4في عصر سيطرة التقنية، التي تتجلى إحدى مظاهرها في الحضور المكثف للأشياء الإلكترونية في حياتنا اليومية، وفي الميل إلى التعامل التدبيري، والوظيفي المحض مع الوجود، كما تتجلى في انشغالات علماء الفلك اليوم بإمكانية الحياة في فضاء الكون الواسع وربما بكيفية لا تشبه حياتنا على كوكب الأرض؛ في هذا العصر أضحى الالتباس واضحا في تقدير المسافة الممكنة بين الواقعي والمتخيل إلى درجة بات ممكنا اليوم الحديث عن متخيل واقعي أو عن ميتولوجيا الواقع.
في ظل هذا العصر وقوته التقنية الجارفة التي تتجلى في لغة الحساب الرياضي وفي النزعة نحو التحكم عن بعد في الموجود، كيف يمكن الحديث عن منزلة للخيال؟ وبأي معنى لا زال ممكنا اعتبار الخيال مصدرا للتوهم؟ ومتى كانت الحياة تستقيم بدون وهم؟ الحقيقة هي أن التوهم واحد البشر والعصور. وبما أن حقيقته هي كذلك، فإن التوهم كالضلال أو الخطأ ليس مسألة منهج بقدرما هو مسألة قدر، قدر الحيوان العاقل ومصيره. نقول ذلك لأنه الكائن الوحيد الذي يقيم داخل العالم. أما الأنعام فهي كائنات حية تشترك معنا في أمور، غير أنها لا تكابد مسألة السكن في العالم ولا مسألة التوهم والضلال أو المجاز. والفاصل بيننا وبينها هو اللغة. لكن اللغة هنا ليس كما هو متداول مفهومها لدى اللسانين أو لدى المشتغلين بعلم الدلالة، وإنما اللغة هنا في بعدها الأنطولوجي، اللغة باعتبارها مقطن الوجود. والعالم بالنسبة للإنسان كالماء بالنسبة للسمك.

بناء على ما تقدم نتساءل بأي معنى يتعين التفكير في مسألة الخيال في ارتباط بالعالم وبالإقامة والسكن والعصر عصر التقنية، العصر الذي أضحى فيه "المجاز الهندسي أعقد وأعمق وأدق من المجاز الشعري أو المجاز العلمي أو المجاز الأسطوري"(*)؟

I

التفكير في الخيال، مثله في ذلك مثل التفكير في الحواس والانفعال أو في الجسد وجنونه، يفرض حوارا ما مع الأفلاطونية، خاصة وأن نموذجها الأول -أفلاطون- قد اهتم بشكل كبير بهذه الأمور في الوقت الذي تحدث فيه عن تأثير المرايا والانعكاس، أو عن الحس المشترك، أو عن الأصل والنسخة، أو عن الحق والظاهر. وكان لذلك ارتباط بحديثه عن أنماط الصور، الصورة الأيقونة والصورة المحرفة وصورة الصور. في إطار هذا الحديث تم التشريع مع أفلاطون لما اعتدنا عليه من تمييز مانوي بين الحقيقي والواهم أو بين الموجود الحق والخيالي.

لقد شكل الخيال، دائما، بالنسبة للفلسفة، منذ نشأتها كميتافيزيقا إلى اليوم أمرا محيرا. وما تميز به في خطابها هو أنه "شيء" يتمنع عن كل تحديد صارم، مثله في ذلك مثل المسائل الجوهرية أو القضايا التي اعتبرت من قبيل العويص في الفلسفة.

أنفاس

إن بناء عقل فلسفي نقدي وتجاوز أسس الميتافيزيقا المتعالية والمطلقة المؤسسة على مقولة الجوهر، لهما مطمح المثقف العربي الراغب في التنوير لا شرعنة اللاعقل وسلطة التراث. وفي هذا السياق يفرض على الفكر الفلسفي، في مجتمعنا، أن لا يتحول إلى محض تأملات ومتاهات وخواطر، بل عليه الالتحام بالنقد العقلاني في أفق بلورة نظرية فلسفية جديرة بالمتابعة والمساءلة. وهذا لن يتأتى بطبيعة الحال، وبحكم ضرورات إبيستيمولوجية، إلا بالقطع مع العقل المفارق والماهية والجوهر والحقيقة المتعالية، وعودة الأصل. ويمكن أن يشكل هذا أساس كل فعل فلسفي منهجي وعلمي وتاريخي يبدع ويجدد، ويقلق من دون خضوع للانغلاق. ولكن مسار هذا الرهان لن يتأتى إلا بتجذير عقلاني لمفهوم فلسفي وتاريخي داخل مشروع العقل، وهو: الاختلاف (différence). وقد يقود هذا الأمر إلى نقض كل عمليات تصنيم المطلق والفكر الماهوي، وبالتالي فسح المجال أمام حوار نقدي-وتفكيكي مع كل أنماط الخطاب والوجود التي تؤجل ميلاد فلسفة اختلافية عربية معاصرة. إن إنجازات الحداثة الغربية، على المستوى الفلسفي، ومنذ كانط إلى فلسفة الاختلاف، تقدم إمكانات كثيرة لنقد آليات اشتعال المطلق وتمركز المتعالي وتمأسس الأسطورة.

وإذا كان شعار الاختلاف يرفع من حين لآخر لضرورته التاريخية والفلسفية، فإن منطق الفكر العربي ما زال لا يكثف المفهوم لصالح الاستقلالية التامة للإنسان والمعرفة العقلانية، ضد كل ميتافيزيقا تحاول إلغاء الاختلاف ذاته، وبالتالي العقل النقدي. فالاستيعاب العميق للفكر الحداثي والما بعد-حداثي سيساعد على بناء تصور للاختلاف من داخل الواقع التاريخي والاجتماعي. إذ كيف يمكن أن نكون متساويين في المطلق ومختلفين في الثروة والملكية والحقوق وأداة السلطة والمعرفة؟ وكيف يلغى الاختلاف المادي لصالح التماهي والتساوي في المطلق؟ تلك هي ميتافيزيقا الهوية التي تحكم كل فكر مثالي وكل فلسفة متعالية قد تتكلم عن الاختلاف في المطلق من أجل اغتياله ضد العلم التاريخي الناقد لكل ميتافيزيقا تماثلية ما زالت تحاصر الفكر العربي، وتكرس المبدأ الواحد في الوجود والثقافة والسياسة. ولا ننسى أن الكثير من النظريات الفلسفية الرائجة في الوطن العربي مازالت تنهل من منطق الواحد والوحدة الذي نظر له كل من أفلاطون وبارميندس وأفلوطين وابن سينا وغيرهم. وبدون تجاوز منطق الهوية ومبدأ الوحدة وفرض استقلالية العقل النقدي الاختلافي فلن يستطيع الفكر العربي التحرر من سلطة التراث واللامعقول. فلا اختلاف إذن دون وعي بالتناقض المؤسس ماديا لا ذاتويا ودينيا بالمعنى الكير كجاردي (نسبة إلى الفيلسوف سورن كيركجارد).

