jaafar.jpgمن بين الظواهر الاجتماعية البارزة في المجتمع التونسي نلاحظ ظاهرة مهمة تستدعي التأمل العلمي و الاجتماعي، و هي ظاهرة التقرب من أصحاب النفوذ ليس في مستوى الأعمال التجارية و الاقتصادية الكبرى فحسب و إنما من خلال بعض السلوكيات و التصرفات التي يقوم بها بعض الأفراد أو الجماعات في المعيش اليومي، و في هذه المحاولة سنحاول بيان بعض مظاهر هذه الظاهرة الاجتماعية، فماهي هذه المظاهر؟
 نلاحظ في البداية أن المجتمع التونسي تغير في مستوى نظرته للقيم و الأفراد و الجماعات و المواقع الاجتماعية، ففي السابق يحكم المجتمع مجموعة من المعايير الاجتماعية و هو تكوين فرضي معناه ميزان أو مقياس أو قاعدة أو إطار مرجعي للخبرة و الادارك الاجتماعي و الاتجاهات الاجتماعية و السلوك الاجتماعي. و هو السلوك الاجتماعي النموذجي أو المثالي الذي يتكرر بقبول اجتماعي دون رفض أو اعتراض أو نقد. و هو تعميم معياري فيما يختص بالأنماط السلوكية المتوقعة في أي موضوع يتعلق بالجماعة أو أفرادها أو يهمها. و هو مقياس يتقاسمه أعضاء الجماعة يحدد سلوكهم، و يتوقع أن يلتزموا به في المواقف الاجتماعية. و هو إطار مرجعي مشترك ينبع من التفاعل بين أفراد الجماعة و يجعل هذا التفاعل ممكنا و يحكم بواسطته و في ضوئه على السلوك الاجتماعي في الجماعة1 ، و تعطي أولوية و ترتيبا تفاضليا على مستوى داخل نفس المجموعة من مثل العائلة الممتدة على حساب العائلة النووية، و الجنس(الرجل) على(المرأة) و السن الكبير على الصغير، و المكانة التربوية للمعلم على التلميذ و المكانة الاجتماعية،(أصل "رفيع" على حساب أصل "متدني") ...

souss.jpgإن الحديث عن المجال، وطريقة تنظيمه،كان محط اهتمام الباحثين والدارسين ـ الأوربيين خصوصا ـ كوبير مونطاني ، وجاك بيرك ،كما أن هناك باحثين مغاربة اعتنوا بهذا الموضوع، وأولوه اهتماما بالغا في كتبهم ، وبحوثهم العلمية والجامعية أمثال الباحث الاجتماعي بول با سكون ، ولقد أكد هولاء جميعا أن المغرب ينقسم في تنطيمه ونظامه السياسي والاجتماعي الى منطقتي نفوذ المخزن والقبائل الاولى تعرف باسم بلاد المخزن والثانية تحت اسم بلاد السيبة أي هناك مجالين متعارضين الاول هو المجال التابع للمخزن والثاني هي البلاد الخارجة عنه.
 من الدراسات التي نهجت هذا النهج الانقسامي ما [كتبه ميشو بيلير عن جوانب من تاريخ المغرب عموما وروبير مونطاني عن الاطلس الكبير ، وجنوب المغرب،وشاتوليي عن قبائل الشمال والجنوب والكونونيل جوستار ، المراقب المدني بمدينة تزنيت والذي عرفه سكان سوس باسم القبطان الشلح عن جنوب المغرب ، وعلى نسق هذه الدراسات كان ماكتبه بعد ذلك جاك بيرك عن قبائل سكساوة ، وارنيست كلينير عن صلحاء الاطلس المتوسط.....]
أعمال الدورة الأولى للجامعة الصيفية باكادير ـ الثقافة الشعبية ـ الوحدة في التنوع ] 1980 ص:120 ـ 121 .
  ومن بين هؤلاء المؤرخين والدارسين من يرى أن حدود هذا المجال أوذاك يطابق الحدود اللغوية ، ويطابق تنظيمه الداخلي والذي يعكس التقاليد الأمازيغية العريقة في حين يرى طرف آخر من هؤلاء الباحثين أن تحديد المجال في المجتمعات القبلية يجب ان ينطلق من تكوين الاسرة وآلية تطورها وعلاقات الاسر داخل القرية أو (الدوار) و في نطاق الفخذ ( تاقبيلت)وكذلك في (القبيلة) ثم ما يرتبط بين القبائل المجاورة من اعراف وتنظيمات تقليدية ، وبالتالي ابراز الوحدات التي تتقاسم السلطة داخل القبيلة وموقف المخزن ـ مع الاشارة ـ الى آثار الاستعمار ازاء تلك العلاقات.
