قراءة في مقالة جماليات الاسلام للأستاذ محمد موهوب – عبد الحفيظ ايت ناصر

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

« قيل لها ادخلي الصرح، فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها، قال انه ممرد من قوارير.» (قرآن كريم)
يفكر الأستاذ في القسم الثالث من الكتاب « علامات على الطريق» في الممكن الذي كان ويطرح السؤال؛ ماذا يمكن ان يكون لو طرق هذا الممكن بالذات دون ذاك؟ التفكير في البدايات هو تفكير في مرحلة الاختيارات المفتوحة[1]. ويفكر الاستاذ في التجربة الفنية الإسلامية في مقالة «جماليات الاسلام» ويمكن أن نبدأ من الملاحظة المهمة التي يبديها في الموضوع «وفرة فن العمارة في العالم الاسلامي وفقر التنظير له»[2]
هذه الملاحظة توجب التفكير حول مفهوم الحداثة الفنية في المقالة، و ينبهنا الاستاذ الى ان هذه المقاربة للتجربة الجمالية الاسلامية ليست إسقاطا للثمتلات المعاصرة على حقبة معينة من التاريخ، ذلك ان الرؤية التي تحكم هذه المعالجة تنفلت/ تهرب من اي نظرة خطية للتاريخ، كل شيء يكون مكررا ومختلفا في نفس الآن، ويعيش السابق في اللاحق بشكل شديد التداخل، وليس غريبا ان نجد الاستاذ يحمل على الرؤية التاريخية التي تؤمن بخطيته، فحسب رؤية الاستاذ يولد التاريخ من عملية كسر الخطية.