أنفاس

"

"لقد اضطر الفكر العلمي الى فصل هذا التلاحم بين حكم القيمة والتحليل،لأنه كان قد بدأ يتبين أكثر فأكثر أن القيم الفلسفية لا تسمح بتنظيم المجتمع ولا بتحويل الطبيعة.فلقد كانت هذه القيم عديمة النجع وكانت تفتقر الى الواقعية."1
يا لصدمة الفيلسوف زمن العولمة! ويا لوضعيته الصعبة! فهو على ظاهر وصوله الى المعرفة المطلقة وتشييده للنسق الذي أكمل خدمات الواقع وصار لغته مازال بعد أخف من الملائكة مثقفا هائما وإنسانا جهولا "علمنا شيئا وغيب عنا عدة أشياء"،لا يعرف"كيف يقول؟ ولا ماذا يقول؟". ألا ترى كيف أنه يؤثر الهدم على البناء والتفكيك على التأسيس والافتقاد على الامتلاء ويحاول جاهدا الكشف عن العدم ونقد النظريات دون أن يقتفي آثار المعنى ودون أن يأخذ بعين الاعتبار المشاكل الواقعية الملحة ثم ألا ترى كيف أنه يلقي بنفسه إلى الأمام وفي المجهول عن طريق العودة إلى الأصول والوقوف عند الأسس ويزعم تحقيق الصعود والنهوض من خلال القيام بخطوات إلى الوراء والتواري عن الأنظار كما يفعل الجهلة من الخلق؟هل هناك شيء أسوأ من أن يتحقق الإكتمال النظري للفلسفة عن طريق تحويل الجدال الفكري بين العلماء إلى صراع فعلي بين البشر وحروب بين الدول وصدام بين الحضارات؟ بأي معنى تنجز الفلسفة نفسها ذاتيا وتسمى عناقا للعالم لما تتجاوزه فعليا وتتعالى عليه ولم يعد بينها وبينه أي علاقة سوى التأمل النظري؟ لكن لو كان ما يدعيه هذا الفيلسوف صحيحا فيا ترى كيف بالتأمل الذي ينغمس فيه الفيلسوف عروجا إلى الحق يفضي به إلى مستنقع الأوهام؟ ألا يجدر به هنا "أن يتخلى عن وضع يكون في حاجة إلى الأوهام عوض أن يحاول التخلص من الأوهام المتعلقة بوضعه"؟ ألم يكن يريد إقامة حقيقة العالم بإزالة عالم ماوراء الحقيقة؟ فلماذا هو يهتم الآن بالأفكار كما لو كانت كيانات مستقلة لا تخضع إلا لقوانينها الخاصة ويدعي أنها قادرة على الفعل في الأشياء والتأثير على الأشخاص ويضع العدم إلها مطلقا ليغتاب به الوجود الحقيقي ويدجن براءة الصيرورة؟وهل بعد هذا نستغرب أن هذا الفيلسوف في مأزق ومن أن وجود الفلسفة في حد ذاتها في وضع متناقض؟ إذ كيف نفهم هذا اللبس: كلما استحدث الفيلسوف شيئا سابغا عليه أوصاف الكمال والأبدية ما لبث أن تأذى منه بوجه من الوجوه وحجب ظهور هذا الشيء أبعاد أخرى وكلما أرادت الفلسفة أن تفضح الأوهام وتقضي على التشويهات التي يتعرض لها الإنسان في وجوده والقيمة التي يمنحها لنفسه وللأشياء التي تحيط به كلما وجدت نفسها هي أيضا كنوع من التشويه الذي يحول الأوهام إلى حقائق والإستعارات الميتة إلى قيم ومبادئ؟

ما أشد غربة هذا الفيلسوف وما أعظم غفلته يمضي إلى تدبر أمر الوجود متفقها في الأدوار التي تنهض بها اللغة محولا الوقائع إلى تأويلات دون أن يبالي بالمنعرج الذي حدث للغة وللتغير الذي طرأ على نظام الخطاب.

أنفاس1 - مقدمة:
على القارئ العربي أن يَعلَم بأنّ كلّ مَن يَنقد فِكر نيتشه أو هايدغر أو أيّ فيلسوف غربي آخر، لا يجب ضرورة أن يُصَنَّّف في خانة الإرتكاسيّين الذين يَكِنّون عداء مَرَضيّا للفكر الغربي أو يرغبون في إقصائه على أساس أنه فكر دخيل لا يتماشى مع ثقافتنا العربية الإسلامية. العالم الإسلامي يَتميّز عن الغرب المسيحي بروحانياته وتديّنه وأخلاقه الإنسانية العالية، في حين يَلهث الغرب نحو المادّة ويتشبّث بالأشياء الزائلة، ناسيا الأهمّ، أي الروح وغير مُعتنٍ بمقوّمات الدين الحقّ والأخلاق السّليمة. هذه التخمينات الرائجة في كثير من أوساط شبه المثقفين الأصوليين، تعكس الوجه الآخر لأطروحات مفكري اليمين الغربي المتطرّف ولمُنظّريه الرجعيّين الذين قَويت شوكتهم الآن وأصبحوا من دعاة صراع الحضارات وفضل الحضارة الغربية ومبادئها الإنسانية الشاملة على جميع الحضارات الأخرى. إنهم يرون أن الفكر الغربي الديمقراطي بعيد كلّ البعد عن الفكر المتأتي من الشعوب الأخرى وغريب عن تقاليد الشرق، وبالأخصّ الشرق الإسلامي الذي بَقي على علاّته وبطبيعته سجين اللاعقل والدكتاتورية وعبادة الأشخاص. هذه ليست بالأفكار الجديدة، بل إنّها الأرضيّة الإيديولوجية لكلّ هجمة استعمارية سواء غربية مسيحية أو حتى عربية إسلامية. كاتب هذه السطور يعارض كليهما، ويعتقد، في ما يخصّ عالمنا العربي الإسلامي الذي كثيرا ما كُبتت فيه الروح النقدية، أن الإشكال له استتباعات مستقبليّة مُحدّدة وخطيرة في مجال الإنتاج الثقافي والعلمي: المثقفون العرب المتعاطفون مع هايدغر وأتباعه، والمائلون إلى تبنّي أطروحاتهم الفلسفية وآراءهم حول الحداثة وما بعد الحداثة، قد يشعرون بالإمتعاض من النقد القاسي لِمَعَالمهم وقد يُصيبهم الذّعر معتقدين أن الناقد تحرّكه أغراض إيديولوجية بحتة أو، على الأقلّ، يضرّ بالفلسفة لأنّه يقدّم معطيات وأفكار مضادّة يمكن لأيّ تيّار رجعي إسلاموي قومي أن يستبدّ بها.  كاتب هذه السطور واعِ بهذا الأمر، ولا يستبعد قطّ أن يستغلّ الظلاميّون مكاسب الحداثة لتوجيهها ضدّ الحداثة ذاتها، أو أن يستثمروا النقد الموجّه لأعلام الفلسفة الغربية لصالح تمرير خطابهم الرّجعي. هذا أمر محتمل، بل وارد ومعاين مباشرة من خلال كتاباتهم وتنظيراتهم التي قطفت القشور وتركت لبّ المسائل ومغزاها. إنها عملية تحطّ من الفكر العربي وتُجهض صيرورته التقدّميّة من الأساس. فعلا، أن يستحوذ أحدهم على مكاسب النقد ويستغلّها لصالح تمرير خطابه اللاعقلاني، فهذا أشدّ التّنكيل الذي يمكن أن تخضع إليه الفلسفة والفكر الحرّ. مَن ينتَهج هذا النهج  ومن يَعتمد هذه التقنية في التنظير، فقد أوصد أمامه أبواب الحوار الجدّي وأعرض عن التفكير البناء. الفكر بصفة عامة ومنتوجات الروح والفلسفة بصفة خاصة إمّا أن تكون كلية شاملة أو لا تكون. مَن يتفلسف في نطاقه الضيّق ويكتفي بالتنظير في صلب ثقافة محدّدة فإنه يخاطر بأن يسجن مؤبدا فكره وأن يقدّم الذريعة للشّكّاك المناهضين لرفض أفكاره واعتبارها مُجرّد نزوات فرديّة لا تتقاسم همومها الإنسانية جمعاء.

