فايز خضور : الشاعر العابث بثنائية الموت و الحياة - د. امحمد برغوت

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسللعمل الشعري في رأي فايز خضور مدلول جدلي بين الحياة و الموت لأنه البديل الموضوعي للموت :
" الشعر بالنسبة لي ذو مدلول جدلي مرتكز على علاقة الحياة و الموت، و الموت بالحياة، و بصورة أدق بالنسبة لي البديل الموضوعي عن الموت انتحارا، و لذلك تراني مستمرا، و استمراري مستمد من عذابي في الحياة و الآخرين" 1.
هكذا يقدم فايز خضور نفسه كشاعر الموت الذي تنبثق منه الحياة كما ينبثق طائر الفينيق من رماده، و طائر الفينيق رمز تناوله الشاعر كثيرا في دواوينه الأولى، و وظفه توظيفا لخدمة فكرة محورية عنده : الموت و الحياة، الخصب و الجدب.
و قد قاده هذا الانشغال بالموت و الحياة على العبثية؛ و الإيمان بأن كل شيء باطل؛ و هذا ما يعلنه في قصيدة بعنوان : " ملحق لسفر الجامعة " :
تكبرين ؟ فاهمس في أذن الريح
يا امرأة -
باطل، باطل كل شيء
و قبض الرياح، كقبض النساء........!!"
و عبث فايز خضور عبث وجودي منبثق من ثنائية الموت و الحياة، و هو عنده قصدي كذلك، إذ أن الشاعر يعني عبثه و يعيه و يمارسه على ضوء العقل.
و العبثية كانت نتيجة مرارات الشاعر و خيباته المتلاحقة في تحقيق طموحاته،     و لقد عبرت هذه المرارة عن نفسها بقسوة و حرارة في ديوانه : " و يبدأ طقس المقابر ".
وفيما يتصل بالشعر وطبيعة علاقته بالجماهير، يوضح فايز خضور : " إن الجماهيرية كلمة ذات مفهوم مطاطي، و مدلولات كثيرة غائمة في معظم الأحيان و متباينة لدى معظم البلدان و الشعوب و العقائد و الأيديولوجيات فعندما قيل قديما :
 " الشعر ديوان العرب " كان هذا بديلا تقريبا لما نسميه الآن وزارة الأعلام و ملحقاتها، و وزارة الثقافة و تفريعاتها، و الآن ألا ترى معي أنه من الظلم أن نحمل الشعر هذه التبعة و نرهقه بهذا العبء ؟ فالشعر برأيي لم يخسر جمهوره الفعلي الكيفي،  و إن كان قد تقلص جمهوره الكمي هندما كان يشترك مع الخطابة في الإيصال، لأنك ترى الآن ما يسمى بجمهور المسرح و جمهور السينما ز الرياضة الخ... و هذه الجماهير كلها من تداخلها و تراكبها و بنسب متفاوتة تبقى لها استقلاليتها الذوقية من حيث إشباع ميولها اتجاه تلك الفنون، و في تضاعيف تلك الفنون و الميول لابد من حضور الصادق   و المحتال " 2.
و عن وسائل و أدوات التعبير الشعري، و يرى فايز حضور أنها أن تكون مبتكرة لترسيخ قيم التطور، و يرى – أيضا – أنه كلما كان الملتقي جادا و معنيا بابتكار هذه الوسائل و الأدوات الفنية، كلما كان الشاعر اقل استهتارا و أكثر جدية في البحث عن وسائل مبتكرة :
" لكل شعب لغته و أدواته و وسائل إيصاله، و كل شعب عندما يبتكر تلك الأشياء، تكون الحاجة هي حافزه في معركة السعي لترسيخ قيم معينة و حياة معينة، و بالتالي حضارة متميزة، و تلك الوسائل و الأدوات تتطور مع تطور المسار العم لتلك الشعوب، ففي كل عصر لا بد أن تموت أشياء، و تستحدث أشياء، فهذا الموت و التجدد لا بد و أن يدفع بالحركة تقدما و تقهقرا و بالتالي لا بد و أن نرى وسائل و أدوات التعبير عن هذه الحالة الجديدة حيث تكون الثقافة هي المعيار في تكريس جوهر الفكر – فيما كان ثمة  فكر –  و التقصير عن  الإيصال  قد  يشترك  فيه الملقي المبدع  مع  المتلقي المستهلك.
و أنا برأيي أنه كلما كان المتلقي جادا، كلما كان الملقي أقل استهتارا، و بالتالي كانت الهوة أكثر ضيقا. و هذه المعادلة تكون نتيجتها أن الجماهير هي المقصرة وليست القلة المبدعة الصادقة التي من واجبها أن تكون في الطليعة و ليس في المؤخرة " 3.
