عتيقة حبسها بنومرين على جامع القرويين فكونوا على تشوف إليه عن قريب إن شاء الله...... (1)
و من السلطان المولى سليمان إلى رئيس نفس الزاوية، الشيخ علي بن يوسف الناصري في غرض استعارة كتابي التفسير و النزهة،لابن كثير من الخزانة الناصرية، يقول بعد، الافتتاح "..... إننا نتشوف و نتشوق إلى ورودكم على حضرتنا، كما كانت عادة الأسلاف، و لو أمكننا القدوم عليكم بأنفسنا لفعلنا......... و من تمامه، أن مرادنا الكتب المذكورة أن ننسخها و نردها إليكم إن شاء الله، و السلام عليكم في تاريخه". و هذا السلطان عبد الرحمان بن هشام يكاتب عميد الزاوية أبي بكر ابن علي الناصري، في شأن حاشية ألطيبي على الكشاف للزمخشري. يقول "... و حاشية ألطيبي لازالت عند الناسخ لأن خطها مشرقي مغلق، و الذي يفهمه يلقي على الناسخ شيئا فشيئا، فلذلك أبطأ، و حين يكمل عمله تصلك إن شاء الله و الله يجازيك خيرا على اهتمامك بشأن الكتب و محافظتك عليها، فهكذا ينبغي، و السلام.. 2 صفر الخير، عام 147 "  (3) 
 و هي رسالة جوابية سلطانية إلى شيخ الزاوية حول موضوع رد الكتاب المستعار لدى الجهة السلطانية إلى مكتبة الزاوية.
و قد رافق هذا الإشعاع الفكر العربي حينما وفق في تحقيق الفتح الفكري الثقافي، الذي عظم شأوه و ازدهر في ربوع بلاد الأندلس عقب الفتح الجغرافي، و في سائر أجزاء شبه الجزيرة الابيرية، و في أوربا. "فقد كان خلفاء قرطبة على سبيل المثال، أنصارا عظاما للعلم، فتحوا المدارس و جمعوا الكتب من أقاصي البلدان و انتشر بين رعاياهم تذوق الكتب و العلوم و يقال إن من ذوي الدخل الضئيل من كان يحرم نفسه من الطعام و يرتدي الرث من الثياب ليتمكن من شراء الكتب" (4)
المستوى الوجداني: و يتجلى في الخطاب الشعري الذي أثبت و بقوة و بصدق أن الفكر العربي يمتلك عاطفة خلافة، و خيال مبدع معطاء، باعتبارهما موطن أو مسكن الجمال كما يرى علماء الجمال، قادرين على التفاعل مع الجمال و قادرين على إنتاج الجمال الذي تجسدت معانيه و قيمه في القول الشعري العربي الذي كان و لازال محل تقدير و إعجاب و دراسة من متقبلين خارج الحدود الجغرافية للفكر العربي. و السر في ذلك يعزى إلى القدرة على إثبات قوة العاطفة الناطقة برسائل إنسانية صادقة التفت حولها القلوب، و العواطف، لترتوي من معين مياه شلالها المتدفق بالسحر و الجمال النابع من عيون قصائد شعراء فطاحل.، نبغوا في كل العصور، ابتداء بامرئ القيس، و بعده أبو نواس، و البحتري، و أبو تمام، و المتنبي و المعري،...... و غيرهم كثير من الشعراء الذين شيدوا صرح خطاب شعري، و استحق و بحق أن يكون ديوان العرب و قد سار الخطاب الشعري الأندلسي في ركاب أخيه و شقيقه و نظيره هناك في المشرق العربي لا يقل عنه جمالا، و قوة، و إبداعا ... و صنعة... تفرق بينهما الجغرافية و الموطن و البيئة، و يوجد بينهما الجمال و الغاية. و لم لا، و نورهما يصدر عن مشكاة واحدة ينبع زيتها من فكر عربي ثر أصيل. و عن هذه المشكاة يقول الفارو أسقف قرطبة في منتصف القرن التاسع: "إن إخواني المسيحيين يتجهون لأشعار العرب و حكاياتهم، و يدرسون مؤلفات علماء الدين و الفلاسفة المسلمين، لا بقصد إفحامهم بل ليكتسبوا أسلوبا عربيا