أنفاس"في موعد النصر متسع للجميع" إيمي سيزير  
الإنسان Human Being وتر مشدود على الهاوية الفاصلة بين لانهايتين : الوجود المطلق ،  والعدم المطلق . ولذا كان وجوده نسيجا من كلا النقيضين ، على تفاوت في نصيب كليهما منه ، وفقا للحظات الزمنية ، بكل ما تنطوي عليه من إمكانيات ، تترجح بين المد والجزر ، في تيار المصير المتوثب للروح . لكن مهما يكن من كم هذا التفاوت وكيفيته ، فالينبوع الدافق الثري للوجود الحي هو دائما الإنسان ، والإنسان فحسب ، وان نسي هو أو تناسى هذا الأصل ، فانشق على نفسه وفرض عنصرا من عناصره الوجودية على الآخر ، حتى يجعل الصلة بينهما صلة التابع والمتبوع . بيد أنه سرعان ما يرتد ، في لحظة أخرى تالية ، إلى الينبوع الأصيل للوجود الحي ، أعني إلى نفسه يستمد منها معايير التقويم ، ومن ثم يبدأ لحظة جديدة ، لها في التطور الحضاري داخل الحضارة الواحدة مركز الصدارة . وهذا العود المحوري إلى الوجود الذاتي الأصيل هو ما يسمى في التاريخ العام باسم "النزعة الإنسانية Humanism".

ويعتمد الكاتب في كتابه الماثل مصطلح "الأنسنية" للدلالة على النزعة الإنسانية المشار إليها سلفا ، والقائلة بأن الإنسان هو أعلى قيمة في الوجود ، تمييزا لها عن  "الإنسانيات" باعتبارها مادة الدراسة الجامعية التي تعنى باللغات والفنون والآداب والتاريخ ، أو بمعنى أكثر حصرا باعتبارها دراسة المؤلفات الكلاسيكية الإغريقية والرومانية . وكذلك تمييزا لتلك النزعة عن "الإنسانوية" التي تستخدم للدلالة على الميل أو النزوع إلى الإنسانية أو ادعائها . ويعود الفضل في نحت مصطلح الأنسنية ( كمرادف للمصطلح الغربي Humanism ) للأستاذ فواز طرابلسي ، في إطار ترجمته لآخر مؤلفات الراحل إدوارد سعيد ، وهو كتاب " الأنسنية والنقد الديمقراطي Humanism and Democratic Criticism " ، فقد اقتضت الترجمة الوافية نحت مصطلح عربي يستوعب المضامين الفكرية التي أودعها سعيد كتابه الأخير ، والتي تبرز تطوره الفكري والأدبي وقد تأوج في التزامه النهج الأنسني.
نشأة مصطلح "الأنسنية" :
قد يكون مفيدا ، ونحن بصدد التأريخ لنشأة مصطلح "الأنسنية" ، تذكر قول الدكتور محمود رجب بأن الكلمات ، شأنها شأن الأشخاص والشعوب ، لا تنشأ في فراغ ولا تهبط من السماء ، وإنما تنشأ في قلب المجتمع البشري ، وتتكون معانيها من خلال معاناة الإنسان لمشكلات تاريخية حية .

أنفاس

تقترح هذه المداخلة عرض رهانين اتجاه إدراك العلاقة ( فلسفة ـ تواصل ) وهما: الرهان المعياري والرهان التبليغي .
فالأول يتعلق بالعملية التواصلية والتي أثارها باحثون في حقول متعددة  علوم الإعلام، بسيكولوجيا، سوسيولوجيا الخ….أما الثاني فيتضمن إمكانات تبليغ الفلسفة وتعليمها.
فالتواصل  * كما يعرفه شارل كولي Charles Cooley، هو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور. إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان. فالتواصل من خلال هـذا التعريف هو جوهر العلاقات الإنسانية ومحقق تطورها. مما يجعلنا نستشف منه جملة الوظائف والآليات والأنواع ..منه خاصة الوظيفة المعرفية المتتمثلة في نقل الرموز الذهنية وتبليغها زمكانيا بوسائل لغوية وغير لغوية؛ والوظيفة التأثيرية الوجدانيةالقائمة على العلاقات الإنسانية.

في الرهان المعياري أو في التواصل من المنظور الفلسفي:
  لقد طُرح مفهوم الأنا والغير في الخطاب الفلسفي كثيرا من الإشكاليات التي تنصب كلها في كيفية التعامل مع الغير وكيف يمكن للأنا النظر إلى الغير؟!
 يذهب الفيلسوف الألماني "هيجل" على أن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة سلبية قائمة على الصراع الجدلي كما توضح ذلك نظريته جدلية السيد والعبد. أما "جان بول سارتر" فيرى أن الغير ممر ووسيط ضروري للأنا إلا أن الغير جحيم لا يطاق لأنه يشيىء الذات أو الأنا. لهذا فهو يدعو إلى التعامل مع الغير بحذر وترقب وعدوان، وأنه يستحيل التعايش بين الأنا والغير أو التواصل بينهما مادام الغير يستلب حرية الأنا ويجمد إرادته. لذلك قال: " أنا والآخرون إلى الجحيم".في مقابل " ميرلوبونتي" الذي رفض نظرية سارتر التجزيئية العقلانية، واعتبر أن العلاقة بين الأنا والغير إيجابية قائمة على الاحترام والتكامل والتعاون والتواصل. وأساس هذا التواصل هواللغة. أما "ماكس شيلر" فيرى أن العلاقة بين الأنا والغير قائمة على التعاطف الوجداني والمشاركة العاطفية الكلية مع الغير ولا تقوم على التنافر أو البغض والكراهية. ويرى" جيل دولوز" أن العلاقة التواصلية بين الأنا والغير في المجال المعرفي البنيوي قائمة على التكامل الإدراكي.
Read Moreوإذن ومن خلال هذه الرؤى ..نتساءل ، هل الفلسفة في حاجة إلى التواصل؟، أو هل  يجب على الفلسفة أن تتخذ، ، التواصل كموضوع للتفكير في المقام الأول؟ ، نظرا للمكانة وللدور الذين يميزانه داخل المجتمعات المعاصرة، وهل يجب على الفلسفة نفسها أن تصبح قابلة للتواصل، كمنظومة وكوظيفة معرفية؟.