في المجال الاسلامي تمت ممارسة الفن وغاب التنظير له حسب الملاحظة السابقة، هذه الهوة الفارغة بين النظرية والممارسة الفنية نؤول سببها انطلاقا من الآية التي يجعلها مطلعا للمقالة، هذا النص المؤسس للذهنية الإسلامية الذاهب بالتجريد الى حدود الغاء الحامل الصورة، لا حوج معه لنظرية تسبق الممارسة اذ يتم الغاء كل الثنائيات، وهذا ما تُفكره المقاربة هذه؛ محاولة/ السعي الى التفكير خارج كل ثنائية [ إن الممارسة تكون هنا هي نفسها النظرية]، أسس هذا النص في عموميته الذهنية/ الرؤية الجمالية الإسلامية، وقد يكون من هنا نبذ الوثن الحامل للصورة الخالي من الروح (كنوع من تجاوز التعبير الجمالي التقليدي) فالمنحوثة مازالت تفترض الحامل للصورة، عكس الرؤية المغايرة التي تتماهى مع المثال مباشرة.
« فها هي اللوحة الفنية تقدم على انها بلغت من جودة صنعها ان اوقعت بعقل كبير، عقل مفترض الرجحان، انه عقل ملكة سبأ الذي لم تفلح معه في التمييز بين المادة الخام(= الطبيعة) وبين الشبيه، المادة المصنعة (الثقافة).»[3] وتفكر المقالة في «المحاكاة» وبشكل مغاير يرمي الاستاذ الى ملاحظة دقيقة وغاية في التحقيق، ان تاريخ الفكر الغربي بأزواجه المفاهيمية كان ثاويا فقط في هذه الآية، كان متواريا[4].
هذه الحداثة التي يفكرها الاستاذ في التجربة الجمالية الإسلامية هي مساءلة للممكن كما تم، وتصدر عن رؤية هايديجرية، ونذكر تأويل هايدجر لبارمنيدس ، يحضر هنا بارمنيدس في تجربته الشعرية المسافرة على درب الوجود، في الدرب/الطريق تظهر العلامات وتختفي، والمؤلم هو ان الانسان لا يتمكن من طرق كل الممكنات، لكنه يستطيع دائماً طرح السؤال الراهن المستشرف للآتي، ماذا لو تم طرق ممكن دون هذا الذي طرق؟ هذا السؤال هو فرصة بناء الحاضر.
يتساءل الاستاذ؛ « ما وجه العلاقة بين أسس الفكر الغربي من جهة والتقليد العربي- الاسلامي الذي طرحه القرآن من جهة أخرى، وسؤال الفن وعلم الجمال من جهة ثالثة؟»[5]
تجدر الإشارة في عناصر السؤال الى ان القول بأسس الفكر الغربي مقابل التقليد- العربي الاسلامي هو ممايزة احدهما عن الاخر فيما يخص النظرية والممارسة، حيث في الاسس تسبق النظرية الممارسة او ترتبط بها، بينما في التقليد يكون كل عنصر منهما [ النظرية – الممارسة ] الآخر. لا يهم الجواب عن كل جوانب السؤال بل نعبر من خلاله إلى سؤال الكونية. بهذا التساؤل تجعل المقالة الرؤية الجمالية والفنية الإسلامية معاصرةً تقتحم كل المجالات الحضارية لأن ما تحبل به الآية من رؤية جمالية ظل هما قائما في التجربة المعاصرة.
التجريد الجمالي المتصل مباشرة بالمثال، الذي يتقدم بالاستعارة الى حدود القبض عليها و المحيل على الجليل، وليس من الصدفة في هذه الرؤية ان يحضر اسم الجلالة « الجليل « و « البديع «، هذه الاحالات المؤسسة لهذه الرؤية الجمالية هي التي تجيب عن اشكال الكونية.
تم القول بأن الاستاذ يحمل على الرؤية التاريخية الخطية/التصاعدية ويؤمن ان السابق واللاحق يسكن كل منهما الآخر، وسؤال البدايات هو سؤال الممكن والاختبارات المفتوحة على كل الإمكانات، وهكذا فإن أي تأويل يكون مغرضا اذا قال بأن الجمالية هي ابداع عصر دون غيره من العصور[6].
وكذلك فالآية تلخص كافة مراحل علاقة المتلقي/المشاهد بالعمل الفني/اللوحة، من الرؤية إلى التمثل/التأويل مرورا بالإدراك.
وتتأكد المعاصرة/معاصرة جمالية الفن في المجال الاسلامي بعد طرح سؤال الممكن في تفكيرها خارج إشكالية الحضور» فإن لم تستطع التجربة الجمالية الغربية ان ترفع إشكالية العلاقة بالأصل فإن استقلالية التجربة الإسلامية عن الذات (sujet) – نقصد ما عرف بتجريدية الطابع الاسلامي حررت المخيلة الإسلامية من الحدود المتخشبة لذات متمثلة، اي لحامل( support)
للصور المتمثلة»[7]
يتضح أن الاستاذ يتم مقاربته وهو يفكر عبر النجد لمجاوزة كل الثنائيات التي يستحضرها في مكتوباته، علامات في الطريق تحيل على قول بارمنيدس في رحلته الأنطولوجية
« وتبقى كلمة واحدة، كلمة طريق « الوجود «
فعلى قارعة هذه الطريق توجد علامات متعددة «[8] [المقطع-7]
ويختم الاستاذ بقوله: « كل هذه العناصر تمكن من تفجير الإطار الضيق لما عرف في الفكر المعاصر بـ « فلسفة التمثل/ الحضور» وهو ما تطمح إليه التجربة الجمالية المعاصرة»[9]

[1] محمد موهوب ترجمان الفلسفة المطبعة والوراقة الوطنية طبعة ثانية 2018 ص 199
[2] محمد موهوب ترجمان الفلسفة المطبعة والوراقة الوطنية طبعة ثانية 2018 ص 207
[3] محمد موهوب ترجمان الفلسفة المطبعة والوراقة الوطنية طبعة ثانية 2018 ص 206
[4] انظر ترجمان الفلسفة ص 206
[5] المصدر نفسه ص 206
[6] محمد موهوب ترجمان الفلسفة المطبعة والوراقة الوطنية طبعة ثانية 2018 ص 204
[7] ترجمان الفلسفة ص 208
[8] عزالدين الخطابي و إدريس كثير في الحاجة إلى ابداع فلسفي عدد 48/ 2006 ص 45
[9] محمد موهوب ترجمان الفلسفة المطبعة والوراقة الوطنية طبعة ثانية 2018 ص 208

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