صحيحا أنيقا. ..... وا أسفاه ! إن الشبان المسيحيين المعروفين بمواهبهم لا يعرفون أدبا و لا لغة سوى العربية. إنهم يقرؤون و يدرسون الكتب العربية بشغف و يجمعون منها مكتبات بثمن عظيم، و يشيدون في كل مكان بأدب العرب. و عند ذكر الكتب المسيحية يحتجون باحتقار أن مثل هذه الكتب غير جديرة بعنايتهم إنه لأمر مؤسف حقا! لقد نسي المسيحيون لغتهم و ليس في الألف واحد منهم يستطيع أن ينشئ بلاتينية متوسطة خطابا إلى صديق، أما بالعربية، فالكثيرون منهم يستطيعون التعبير بكثير من الإتقان و حتى نظم أشعار تفوق في صحتها الشكلية أشعار العرب أنفسهم" (5)إن هذا اللسان الناطق كغيره من الألسنة المنصفة، عبر و بصدق عن الواقع الفكري العربي الذي بلغ شاواعظيما، لم يكن ليدركه، لولا أنه  اجتهد فسما و ارتقى إلى مقام علمي و معرفي مكنه من بناء منهج فكري قوي على أساسه تتم عمليتي النفي و الإثبات و ذلك من خلال الفصل في القضايا و أولهما قضيتي العجز و القوة الذاتيتين.
و الأكيد أن قضيتي النفي و الإثبات انجازان عظيمان شريفان، يرتبط نجاحهما بروح منهج تقوم فلسفته على إستراتجيتين أساسيتين:
1-    الإستراتيجية الإجرائية: و ترتبط بالوسائل و الأدوات العملية الضرورية المتمثلة في
-الرؤية الواضحة حول القضية .
-امتلاك الزاد المعرفي.
-التوفر على تقنيات المعالجة.
2- الإستراتيجية النفسية: و ترتبط بالمؤهلات الذاتية للشخص، و المتمثلة في:
    -قوة البنية النفسية ذات الخصائص القادرة على إظهار صاحبها شخصا قادرا على الدفاع عن القضية أو القضايا المراد إثباتها أو نفيها فيبدو مقاتلا صنديدا يستمد طاقته القتالية من شخصيته و ما تتوفر عليه من سمات أخلاقية و ما تمتلكه من قدرات أسلوبية و حجاجية و معرفية و علمية.
و على هذا الأساس ينبغي القول أن علاقة الفكر العربي بالقضايا المختلفة تقوم على قطبي النفي و الإثبات باعتبارهما نقطتي ارتكاز التدبير الكلامي القاضي بضرورة التوفر على المهارات اللازمة للفكر ليكون أولا قادرا على التفكير، و ناجحا ثانيا في التدبير. و هو شأن معرفي لا يتوفر إلا لدى أهل الفكر الحصيف، الصابرين المثابرين السائرين دوما في شعاب المعرفة الوعرة بقلوب ثابتة، قصد تحصيلها من مصادرها المختلفة، و العمل على تمحيصها بغية اكتشاف ما تحيط به حق للجهر به و إثباته، و إظهار الباطل لفضحه و نفيه. و لعله الأسلوب الذي جعل الفكر العربي جبارا عتيدا في عهده و عصره، قاهرا لخصمه، و ذلك حين ناصر الحق و ظاهره، ونازل الباطل و واجهه وخاصمه. فاستطاع بذلك أن يصنع لنفسه و لأخيه و شريكه في الآدمية حضارة راقية مزدهرة في مجال التدبير القولي و ذلك بعد صراع بطولي فروسي خاضه الفكر العربي بعزيمة قتالية على ساحة الفكر الإنساني. إنها حقا فروسية فكرية أنجبت في عهد .وأهل الفروسية. لكن سرعان ما ولى عهد ها. فأفل نجم الفروسية الفكرية بأفول رجالها، كما   أفلت الفروسية القتالية بأفول نجم عنترة.
الهوامش:
1-أبحاث مختارة، الفقيه المنوني ص:130
2-نفسه ص 131
3-نفسه، ص 131 .132
4-العالم العربي، نجلاء فتحي ص 76
5-دوزي ،اسبانيا المسلمة ص: 268

    الدكتور محمد الصفاح

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