تساؤلاتنا هاته ، ناجمة عن وجهة نظر الفلسفة التي لا يمكنها أن تختزل إلى أي وجهة من وجهات النظر التي توفرها الفروع المعرفية الأخرى كعلوم الإعلام والتواصل وكذا كل العلوم الاجتماعية، وبعناوين مختلفة أو لما أسماه هابرماس Habermas بالتأثيرات التواصلية . كما أنها ناجمة عن مدى إدراك العلاقة الموجودة بين الفلسفة والعلوم الإنسانية ، تحديدا إلى أي حد تتعاطى الفلسفة مع هذه العلوم ؟ في حين، نعتبر إن المقاربة الفلسفية ليست مقاربة خاصة من بين مقاربات أخرى.إنها، مقاربة شمولية ومقاربة أخلاقية Axiologique تأتي لاحقة للمقاربات الأخرى أو هكذا نريد لها.

   إن التواصل يظهر قبل أي فحص فلسفي، باعتباره مجموعة من ظواهر الحياة الجماعية للكائنات البشرية، فإنه لكي يوجد (التواصل ) لا يحتاج بالضرورة إلى الفلسفة. وعلى العكس من ذلك، فإن الفلسفة أحوج إلى التواصل في هذا المستوى. ولتسوية أسئلة الحاجة (فلسفة ـ تواصل ) ينبغي الأخذ بعين الاعتبار طبيعة ما هو متبادل في التواصل بين الأفراد وكيفيات إجراء هذا التبادل.

ولأن الفلسفة بفحصها، بطريقتها الشمولية والأخلاقية، للسيرورات التواصلية ..فإنها تنشد التوق إلى تحرير التفكير الفلسفي من القيود التي تشله اليوم.

   لكن الحادث فيما يعتقده الكثير منا اليوم، أنه ما دام بإمكان الفلسفة الاستمرار في الاشتغال كفرع متخصص، فإنها قد تخضع لانحطاط محتوم، كونها تعهد لعلوم الإعلام والتواصل والاجتماع .. بالدراسة التامة للسيرورات التواصلية. (أي لم تنزل من برجها العاجي بعد ) .لكنها إذا أرادت فعليها استخدام أسلحتها الخاصة لمواجهة الأشكال الأكثر حداثة للتواصل، أشكال في طريق التحول المستمر.   ونعتقد أن أفلاطون Platon  كان على حق عندما كان يقول، في استعارة الكهف، إن الفيلسوف وبعدما يرتقي إلى معرفة العالم العلوي، عليه العودة إلى الأسفل ليعلم الذين ليسوا بفلاسفة طرق الخير.

   كان هذا التعليم يفترض أن الفيلسوف، إضافة إلى معرفته بعالم الأفكار، كان يمتلك معارف تلامس شروط حياة من يعاصرونه من الناس. أما اليوم، فالفيلسوف يفهم أنه لا ينبغي له أن يبقى سجين ما يسمى تخصصا، الذي قد يكون تخصصه، وأن عليه أن يتحدث مع الكائنات البشرية الأخرى وأن يتلمس معها الطريق، الذي يتحمل مسؤولية تعريفه. كذلك ينبغي له استيعاب معارف متعلقة بأنماط العيش المعاصرة وبالتواصل الاجتماعي الكامن في قلب هذه الأنماط وصياغتها بقوة. فليس من باب العشوائية أو التعسف أن نزعم أن الفلسفة في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى التواصل في كل أشكاله، خاصة في أشكاله الأكثر حداثة.

    إنه الرهان المعياري للفلسفة، لأنه يخص آفاق العلاقة الإنسانية التي تتلخص في ضرورة بناء مجتمع حواري يوجهه مبدأ قبول الآخر المختلف. فالتواصل، وإن كان ينطلق من إستراتيجية تأكيد الذات والتأثير في الآخر، إلا أنه يهدف في العمق إلى بناء ما يسميه هابرماس Habermas بـ"الفضاء العمومي" كفضاء للعلاقات القائمة على الاختلاف والحوار وسيادة روح الديمقراطية والتسامح.

ويمكن تحقيق ذلك، إذا ما نحن شيدنا نموذجا آخر للتواصل، يعوض التعاقد الاجتماعي الكلاسيكي بين الفرد والمجتمع، بتوافق تبلوره المناقشة بين جميع الأفراد بهدف تحقيق "المواطنة الديموقراطية". ويؤكد "هابرماس" بأن هذا الأمر سيسمح بخلق علاقات تشاورية تشكل مستوى أرقى من الديموقراطية التمثيلية ، لأنها ستؤدي إلى تبادلات أوسع يتم فيها إعادة الاعتبار إلى الذات الفاعلة في فضاء المجتمع.

فالفيلسوف باستحواذه معرفيا على السيرورات التواصلية، باعتبارها عوامل فاعلة بامتياز في مصير المجتمعات والأفراد، سيعي دوره حيال هذا المصير والذي من دون تدخله فإن التواصل قد ينجز بطريقة ما خارجة عن  أي تحكم إنساني. إن الفيلسوف بمحاولته صياغة مبادئ وقواعد تهم اشتغال التواصل الجديد، سيخرج تماما مما أسميناه سابقا "برجه العاجي" أو من تخصصه المتعالي ..من أجل مواجهة مسؤولياته الخاصة من بين أناس آخرين. وهذا لا يعني بأي حال ، تحويل الفيلسوف المحترف، الذي أشرنا إلى بعض من حدوده ..، أن يتحول إلى ما يشبه المبشر "أو الداعية" الذي يطالب الناس بالتكيف مع نصوصه..، . إنه، بالأحرى، متعلق بحثََ الفيلسوف على الاستحواذ فكريا على التواصل الاجتماعي ومن تم مساءلة الجمهور وحث كل فرد من الأفراد المكونة له على التفكير الشخصي حول طبيعة وسائل الإعلام وعلى أفضل استعمال لها في حياته.

    لقد أثبتت الدراسات في مجال علوم الإعلام أن التواصل لا يتضمن فقط فعل الإخبار أو التبليغ، بل يبحث أيضا عن طرق التأثير في الآخر وإيهامه وإغرائه. يتضح إذن بأن التواصل عملية معقدة، توجب لنا الكشف عن طبيعة هذا التعقيد، وإبراز الرهانات والمفارقات لهذه العملية. بمعنى آخر، إذا كان الفيلسوف يدعو الجمهور، مثلا، إلى عدم الالتفات إلى وسائل الإعلام وإلى عدم مشاهدة التلفزة أو الاستماع إليها، مثلما تتمنى ذلك أقلية من المفكرين، ( بورديو مثلا في كتابه حول التلفزيون ) ..فليس لأنه ينطلق من مشروع معرض للفشل، لكن أيضا، قد يتخلى عن الميدان الذي يجرى فيه الجزء الأكبر من مصير إنسانية المستقبل. وهنا نشير إلى راهن الصورة وتأثيرها القوي والمتزايد على المتلقي في مقابل  تأثير المكتوب و الشفوي.. وكذا مسألة استقبال المعلومة من طرف المتلقي الذي لا يمكن اعتباره سلبيا بأية حال، فهو يقوم بفك رموز الرسالة وتحليلها وتأويلها. بحيث تتحكم في ممارسته هاته مجموعة عوامل منها: مرجعيته الثقافية وحمولته المعرفية والمسافة القائمة بين مستواه الثقافي والمستوى المطلوب لفهم المعلومة.