ولهذا فإنه لفهم ، واستيعاب المجال وحدوده داخل المنظومة القبيلة(سوس نموذجا)لابد ان نستعين في تحليلنا بالمفاهيم المركزية التي تؤسس النظام المجتمعي القبلي وهي:

anfasseآفة المخدرات و تعاطيها من المشاكل الأساسية التي تواجه الشباب العربي في العصر الحالي، و وفقا لآخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية فقد بلغ عدد المدمنين على المخدرات في الوطن العربي حوالي 10مليون مدمن، و يتوقع زيادة الأعداد نتيجة لانخفاض أسعار المخدرات و زيادة معدلات البطالة
و الاحباط لدى الشباب.
و في هذه القراءة العلمية التأليفية حول الشباب و الإدمان سنركز فيها على تقديم تعريف للمخدرات، ثم سنحاول، تقديم أسباب هذا الإدمان و أضراره، و بعد ذلك سنتطرق إلى الظاهرة في تونس، و أخيرا تقديم بعض المقترحات للحد منها. 
تعرف المخدرات على أنها، كل مادة طبيعية، أو مستحضرة في المعامل من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية والصناعية الموجهة إن تؤدى إلى حالة التعود والإدمان المكررة ويضر بالصحة الجسمية والنفسية والاجتماعية للفرد والجماعة.
و في تعريف آخر هي كل مادة يترتب على تناولها إنهاك في الجسم والتأثير على العقل حين تكاد تذهب به وتكون عادة الإدمان التي تحرمه القوانين الوضعية، وأشهر أنواعها الحشيش، والأفيون، والمورفين، والهيروين، والكوكايين، والقات... وغيرها.
أما فيما يتعلق بالأسباب فإننا في البداية سنعتمد التفسير الاجتماعي للإدمان والتعاطي باعتبارها مشكلة اجتماعية، إذ تنطلق جهود المجتمعات عبر وسائط التنشئة الاجتماعية (الأسرة، المدرسة، وسائل الإعلام...الخ) نحو السيطرة على التغيرات، والتحولات الاجتماعية لتوجيهها نحو الأفضل بصورة تقلل الفاقد الاجتماعي، وترفع من درجة العائد التنموي، وتتفق معظم الدراسات الاجتماعية حول التعاطي والإدمان أن الوقاية خير من العلاج، والوقاية الواعية القائمة على تخطيط فعال متكامل تتضامن فيه الهيئات والمؤسسات المعنية في المجتمع، تأتى المرتبة الأولى مكافحة التعاطي والإدمان والذي يشكل أخطر الأمراض الاجتماعية المعاصرة.

anfasse.orgالمقالة الرابعة :في الإقتصاد
خصصنا المقالات الثلاث السابقة لترسيخ الحداثة الفكرية والسياسية والإجتماعية في أوربا ،وكيف عجزنا نحن في عالمنا العربي عن تحقيق ذلك . وبالتالي إستمرت البنية الفكرية تقليدية ( عدم القدرة على تحرير العقل العربي من جموده المركب ) و البنية السياسية وسطوية ( إستمرار الدولة القبلية عوض الدولة الأمة الحديثة )وظلت البنية الإجتماعية جامدة (غياب أي صراع طبقي قادر على إفراز التغيير ).
وفي هذه المقالة الرابعة سنواصل الحديث عن نجاح أوربا في تحقيق وترسيخ حداثتها الإقتصادية ،هذه الحداثة التي إنطلقت منذ  أواخر القرن 13 م من المدن الإيطالية وأصبحت واقعا مع الإكتشافات الجغرافية وبداية عصر الرأسمالية التجارية ،ثم ترسخت مع الثورة التقنية وولوج أوربا عصر الرأسمالية الصناعية في النصف الثاني من القرن 18 م ،وأخيرا إنطلاق أوربا نحو الهيمنة على العالم في إطار الحركة الإمبريالية في العقود الأخيرة من القرن 19 م وبداية مرحلة الرأسمالية المالية ،في حين إستمرت البنيات الإنتاجية في عالمنا العربي تقليدية ،ولم تشهد ثورة جذرية في تقنياتها وأساليب عملها.
