الرد على المنهج المنفوش في كتاب عبد اللطيف أكنوش - المصطفى مويڤن

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

صدر للأستاذ عبد اللطيف أكنوش كتاب بعنوان "قصة السياسة على عهد الرسول (ص) وخلفائه"، منشورات عبد الصمد محيي الدين، المطبعة والوراقة الوطنية الطبعة الأولى 2017؛
يقع الكتاب في 158 صفحة من الحجم المتوسط، يتناول موضوعه الخلافة الإسلامية على عهد الرسول محمد مرورا بخلافة كل من أبي بكر وعمر وعثمان فعلي؛ أو ما سُمي بالخلافة الرشيدة، لينتقل للحديث عن الفتنة الكبرى. علما أن موضوع الكتاب قد أُستهلك وقيل فيه الشيء الكثير، بل إن هناك مجموعة من الدارسين قد استوفوا الموضوع حقه وزيادة؛ نذكر منهم على سبيل المثال: عبد العزيز الدوري، هشام جعيط، رضوان السيد... إلا أن ما استوقفني وآثار انتباهي بخصوص هذا الكتاب، أمران اثنان، أُدْرجهما في الآتي:
• الأمر الأول، أن الباحث ألف كتابه بالدارجة المغربية، وهو أمر يُثير الاستغراب، خاصة وأننا نجد الأستاذ عبد اللطيف أكنوش استبدل مطيته التي ارتضاها لغة للتحصيل والعلم، أي اللغة العالمة أو ما يسميها بتهكم "لغة المهيمنين سياسيا واقتصاديا وثقافيا" (ص.4)، إلى الدارجة، لغة العامة، التي تنحت مادتها، من فصيح اللغة العربية، عِلما أن الرجل كان، وإلى عهد قريب، يلقي دروسه باللغتين العربية والفرنسية بل وألف بهما. ومع ذلك، نتساءل عن مدى مشروعية التعبير بالدارجة، وعن مدى علمية الكتابة بالعامية، وعن القيمة المضافة التي تقدمها الكتابة بالدارجة.

إن مدى علمية كتابة معينة هو القطع مع الحس المشترك والانتقال بها إلى اللغة العالمة؛ ذلك أن ما يجعل كتاباتنا تمتاز بالعلمية، هو التحول من الكلام إلى التفكير، أي الانتقال، بلغة "باشلار"، من لغة بادئ الرأي إلى اللغة المنظمة. ولكن هل استحضر المؤلف المعطى الابيستيمي قبل الخوض في موضوعه أو أثناءه؟
صحيح أنه من حق المؤلف أن يعبر عن آراءه، ولكن ليس من العلمية مما كان أو المنهجية الحقة، القول: "ما باغي حد يكوماندي فيه ويقول ليه كتب بهذا اللغة ولا هاذيك" (ص.3) لأن مثل هذا الكلام لا يروم حجية الشيء المقضي به، والأستاذ بمثل هذا القول لم يقدم مع الأسف أي مبرر موضوعي؛ اللهم إن كان الباحث يريد تمثل فكر عصر النهضة، الذي سعى للقطع مع اللغة اللاتينية وإحلال لهجة منطقة "باريس"، وهي ما عُرف لاحقا باللغة الفرنسية، محلها وبدلا عنها، وهو احتمال بعيد جدا. ولكننا نجزم أن مقولة قياس الغائب على الشاهد، التي ربما يكون الباحث قد تبناها، لا تصلح في السياق التاريخي للغة العربية أو أية لهجة محلية لها ارتباط بها؛ خاصة وأن العامية لا تتوفر على قواعد وأصول نحوية ومصطلحات ومفاهيم علمية ولا على أدوات تحليلية، تكون بمثابة معاول صالحة للبحث والتنقيب؛ إنها كائن هجين، تستعمل للتخاطب اليومي وليس للتأليف والعلم.
وما دامت الدارجة تصلح للوصف فحسب، وليس بمقدورها أن تكون أداة تحليل، كما يصير مع اللغة الفصيحة، فإن العامية، لا يمكنها أن ترقى للمنظور العلمي؛ لذلك، تبقى الدارجة وسيلة تعبير قاصرة عن إنتاج معرفة علمية.