سيكون على الفلسفة أن تبرز لأي  نظام تشريعي ، لا يمكنه أن يجعل أي فعل للتواصل الإعلامي كاملا من كل الجوانب، كما يجب عليها أن تدعو إلى اليقظة والحذر من الكل، خاصة يقظة المواطنين، حول الواقع الفعلي باعتبارهم يتأثرون أكثر مما يؤثرون. ذلك هو حرص الفيلسوف على الفعل. حينئذ، يكون التواصل في حاجة إلى الفلسفة؛ في الواقع لأنها تمنح التواصل مكانة داخل الوضع الإنساني. و تقترح عليه التلاؤم مع قيم ما. فالتواصل قوة هائلة تفتقد التحكم في ذاتها مثلما تفتقد المراقبة الذاتية.

ولأن علوم الإعلام والاتصال وكذا العلوم الأخرى التي تدرس الظواهر الإنسانية،  تأخذ بأحكام الواقع في حين  صياغة أحكام القيمة من مهام الفلسفة. إن هذه العلوم تزودنا بمعرفة ضرورية حول السيرورات التواصلية لكن لا تحثنا على اكتساب تحكم أو مراقبة على هذه السيرورات التواصلية. إن هاته الرسالة موكولة بجلاء إلى الفلسفة. وإلا من أين تأتي المبادئ المسماة بأخلاق الإعلام infoéthique أو قواعد الأدبيات التي ينبغي أن يحترمها المتصرفون في الإعلام، إن لم تأت من فلسفة الأخلاق، المؤهلة لوحدها، نظرا لطبيعتها ولوظيفتها، في إظهار القيم الكونية التي بإمكانها أن تحمينا ضد كل أشكال الهمجية؟

   إن الفكر الفلسفي يبين الطريق المؤدي إلى التحكم التدريجي في نفس الوسائط الإعلامية ويبين القيم والمبادئ والقواعد التي تبحث جادة في إخراج التواصل الاجتماعي إلى نوع من الاشتغال من دون مراقبة أخرى سوى مراقبة عقلانية تقنية وإن كانت محدودة النظر.. إن الفيلسوف بتحوله إلى رائد للتواصل، بصيغة جديدة، سيؤكد بريادته إلى أي حد سيمكن لتواصل بلغ مرحلة التداول الإعلامي الاستفادة من الفلسفة المتجددةوالتواصل كانا وما زالا وسيظلان في حاجة أحدهما للآخر. وسوف لن يكون من باب المبالغة التأكيد على أنه من دون مرجعية تواصلية فإن الفلسفة ستصبح تأملا محروما من مصلحة إنسانية أساسية، وأنه من دون ارتباط التواصل بالفلسفة، سيصبح غولا ينقلب ضد الكائنات البشرية التي أوجدته وطورته.·

 

في الرهان التبليغي أو في مدى إمكان الفلسفة :

     استتباعا لما سبق الإشارة إليه في الرهان المعياري للفللسفة نتساءل عن  كيف يتحدد فعل التواصل في درس الفلسفة؟ وما هي رهانات هذا الدرس؟ وكيف يمكن للفلسفة أن تكون فضاءا للحوار وللديمقراطية؟.، إن الأمر يتعلق هنا تحديدا بالحرية المتمثلة في فعل التفلسف، أي في ممارسة التفكير النقدي التساؤلي وبالضرورة المتمثلة في المؤسسة المدرسية ومختلف الإلزامات البيداغوجية التي يطرحها تعليم الفلسفة. بعيدا عن طروحات تنفي عن الفلسفة في نقاشاتها أي تواصل *

إن مسألة تبليغ الفلسفة وإيصالها إلى المتلقي، وهي مسألة وإن كانت راهنة، إلا أنها تحيل على نقاشات فلسفية قديمة، برزت بالخصوص مع أفلاطون ضمن مقولات النضج الفلسفي وسن التفلسف، واستمرت عبر تاريخ الفكر الفلسفي مع كانط، هيجل ونيتشه، وصولا إلى شاتلي، دولوز ودريدا. وقد أثيرت في إطارها علاقة الفلسفة بالمؤسسة [كإنتاج للمعارف وللحقائق ] وأيضا علاقة حرية الفرد في التفكير وفي إصدار الأحكام، بالضرورة البيداغوجية والديداكتيكية. وبعيدا مرة أخرى عن  استراتيجيتين مختلفتين في تبليغ الفلسفة: تراهن الأولى على تعلم التفلسف (كانط )وتراهن الثانية على تعليم الفلسفة (هيجل) .

لقد أكد دريدا في نص شهير له بأن قسم الفلسفة في الثانويات هو الفضاء الذي يمكن فيه لنصوص حول الحداثة النظرية والماركسية والتحليل النفسي على الخصوص أن تؤدي إلى ممارسة القراءة والتأويل. مما يعني أن درس الفلسفة هو المجال الذي يمكن فيه الانفتاح على الشأن الإنساني، أي على كل ما له صلة بالفعالية الإنسانية: اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وفكريا. فإن هذا الدرس يجب أن يراهن على مسألتين أساسيتين وهما: الحداثة والعقلانية.

وقد ارتبط مفهوم الحداثة، كما هو معلوم بمقولات العقل وتقدم العلوم أي بأهمية النشاط العقلاني للإنسان، الذي سيطال مختلف المجالات: تقنية كانت أو إدارية، سياسية أو اقتصادية. لذلك فإن المجتمعات الحديثة قد أسست لمفاهيم مركزية، عرفت انطلاقتها من فكر الأنوار وارتبطت بعد ذلك بفكرة الذاتية والنزعة الإنسانية والتقنية والمشروع الكوني. وتتجلى هذه المفاهيم عبر فكرة المواطنة والديموقراطية والمعرفة النسبية ومفهوم المثقف ومفهوم التاريخ ومفهوم الحق الخ. وهي مفاهيم ملازمة للعقل وللعقلانية. فالحداثة بهذا المعنى هي إقرار للتعدد والاختلاف ورفض للتجانس والتماهي والخضوع، ولذلك فإن مفاهيم الذاتية والفردية والحرية، تمثل مرجعيات المجتمعات الحديثة، حيث تعبر العلاقات الاجتماعية عن حرية الأفراد واستقلالهم الذاتي.  وكما يؤكد ألان تورين A.Touraine فإن الفرد مواطن بسبب وجوده الفردي الحر، مثلما أنه حر بسبب المواطنة التي يتمتع بها.

   من أجل هذا ، يمكن اعتبار الفلسفة كمجال لتجلي الفكر الحداثي، لأنها تنبني على الاعتراف بتعدد المواقف والرؤى، وتستند على مبدأ الإنصات والتحاور مع الآخر وعلى المساءلة والنقد، أي أنها تقوم على ما يدعوه كانط بـ"الحرية العقلية" التي لا يمكن للفلسفة أن توجد بدونها. لذلك، يمكن الإقرار بأن فعل التفكير كاستخدام لملكة العقل، يقوم أساسا على مبدأ الحرية. وشرط التفلسف هو تفعيل الحوار والتخلي عن كل نزعة دوغمائية أو إقصائية، والتأكيد بالتالي على أن الفكر الفلسفي هو وجه من وجوه "الثقافة الديموقراطية".