لم يمنع سيادة النظام الفيودالي ذو الإقتصاد الإنتاجي  المغلق والمتمحور حول الأرض كوسيلة لإنتاج الثروة ( الريع ) من بروز تحولات عميقة في آليات وأنماط الإنتاج .هذه التحولات كان لها دور كبير في تفكك وتصدع أسس النظام الفيودالي ووضع اللبنات الأولى لنظام جديد بدأ يتبلور تدريجيا،ونعني بذلك النظام الرأسمالي الذي إرتبط به تطور أوربا في مختلف المجالات ،وشكل بداية إنطلاق الحداثة الإقتصادية الأوربية .
بدأت هذه التحولات في عدة مدن إيطالية ( فلورنسا، جنوة،البندقية...)حيث لم يعد إقتصادها يعتمد على الأرض كمصدر للثروة والسلطة ،بل ظهرت أنشطة أخرى أصبحت تنمووتستقطب عدد كبير من المغامرين الباحثين عن الربح بعيدا عن الأرض .أهم هذه الأنشطة التجارة ،فقد شكل البحر الأبيض المتوسط مركز العالم القديم قبل الإكتشافات الجغرافية ،وإكتشاف العالم الجديد والطريق البحري نحو الهند ،لذلك إستغل الإيطاليون موقع مدنهم وإنفتاحها على شرق وغرب المتوسط فأحتكروا النشاط التجاري مع المسلمين ،وقد أدى ذلك إلى تحقيق هؤلاء التجار أرباحا كثيرة وراكموا الثروات من خلال توزيع بضائعهم في إيطاليا وباقي أوربا . ولم يكتف الإيطاليون بالنشاط التجاري بل إستغلوا تراكم المواد النفيسة لتطوير النشاط المالي ( الصيرفة ) ،وهكذا برز إلى جانب التجار الصيارفة الذين بدأوا في وضع أساليب و تقنيات المعاملات المالية وتطويرها ،وشكل ذلك بداية ظهور النماذج الأولى للأبناك ومؤسسات القرض .وإلى جانب التجار ة والصيرفة بدأ النشاط الصناعي يتبلور من خلال تطوير تقنيات الإنتاج وأساليبه.

ANFASSEتقديـــــم إشكالــــــي:
 مرت الهستغرافية المغربية من مراحل مختلفة،تميزت كل مرحلة منها بسمات وخصائص معينة سواء من حيث اختلاف المواضيع المعالجة،أو من حيث تعدد الرؤى والاتجاهات والمقاربات والأدوات المنهجية الموظفة.
        وقد عرف البحث التاريخي خلال العقود الأخيرة،ولاسيما منها الفترة الممتدة على مدى الثلاثة وثلاثين سنة الأخيرة-أي منذ سنة 1976 إلى الآن- تراكما مهما،ورصيدا متنوعا لايستهان به (1)، وفي هذا السياق ،تسعى هذه المداخلة إلى الوقوف وقفة تأمل تجاه هذه المرحلة المهمة، التي تميزت بتوجه الإنتاج التاريخي نحو التاريخ الاجتماعي من خلال إيلاء الدراسة المونوغرافية أهمية قصوى،هذا التوجه الذي اعتبر من طرف أحد الباحثين بمثابة "قاطرة تتصدر عملية تحديث الذاكرة الجامعية"،لرغبته في التجديد اعتمادا على مجموعة من الآليات،كتوسيع مفهوم التاريخ،وتطوير مجال المصادر،والانخراط في سياق العلوم الإنسانية (2) ،لكتابة تاريخ علمي شمولي يختلف كليا عن التاريخ الاستعماري،لذلك ومن أجل تسليط الضوء على ما طبع هذه المرحلة وهذا الاتجاه من خصائص ومميزات،سأحاول الإجابة على الإشكالية التالية:
ما المقصود بالتاريخ الجهوي؟ما هو السياق التاريخي الذي ظهر فيه؟ ماهي الأهمية التي يكتسيها و الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها؟ ما هي خصوصياته،والآليات المتحكمة في تطور البحث فيه،والإكراهات التي تعترض سبيل الباحثين فيه؟وماهي بعض الاقتراحات العملية الكفيلة بتشجيع الاهتمام بتاريخ الهوية الجهوية،وبتوظيفه كأداة للتنمية لكسب رهان الحاضر والمسقبل؟
    كجواب على هذه الإشكالية،يمكن القول أن الكتابة التاريخية بالمغرب عرفت مرحلة امتدت من 1976 إلى الآن،توجه خلالها البحث التاريخي نحو التاريخ الاجتماعي،حيث برز تيار جديد من المؤرخين الشباب الذين اهتموا بكتابة تاريخ علمي يختلف عن التاريخ الاستعماري(3)، تاريخ سيهتم بالمجتمع وديناميته،وبالانفتاح على العلوم الأخرى(4)،خصوصا بعد اقتناع أنصار المسار الجديد للتأليف التاريخي بضرورة تحقيق تقدم في إنجاز مونوغرافيات يمكن أن تشكل من جهة، منطلقا ضروريا نحو كتابة تاريخ شمولي بفضل ما تمتاز به من دقة وتركيز(5)،ومن جهة ثانية قاعدة لتفسيرات مقبولة من أجل الاستفادة من مدرسة تاريخية كمدرسة الحوليات (6).