والمريب في الأمر أن الباحث "يعتقد" جازما كون الدارجة المغربية سوف تصبح اللغة الرسمية للبلاد، دونما سند معرفي أو مبرر علمي أو حتى مسوغ سوسيوثقافي، اللهم ما كان من اعتقاده وتخيُّله ليس إلا، يقول: "خوكوم من الناس للي كايآمنو بأن الدارجة المغربية، طوال الزمان ولا قصار، غادي تصبح اللغة الرسمية والدستورية للبلاد... خوكوم من الناس للي كايعتاقدو بأن هناك حتمية تاريخية كاترجع اللغات العامية مهيمنة طوال الزمان ولا قصار"(ص.3).
بالرجوع إلى ما أسماه الكاتب "منهجية الكتاب" عساها تسعفنا للتقرب من وجهة نظره وتساعدنا على إيجاد مسوغ علمي يشفع له اعتماد الدارجة المغربية، لغة للكتابة، لا نجد ما يدافع به الرجل عن رأيه ويحاجج به، إلا إذا كان القارئ الكريم يعتبر السب والإغراق في الذاتية والإسقاط حجة وركيزة منهجية لاستعمال الدارجة في الكتابة. أيُعقل أن يكون هذا الكلام مبررا منهجيا وحجة يتخذها الباحث تعلة وسندا علميا؟ هل بلغة سوقية بئيسة يتأسس العلم ونكتب التاريخ ونعلمه للأجيال؟ ولنترك القارئ يقف بنفسه على بعض النماذج، من قبيل:
- "ينطح راسو معا الحايط"(ص. 4؛
- " كاتفورماطي ليه دماغو بغا ولا كره..."(ص. 3)؛
- "اللغة اللي مكتوبة به معنكشة" (ص. 4)؛
- "وأنا ماعنديش معاهم ومعا التزكاك ديالهوم.."(ص. 4)؛
- " وللي ما مقدس حتى وزة.." (ص.27)؛
- ولأنني ماشي نككار الخير بحال بزاف الجهلة دياولنا" (ص. 10)؛
- بزاف ديال خوروطو اللي كيحل فمو دابا" (ص. 10)...
أبهذا الحديث يمكننا أن نؤسس لحوار ولتقاليد ثقافية وللعلم؟ لقد غاب عن الأستاذ أنه، ولكي يتأسس العلم، نحن في حاجة للغة عالمة بعيدا عن المشترك. وما دام الأستاذ، يدعي أنه مؤرخ، وإن كنت لم أقف له على تأريخ، أسائله: هل يمكننا أن نؤسس لعلم التاريخ باللغة العامية؟ قطعا لا، سيدي الفاضل....
أما الطامة الكبرى هي أن "خوكوم" يعتقد أنه بفعله هذا سيُقرب التاريخ من العامة، يقول: "خوكوم باغي حتى للي ما موللفش يقرا التاريخ لأن اللغة للي مكتوب بها معنكشة، يقرا بالدارجة، ويحصل ليه أثناء قراءتو اشويا ديال الإمتاع وشويا ديال الانتفاع"(ص.4)
أقول للأستاذ الكريم: إن سنده واه ولا حُجية له، إلاَّ إنْ كان يرغب تمثل الفرجة بمفهومها الحكواتي ودعوة الناس للحلقة، وإن كنت لا أُبخس الحلقة مكانتها الثقافية في اللاوعي الجمعي، عوض التوجه للمكتبات وللجامعة والاعتماد على لغة مكينة تُحلل وتستنبط...
لقد فات الباحث ، وهو يكتب بدارجته أنه لازال يعتمد اللغة العربية الفصحى التي يُحورها عندما تُعوزه دارجته و لا تسعفه إلى ذلك سبيلا، ألم يكن من الأجدر له أن يقول:
- "الخلفاء الرّبعة" أو ربعة ديال الخلافة"، عوض الخلفاء الأربعة ؛علما أن كلمة "الخلفاء" كلمة عربية فصيحة ونفس الشيء يقال عن العدد "أربعة"، فأين هو ما يقابلها بالدراجة؟ والأمثالة كثيرة.