ولأن التفلسف هو بمثابة ممارسة نقدية، فهو يستدعي خوض غمار المساءلة والدخول في معترك الأسئلة، عبر تتبع مسارات الفكر الذي ينادينا ويدعونا للقيام بفعل التفكير، فهو إذن دعوة للابتكار والخلق ولخلخلة الثوابت والبديهيات والمطلقات وتفكيكها من الداخل. فعبر عملية التفكيك، تصبح كل القضايا عرضة للمساءلة والنقد والحوار وهذا هو الهدف الأساسي من كل ممارسة فلسفية. إذ لايمكن الحديث عن حرية الراي والتعبير داخل قاعات الدرس ، دون ربطها بوضع الحريات بمختلف مؤسسات المجتمع ومن ضمنها المؤسسات التعليمية . إنه رهان الفلسفة سياسيا وثقافيا وخاصة تواصليا . من ثم كان درسها ملزم بخلق فضاء حواري قائم على الاستفهام والاستشكال، بغية بعث روح النقد والمساءلة لدى متلقي المعرفة الفلسفية.  مما يستوجب بطبيعة الحال، توفر فضاء مؤسساتي منبن على الحرية واحترام الآراء المعارضة والمغايرة وإمكانية الإبداع.

 

 *- نود الإشارة هنا إلى أننا سننطلق من فرضية مفادها أن الفلسفة تواصلية، متجنبين الخوض في النقاش الذي أثاره جيل دولوز وفليكس غاتاري عبر المصادر القائلة بأن الفلسفة لا تتأمل ولا تفكر ولا تتواصل.

 -----------------------------

 د.عبدالله  موسى
قسم الفلسفة / جامعة وهران

تقترح هذه المداخلة عرض رهانين اتجاه إدراك العلاقة ( فلسفة ـ تواصل ) وهما: الرهان المعياري والرهان التبليغي .
فالأول يتعلق بالعملية التواصلية والتي أثارها باحثون في حقول متعددة  علوم الإعلام، بسيكولوجيا، سوسيولوجيا الخ….أما الثاني فيتضمن إمكانات تبليغ الفلسفة وتعليمها.
فالتواصل  * كما يعرفه شارل كولي Charles Cooley، هو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور. إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان. فالتواصل من خلال هـذا التعريف هو جوهر العلاقات الإنسانية ومحقق تطورها. مما يجعلنا نستشف منه جملة الوظائف والآليات والأنواع ..منه خاصة الوظيفة المعرفية المتتمثلة في نقل الرموز الذهنية وتبليغها زمكانيا بوسائل لغوية وغير لغوية؛ والوظيفة التأثيرية الوجدانيةالقائمة على العلاقات الإنسانية.

في الرهان المعياري أو في التواصل من المنظور الفلسفي:
  لقد طُرح مفهوم الأنا والغير في الخطاب الفلسفي كثيرا من الإشكاليات التي تنصب كلها في كيفية التعامل مع الغير وكيف يمكن للأنا النظر إلى الغير؟!
 يذهب الفيلسوف الألماني "هيجل" على أن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة سلبية قائمة على الصراع الجدلي كما توضح ذلك نظريته جدلية السيد والعبد. أما "جان بول سارتر" فيرى أن الغير ممر ووسيط ضروري للأنا إلا أن الغير جحيم لا يطاق لأنه يشيىء الذات أو الأنا. لهذا فهو يدعو إلى التعامل مع الغير بحذر وترقب وعدوان، وأنه يستحيل التعايش بين الأنا والغير أو التواصل بينهما مادام الغير يستلب حرية الأنا ويجمد إرادته. لذلك قال: " أنا والآخرون إلى الجحيم".في مقابل " ميرلوبونتي" الذي رفض نظرية سارتر التجزيئية العقلانية، واعتبر أن العلاقة بين الأنا والغير إيجابية قائمة على الاحترام والتكامل والتعاون والتواصل. وأساس هذا التواصل هواللغة. أما "ماكس شيلر" فيرى أن العلاقة بين الأنا والغير قائمة على التعاطف الوجداني والمشاركة العاطفية الكلية مع الغير ولا تقوم على التنافر أو البغض والكراهية. ويرى" جيل دولوز" أن العلاقة التواصلية بين الأنا والغير في المجال المعرفي البنيوي قائمة على التكامل الإدراكي.
Read Moreوإذن ومن خلال هذه الرؤى ..نتساءل ، هل الفلسفة في حاجة إلى التواصل؟، أو هل  يجب على الفلسفة أن تتخذ، ، التواصل كموضوع للتفكير في المقام الأول؟ ، نظرا للمكانة وللدور الذين يميزانه داخل المجتمعات المعاصرة، وهل يجب على الفلسفة نفسها أن تصبح قابلة للتواصل، كمنظومة وكوظيفة معرفية؟.

أنفاسما هي المشكلة الأساسية في عصر سبينوزا؟  بل ما هي المشكلة الأساسية على مدار ثلاثمائة سنة من تشكل الحداثة الأوروبية؟ إنها مشكلة الدين والأصولية الدينية. إذا لم نفهم هذه النقطة، إذا لم نعرها الاهتمام الكافي فإننا لن نفهم أبداً جوهر الحداثة ومعاركها الكبرى. عندما نشر سبينوزا كتابه "مقالة في اللاهوت السياسي"  عام 1670، فإن ذلك يعني أنه انخرط في إحدى المعارك الرهيبة التي استمرت بعده طيلة مائتي سنة وأكثر. لقد أراد تحديد العلاقات بين الدين والسياسة، أو بين رجال الدين ورجال الحكم. وأراد أيضاً، وبالدرجة الأولى، البرهنة على الشيء الأساسي التالي : وهي أن حرية التفلسف، أو حرية الضمير والمعتقد والكلام، لا تضرّ أبداً بالسلام العام للدولة ولا تؤدي إلى الفسق والفجور كما يدعي اللاهوتيون. على العكس، إنها شرط أساسي لتحقق هذا السلام ولشيوع الاستقامة والنـزعة الأخلاقية في المجتمع. وبالتالي فلا ينبغي التضييق على الحرية الفكرية أو الفلسفية ما دامت تعبر عن نفسها داخل حدود القانون.
في الواقع إن هذا الكتاب يمثل أول تدخل لسبينوزا في الشؤون الدينية والسياسية لزمنه. ولذلك فهو يحتل مكانة خاصة بين أعماله. فهو قد ظهر في مرحلة حرجة من تاريخ هولندا. فالجدالات اللاهوتية كانت عنيفة بين مختلف الطوائف المسيحية وبالأخص البروتستانتية الكالفينية التي كانت تشكل دين الأغلبية. وذلك على عكس فرنسا، أو إسبانيا، أو إيطاليا حيث يسيطر المذهب الكاثوليكي بشكل مطلق تقريباً. وقد أدت هذه الصراعات اللاهوتية بين مختلف الطوائف البروتسانتية إلى انتصار المذهب الكالفيني أولاً، وذلك قبل أن يحصل تعايش سلمي إلى حد ما بين مختلف هذه الطوائف. وهو تعايش فريد من نوعه في أوروبا آنذاك. فمعظم الدول ما كانت تقبل إلا بمذهب واحد في أراضيها، وكانت تحرِّم كل المذاهب المسيحية الأخرى تحريماً قاطعاً باعتبار أنها منحرفة عن الخط المستقيم للدين المسيحي، أي عن الأرثوذكسية. وبالتالي فهي مهرطقة، أو زنديقة، ويحل تكفيرها وإدانة أتباعها وحرمانهم من الحقوق السياسية والمدنية. وهذا ما فعله المذهب الكاثوليكي في فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، والبرتغال، مع البروتستانتيين. وحدها انجلترا كانت تمشي في اتجاه التحرر من الطائفية والمذهبية، أي في الإتجاه الذي سلكته هولندا. بالإضافة إلى الصراعات اللاهوتية المذكورة كانت هناك صراعات على السلطة. وهي صراعات اندلعت بين عائلة "أورانج" الملكية، وبين المجالس المحلية التي تحكم المدن والأقاليم .