ANFASSEالعنف ظاهرة شديدة التعقيد و التشابك و متداخلة العوامل في ظهورها و دوافعها الظاهرة و الكامنة، المباشرة و غير المباشرة، و لكن قبل تحديد مظاهر العنف سنحاول في البداية تقديم تعريف للعنف و نشأته.
أما من حيث التعريف فسنعود في هذا الإطار إلى تعريف جوليان فرويند من ضمن التعاريف دون انتقائية أو قصدية لأن الفضاء لا يسمح بسرد التعاريف المتداولة حول هذه الظاهرة، إذ  يعرف العنف بأنه القوة التي تهاجم مباشرة شخص الآخرين و خيراتهم(أفرادا أو جماعات) بقصد السيطرة عليهم بواسطة مجموعة الوسائل المتاحة لذلك، وهو شكل من أشكال الاستخدام المشروع للقوة بتعبير عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر.
و يعرفه عدد من علماء السلوك بأنه نمط من أنماط السلوك الذي ينبع عن حالة إحباط مصحوب بعلامات التوتر ويحتوي على نية سيئة لإلحاق ضرر مادي ومعنوي بكائن حي أو بديل عن كائن حي.
و هو إذن تجاوز و اختراق القواعد و القوانين التي تنظم وضعيات تعتبر طبيعية أو عادية أو قانونية، فالتعريف بهذا المعنى يدل على بث الاختلال في نظام الأشياء بشكل وقتي أو دائم.
أما من حيث البحث في النشأة أو بتحديد أصل العنف، و هنا نلاحظ بأن العنف ظاهرة متأصلة في التركيبة البيولوجية للإنسان، و أن السلوك"العدواني" هو سلوك غريزي و بيولوجي في الإنسان جعل لتحقيق البقاء، و الإنسان هنا  يستخدم العنف لغاية تدمير ذاته أو نوعه، و هي مبثوثة في مختلف مجالات الحياة و القطاعات.
 و من مظاهر العنف الموجودة في مختلف المجتمعات، نجد الضرب والإهمال و الاهانة و الانتقام، و محاولة الايذاية للبشر و عدم احترام ذاتيتهم(الاحتقار و التجاهل و التكبر على البشر) و هو ما يمكن أن نطلق عليه ب"العنف المعنوي" و الأمر لا يختزل في الأصل الاجتماعي والمستوى العلمي و الاقتصادي أو جهة معينة ينتمي إليها صاحب هذا الفعل إن كان فردا أو مجموعة من الأفراد أو تنظيمات ضغط.

anfasse" الجهل يصنع القانعين "
ببللونيه
حينما سئل فولتير ذات مرة عمن  سيقود الجنس البشري أجاب " الذين يعرفون كيف يقرؤون"  وما فتئت القراءة تمثل دائما وعيا يتنامى ويزداد بمقدار ما نطالع ، ولا يقاس تقدم مجتمع ما إلا بقدر ما يوجد فيه من مثقفين وقراء وحركة فكرية وعلمية نشطة تدفع بالناس إلى الحوار وتشخيص الأخطاء والسمو على العقبات والنظريات الضيقة .