يستشف من كلام الرجل أنه يعتبر اللغة العربية لغة مهيمنة، وهذا الكلام يدخلنا في بوليميك لا ضرورة له، لأننا عندما ننتج ونبدع نخرج من قوقعة الشوفينية الضيقة إلى رحابة اللغة العالمة. ومع ذلك، وما دام الشيء بالشيء يُذكر، يمكن طرح السؤال التالي : عن أية هيمنة يتحدث الكاتب؟ خاصة وأن الكتاب يتحدث عن الرسول العربي وأن لغة القرآن هي اللغة العربية، إضافة إلى أن الكاتب يبجل ويمجد الرسول العربي.. ما هذه المفارقة أستاذي الكريم؟ كيف يبجل الرسول العربي ويعتبر لغته لغة مهيمنة؟
لقد جعل الرجل للسياسة، في عهد الرسول وخلفاءه، قصة، وهو يدعي أنه يرغب في كتاب تاريخ سياسي، وشتان بين التأريخ والحكي؛ علما أن السياسة فعل تاريخي وليس سردا لوقائع وأحداث اللهم إن اختلطت الأمور عليه، لأن علم التاريخ غير الإستوغرافيا فكتاب المغازي، الذي استشهد به المؤلف، هو كتاب أخبار وليس كتاب تاريخ.
من هنا نجد الكتاب عبارة حكي بسيط لتاريخ صدر الإسلام، يُشعرك وأنت تقرأ الكتاب أنك تجالس حكواتي حيث أجواء الحلقة والأزلية، وليس مؤرخا فيما يدعي...
• الأمر الثاني، الذي استرعى انتباهي بصدد الكتاب هو تشبت المؤلف بالنظرية الماركسية للتاريخ، أو ما يسمى في الأدبيات الماركسية بالحتمية التاريخية، كما هي عند كارل ماركس، الذي يرى أن التاريخ تحكمه قوانين يدركها العقل الإنساني، وهذه القوانين حتمية، أي أنها تفرض نفسها لأنها ناتجة عن حركة التاريخ نفسه. ومع ذلك، أعتقد أن الباحث، في طرحه للدارجة، يعتمد الحتمية الميكانيكية الصارمة التي تُسقط الفعل الفرديّ والجمعيّ وتجعل الفرد عبدًا لقوًى غيبيّة من خارج التّاريخ؛ فكلّ حدثٍ وكلّ فعلٍ أو إرادةٍ إنسانيّة، تتحوّل إلى مفعولٍ بهِ يخضع لقوانينَ موضوعيّة طبيعيّة، وجودها مستقلّ عن الإنسان؛ وهي النظرية التي حاول المؤلف الاعتماد عليها عندما اعتبر الأخذ بالدارجة حتمية تاريخية، عندما يقول: "خوكوم من الناس للي كايعتاقدو بأن هناك حتمية تاريخية كاترجع اللغات العامية مهيمنة طوال الزمان ولا قصار"(ص3 ). في حين، نجد "كارل بوبر" يقول باستحالة التوقع، وينتقد النزعة التاريخانية ويرفض تبنى النظرة المادية للتاريخ، أي الفهم الميكانيكي للماركسية والمعروف بالنزعة الاقتصادوية؛ وهو فهم سطحيي، من وجهة نظره، يجيب على الأسئلة المطروحة بشكل حتمي قاطع لا يترك أي مجال للنقد العلمي.
من هنا، فالحتمية التاريخية خرافة كما يؤكد ذلك "كارل بوبر" في كتابه ”بؤس الايديولوجيا"، في حين أن ”التاريخية” هي حركة الإنسان وفعله الممكن في ظل ظروف الزمان والمكان؛ إذ يلعب التخطيط والاستعداد و”استشراف المستقبل” دورا أساسيا.
وعليه، نرى أن الحتميّة لا تُعوِّل على إرادة الإنسان لتَفسر الحركات الفيزيائيّة الحاصلة والفاعلة فيه.

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