أنفاستمهيـد: في البعد الإشكالي لعلاقة الفلسفة بالمؤسسة: تساؤلات وعناصر منهجية أولية.
يطرح التفكير في إشكالية علاقة الفلسفة بالمؤسسة بشكل عام، وفي مجتمعنا خاصة، تركيبة معقدة وهامة من التساؤلات والأسئلة والقضايا والمشكلات النظرية والمنهجية…التي تتعدد بتعدد مستوياتها ودلالتها وأبعادها الفكرية والاجتماعية والسياسية والتربوية… ذلك أننا لا نتحدث عن مفهومي: الفلسفة (Philosophie) والمؤسسة (Institution) في شروط مجتمعاتنا الثالثية - قياسا إلى شروط المجتمعات الغربية التي "تشكل" الإطار المرجعي تبلور وتطور المفهومين الآنفين - إلا بالكثير من التعميمية والتجاوز. هذا فضلا عن كون العلاقة الملتبسة للفلسفة بالمؤسسة، التربوية تحديدا، تظل، على المستوى الكوني، مرتبطة بما افرزه التاريخ العميق لهذه العلاقة من صراعات أو مفارقات أو غموض، ومن المكونات، أو في آليات الأشغال وإنتاج أنماط متعددة من القول/الخطاب (Discours)، ومن المواقف والرؤى والتصورات وتمثلات الواقع، ومن أشكال التوجيه للفكر والممارسة في آن.
وإذا كانت طبيعة هذه العلاقة: فلسفة/مؤسسة مسألة يتداخل فيها الخصوصي والكوني، وأنها لا يمكن أن تفهم بالعمق الكافي إلا بالمعرفة الدقيقة لمجمل الشروط التي تنتظم الجدل التفاعلي للعنصرين الآنفين في فضاء اجتماعي محدد في الزمان والمكان، فإن خصوصية المجتمع المعاصر، مجتمع المأسسة والعقلانية والتنظيم المعتمد على الكثير من الآليات المستحدثة للتخطيط والتدبير والترشيد والهيكلة والتوجيه، مما يمكن أن نطلق عليه مصطلح "هندسة اجتماعية" (Ingénierie sociale)، بالمفهوم السوسيولوجي العام، فإن خصوصية هذا المجتمع قد أصبحت تتطلب، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة توفير شروط معرفية واجتماعية جديدة لإعادة التفكير في مسألة تدبير علاقة الفلسفة بالمؤسسة التربوية. وذلك على اعتبار أن هذه المؤسسة هي، في التحليل النهائي، جزء من كل، منظومة فرعية ضمن منظومة أشمل هي المجتمع: مؤسسة المؤسسات ونسق الأنساق، في بنيته الكلية، ومشروعه التربوي والاجتماعي العام. وإذا كان كل مشروع تربوي أو مجتمعي لا يمكن تصور استقامته وتكامل عناصره ومكوناته إلا في إطار فلسفة تربوية أو اجتماعية مؤطرة للنظر والفعل، فإن مهمة تدبير العلاقة السالفة الذكر تصبح متسمة بالكثير من الصعوبة والتعقيد والاستشكال: كيف يمكن تجاوز المفارقة التي تطرحها مسألة تحديد العلاقة بين الفلسفة وبين ما يفترض أن تشكل هذه الفلسفة إطاره الفكري الموجه:

أنفاسإن هدف الفلسفة هو التوضيح المنطقي للفكر، واذا كان العمل الفلسفي يتكون أساسا من توضيحات فسيكون من الحتمي علينا وبدون شك أن نتفلسف وهذه المسالة تفترض علينا أن نكون واضحين ويقظين."جاك دريدا
شكلت إشكالية الحقيقة محورا رئيسيا داخل كل الفلسفات إذ عدت حجر الزاوية داخل نظرية المعرفة، يتضح ذلك من خلال تاريخ الفلسفة الذي يشير إلي مجموعة من الفلاسفة بدءا من بارميندس الذي تكلم عن دروب الحقيقة وطريق الظن مرورا بسقراط، أفلاطون، أرسطو وصولا إلي ديكارت مؤسس الفلسفة الحديثة ورائد النظرية العقلانية في المعرفة.ينشا عن هذا الكلام القول أن الحقيقة ظلت ومازالت هدف الفلاسفة، مادامت الفلسفة نفسها هي السعي الدائم وراءها وإذا كانت الحقيقة تعرف بأنها ما يجب وما يمكن للعقل أن يتفق عليه فإننا نجد جميع الأنساق الفلسفية تدعي الوصول إلي الحقيقة لكنها تختلف من نسق لآخر، وبالتالي نصل إلي إشكال مطروح:هل هناك حقيقة واحد ة أم هناك حقائق متعددة؟
لعل التعريف الكلاسيكي للحقيقة-هي مطابقة الفكر لموضوعه- يجعلنا نرجع إلي اجترار كل ما سبق أن عرفناه عن الفلسفة وبالتالي سنجد أنفسنا في طوق من الصعب بما كان الخروج منه.فما هي طبيعة التحولات التي عرفها مفهوم الحقيقة؟وما السلطة؟
وماهي علاقة الحقيقة بالسلطة؟بداية لابد من الإشارة إلي لحظة ديكارت الذي بدأ من الرياضيات وأقام مذهبا مختلفا انتقد فيه الارسطية المتأخرة التي تري أن اصل المعرفة هي الحواس، وقد عمل ديكارت علي مواجهتها بالنقد الصارم والمتمثل في الشك المنهجي.
غالبا ما يتم القول إن المعرفة مستمدة من الحواس، لكن هذه الأخيرة تخدعنا في كثير من الأحيان، وتبعدنا عن قول الحقيقة"ومن عدم الحكمة أن نتق فيمن يخدعنا مرة" ويبرهن ديكارت علي هذا الخداع من خلال الحلم.وهذا يوجب علينا أن نشك في وجود ما يقوم عليه الإدراك الحسي والمتمثل في العالم المحسوس،ومن جهة أخري تواجهنا قضايا الرياضيات اليقينية التي تدفعنا لأول وهلة إلي عدم الشك فيها، لكن هناك ما يدعونا إلي الشك في صدقها من خلال افتراض "شيطان ماكر" من القوة بحيث يستطيع خداعنا وإيهامنا بكذب ما هو صادق أو بصدق ما هو كاذب،هنا يصل الشك الديكارتي إلي حدوده القصوي،فمن رفض وجود عالم وعدم يقينية الرياضيات إلي القول بعدم الشك في وجود الذات التي تشك،وبالتالي فالذات التي تشك وبالتالي فان الذات المفكرة موجودة وهو ما عبر عنه بقوله:<وspan><وstrong>