وحينما نسأل عن واقع القراءة في مجتمعنا العراقي وفي العالم العربي على العموم  سنجد تلك المأساة المروعة التي تكمن في أنها السبب في تخلفنا الحضاري وانغلاقنا عن العالم وتقوقعنا في نفس الأفكار البالية والطروحات المستهلكة ، ذلك أننا انقطعنا عن فهم جذور مشاكلنا بانقطاعنا عن الوعي المتمثل بالقراءة معلقين أسباب التخلف على أوهام غيبية ومؤامرات نتخيلها وكأننا محور هذا الكون والجميع يقف على الضد من تطلعاتنا لكن السر في واقع الأمر يتعلق بنا وبتاريخنا الدموي الذي حارب الفكر الآخر باقصاءه وتشريده  ومحو كل أثر له فلم يحفظ لنا التاريخ مثلا تراث المعتزلة أو مؤلفات واصل بن عطاء ومن كتب أبي الهذيل الذي صنف ألفا ومائتي رسالة ناهيك عن شتات و مجموع الفكر المعارض في شتى حقول المعرفة والتاريخ والآداب والفلسفات .
هذا الصراع الدامي على السلطة وإقصاء الفكر بالسيف تواصل في وقتنا الحاضر عبر الطغاة والحكومات الديكتاتورية والسلطات الدينية المتزمة أو التي تحسب نفسها من حظيرة السلطان والتي لا تريد مجتمعا واعيا بمسؤولياته وحقوقه قدر ما تريد مجتمعا داجنا يوجهه وعاظها وكتابها وشعرائها عبر ممارسة هي في واقعها تجهيل للمواطن وإقصاء ومحاربة الفكر المعارض فلا يتسنى رؤية أو معرفة إلا ما تريده السلطة وما يريده الحاكم لتدعيم سلطانه لأن " الكتب تبدد الجهل ، والجهل حارس الدول وضامن حمايتها " كما يقول فولتير .

anfasseالمقالة الأولى:في الفكر
شكلت الحركة الإنسية إحدى أبرز مظاهر النهضةا/الحداثة الأوربية إلى جانب الإصلاح الديني .فقد جاء الفكر الإنسي كرد فعل ضد التصورات السائدة ،هذه التصورات لم تكن لتخرج عن الإطار الذي حددته الكنيسة .لقد كانت الكنيسة هي مالكة الحقيقة المطلقة ـ اوهكذا كانت تعتقد بحسن نية أو سوءها ـ وحال إنغلاق الكنيسة ورفضها للحقيقة التي يؤمن بها الأخردون الإنتباه للتحولات التي عرفها الإقتصاد والمجتمع.وهي تحولات لابد أن تؤثرفي وعي وشعور الإنسان الأروبي .
لم تستطع الكنيسة أن تبدي مرونة أكبر،وتساير هذا التحول وبالتالي إمتصاص نزعات الرفض التي بدأت تنبثق وتنمو تدريجيا.لقد أدي تشدد الكنيسة وجمودها ورغبتها في الحفاظ على الواقع السائد إلى تزايد حدة الرأى الأخر،ومحاولة فرض وجهة نظره وإحترامها .
كان على الإنسيين أن يغيروا مفاهيم كثيرة ظلت راسخة لعقود طويلة ،وظلت جزءا من الإيمان الحقيقي كفكرة الشقاء والخطيئة ..وإشاعة مفاهيم جديدة كالسمو والكمال والتفاؤل...وكان عليهم تغيير النظرة إلى العالم وتوسيع مصادر الإلهام وتجديد البيداغوجية ونقذ التقاليدوالمؤسسات.وقد تجلى ذلك بوضوح في عدة مجالات أبرزها الفن ( خاصة الرسم والنحث) ،من خلال أنسنة المواضيع والخروج من تحت جناح الكنيسة إلى مجال أرحب وأوسع ،مجال ينطلق من حرية الإنسان ومسوؤليته وكونه أفضل المخلوقات.فالحرية والسعادة والجمال وإحترام الذات هي القيم الكبرى للأخلاق الفردية التي تصب في الأخلاق الجماعية المؤسسة علىالتسامح والسلم .شكل هذا التحول الفكري إحدى أهم عوامل بداية إنهيار دعائم الكنيسة التي ظلت رغم ذلك تدافع عن ماض لم يعد قائما وتصورات أثبتت الإكتشافات العلمية عدم صحتها.
جاءت نظرية كوبرنيك حول الكون كضربة موجعة للكنيسة القائلة بمركزية الأرض في المجموعة الشمسية ـ وإعتبار هذا جزءا من الإيمان ـ لقد أثبت كوبرنيك العكس وبالتالي كان لابد للإنسان الأوربي أن يطرح سؤالا جوهريا وبديهيا : هل تملك الكنيسة الحقيقة ؟ وإذا كانت لاتملكها فمن يملكها إذا ؟