انفاسإن الموت لا يكتسب فداحة الشعور برهبته إلا في سياق العلاقة بالآخر، ولذلك تكمن في الإنسان "غريزة الموت التي تعبر عن محاولة المرء العودة إلى حالة ما قبل الكينونــة، وهي حالة الكينونة بلا آخــر l'autre أي حالة اللاموضوع". ولربما عبر الانتحار عن عمق هذا الشعور باعتباره فعلا موجها من المنتحر إلى الآخر عقابا له أو تنبيها له عن خطأ كبير ارتكبه في حقه. وقد يكون الانتحار فرارا من ألم ما فيصبح الموت ملاذا ومأوى.
1- الموت والأسطورة:
تزود الأسطورة الإنسان بذاكرة تاريخية تعطيه إحساسا بوجود مبرر لحياته. وبدون هذه الذاكرة يصير الإنسان إلى حالة أشبه بالموت، لأن نسيان الماضي هو نوع من أنواع لموت. فالموت نسيان، والموتى الهابـــطون إلى العالم الأسفل، في الميثولوجيا الإغريقية، يشربون في طريقهم من نبع الـنـسيان لكي يقضوا حياة الآخرة بدون ذاكرة، أي بدون تاريخ. لذلك فإن الإنـسان الذي وجد نفسه في مواجهة الموت ابـتكر نسقا أسطوريا ااعتمادا على ملكاته الوجدانية والعـقلية واللاشعورية، من أجل مواجـهة كل الاحتمالات، فكان أن عالج مجهولية المصير الذي ينتظره بطرح معلوم يمكن من بسط الحقيقة الكونية على نســيج رمزي قادر على الإقناع. وهكذا دأب على التبشير بالخلود المطلق بالرغم من حتمية تعرض الجسد للتحلل ومن ثم إلى الفناء؛ ولهذا وجد نـفسه مدفوعا لإبداع أساطير لها شكل السرد القصـصي، وتصـاغ في غالب الأحيان في قالب شعري. كما أن لها خصيصة الثبات وطاقة الإيحاء المستمرة، لكنها معرضة للإلغاء أو التعديل كلما كانت هناك حاجة إلى خلق أساطير جديدة، أبطالـها هم الآلـهة، ومعنى ذلك أن وجود الإنسان فيها يكون لغرض تكـميلي فقـــط، كما أن زمـنها زمن مقدس، هو غير الزمن الحالي. وتتــميز موضوعـاتها بالجدية والشمول".

هذا الشكل السردي المـقدس ساهم في تكييف المشاعر الإنسانية مع فزعها، وأقر نظاما رمزيا قادرا على إحلال الطمأنينة بإمـكانية الانبعاث من جديد، مكان الشعور بالخوف من الفناء الأبدي، فحسب جيمس فرايزر "إنه في أعياد أدونيس التي كانت تقام في آسيا الصغرى، والبلاد الإغريقية، كان الناس يندبون موت ما يعتقدون أنه الإله كل سنة، وينوحون عليه نواحا مؤلما، ولا سيما النساء. كانوا يحملون تماثيله، في شكل جثمان ميت، ويشيعونها للدفن، ثم يلقون بها في البحر أو الأنهر. وفي بعض الأماكن يحتفلون ببعثه في اليوم التالي".

انفاس يبدو اليوم للكثيرين أن النظرية النقدية قد تم تجاوزها. لكن مهما بلغ شك الباحثين والدارسين في جدوى رؤى المدرسة، ونظرياتها في المعرفة، واختلافات أعلامها، فإن في بعض كتاباتها وتوجهاتها ما يمكن الإفادة منه، وما المحاولات المستمرة للتجديد والنقد والتصحيح داخل المدرسة، إلا دليلا على مساعي رجالاتها المستمرة للوصول إلى معرفة أكثر دقة، كما أنها دليل على ذلك التوتر بين النظرية والواقع.
لقد حصلت "مدرسة فرانكفورت لعلم الاجتماع الألماني" على طابعها المؤسسي عبر تأسيس "معهد البحوث الاجتماعية" في عشرينات القرن العشرين، ذلك المعهد الذي وضع ضمن جامعة فرانكفورت. وجاء تأسيس المعهد عبر هبة وقفية، جعلت من شخصيات من مثل تيودور أدورنو (1903-1969)، وماكس هوركهايمر (1895-1973)، أبرز العاملين بالمعهد منذ تأسيسه، علما على العالم الفكري والسياسي لجمهورية فايمار ولما بعدها حتى الفترة المعاصرة. وفي عام 1930 صار ماكس هوركهايمر مديرا للمعهد، ومحورا لتلك الدائرة من الباحثين، الذين وجدوا في النظرية الماركسية المرشد الأهدى لفهم ظروف العصر المحيطة بهم. وقد أخذ أتباع النظرية النقدية على عاتقهم مسألة قراءة التاريخ الفكري الألماني من جديد من مثل رؤى نيتشه وشوبنهاور، في ضوء المادية التاريخية. وفي عام 1937 نشر هوركهايمر مقالته الشهيرة بعنوان "الرؤية التقليدية والنظرية النقدية" فصارت من جهة دليلا نظريا لمدرسة فرانكفورت وتوجهاتها الجديدة، ومن جهة ثانية مصطلحا لإخفاء الأساس الماركسي للمدرسة (نقدي بدلا من ماركسي)، وكانت مجلة المعهد المسماة: مجلة البحوث الاجتماعية مجالا لنشر أهم بحوث العاملين في السنوات اللاحقة على تأسيس المعهد، رغم الاختلافات النظرية بين أعضائها الناجمة عن النتائج المتمايزة للبحوث والاهتمامات من جهة، ولاختلاف الأمزجة الفردية من جهة ثانية.
ومع وصول النازيين للسلطة عام 1933 بدأ عهد التشرد بالنسبة للعاملين والدارسين في معهد فرانكفورت، اتجاه فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.. حيث تابعوا عملهم في تطوير "النظرية النقدية". وفي عامي 1949 و1950 عاد إلى ألمانيا الاتحادية كل من أدورنو، وهوركهايمر وبولوك. وانضم إليهم لاحقا في أواخر الخمسينات يورغن هابرماس وجان بياجيه اللذين أسهما إلى حد بعيد في بلورة الطابع الخاص للمدرسة، والتعريف بها، وبالاتجاهات النقدية الممثلة في علم الاجتماع بفرانكفورت.