وانطلاقا من هذا الهم في التجديد و ابتكار أدوات شعرية – غير مسبوقة – اختار فايز خضور أدواته الشعرية اختيارا قصديا و فنيا معا حتى تفرد بقاموس من المفردات أصبحت لصيقة به مثل : " العزعزة و الحمحمة، الولولة، الوهوهة، المهمات، الهيولي، الرهج، الهناءات "...الخ، بالإضافة إلى مشتقات هذه المفردات، معتمدا فيها الفعل المشدد دائما، واختيار صيغ منتهى الجموع، و جمع الجمع، و توزيع المقاطع الشعرية والأصوات توزيعا موسيقيا مستفيدا من المونتاج السينمائي المعاصر، و الشاعر يريد من كل هذا مزيدا من الإيحاء و الإمتاع و الإثارة.
و الشاعر في ذلك مؤمن بأن لغة الشعر يجب أن تتخطى لغة الواقع الراهن، لأن الفنون جميعها – و الشعر خاصة – لن يكتسب محتواها دلالة موحية لولا الشكل – الهيكل الذي يطرحها و يحتضنها بأبوة غنية الاحتواء ضمن علاقة سبب و نتيجة و لا يتحقق استمرار أحدهما إلا بوجود الآخر.
" الإحساس الذاتي العميق بالشعور الجمعي، يجعلني أتحدث – مرتاحا – بلغة الجماعة، و ليس الإرهاص بالتفخيم – كما يتوهمون - ، لأن الفنان المتخطي لغة الواقع الراهن، إذا لم يقبلوه مكرسا صوريا لواقعهم – لكونه متفوقا بسببهم - ، فإنه سيظل وجدان مستقبلهم، وضحية ماضيهم، ذلك الماضي الذي لم يستطيعوا تجاوزه، أو الخروج من شرنقته الحبلى بالكسل و الرضوخ التلقائي الذي كثيرا ما تكون القدرية فيصلا لئيما في تأطيره و تعليبه..فالفنون جميعها – و الشعر خاصة – لن يكتسب محتواها دلالة موحية، لولا الشكل – الهيكل - ، الذي يطرحها. لأنها منذ بدء التكوين، هموم مفروزة في عرض الشارع، في الريح، في الأعصاب، في المطر الذي ينسل التربة لدى الأخرس كما هي لدى المغني" 4.
و يرى فايز خضور أن ثورية القصيدة الجديدة حققت ثورة اعتمدت فيها على مرتكزات كثيرة أهمها : تحطيم وحدة البيت القديم، و طريقة صياغته بالنسبة للعبارة الشعرية الموروثة معتمدة على وحدة التفعيلة، و الصراع الذي يجب أن يخوضه الشعراء الآن هو :
" الوصول إلى تحرير التفعيلة الواحدة و محاولة التحرر منها، دون أن تفقد الصياغة موسيقاها و تنحو نحو قصيدة النثر التي لم تخضع للتطور الجمالي الواجب بالنسبة للشعر العربي. و لهذا تبدو و قصيدة النثر – بالرغم من وجود القلائل الذين يحسنون كتابتها – مبتورة الأصول و مفتقرة حتى للمرتكزات اللغوية الهامة في النثر و الشعر و الغناء " 5.
و يستطرد فايز خضور في الحديث عن مواصفات القصيدة الجديدة عنده، و عن سر العمل الفني، فيقول :
" إن هذا الشعر ليس أرقاما حسابية تنتظمها نظرية ما، أو منطق عقلي ما، و لكونه شعرا، فإن المعادلة الضابطة له هي الحس الفني المتجاوز لبلادة الحواس الخمس و معرفتك للسر، يعني انتهاء و قتلا لباكورة الخلق ... هي الحس الثاقب لقشرة الوعي المحدود ضمن قوسين من المعادلات الحياتية و التقاليد البائرة... هي الحي الثاقب لقشرة القاموس ذي البعد الوضعي الواحد " 6.
و يحدد بعد ذلك ملامح الشكل الفني لقصيدته قائلا :
" – هذا الشكل لم نبتكره أثناء القصيدة، مما لا يجعل نقاء الخلق، خاضعا لتفصيل قسري مشلول، و إنما كان حصادا لتعميق جمالي جذوره في النار، و رائحته نسغ في رئة الأرض.
هذا الشكل جاء اختيارا واقعيا للبحث عن وجه شعري جديد متطور، يقوض اللغة المضطهدة، ليشحنها بالمضامين الظامئة للحياة و الحركة " 7.
و يمضي بعد ذلك في الحديث عن تجربة جيل الستينيات – الذي ينتمي إليه – مركزا على الإنجازات التي حققها في غمار تطوير القصيدة العربية الحديثة :
إننا لا ننكر سيرة الحياة في دور المعلم و الطالب، و ما دام المستقبل لنا، و من ثم لمن سيجيء بعدنا، فإنه أصبح من حقنا أن نرفض هذه الأبوة الواجب       و الهيمنة القاسية.
نحن لم نخرج عن التفعيلة الواحدة إلى ما يسمى بقصيدة النثر، و إنما خرجنا على التفعيلة و حطمنا حجمها، معتمدين في توزيع البيت الشعري على ملاحظات أهمها:
اللحظة الشعرية، أو الجرس الشعوري، و ليس على الإيقاع في التقطيع الوزني للتفعيلة وحدها.
تمزيق طنين التفعيلة، مما يترك للموسيقى الداخلية حرية التوزيع لقدرة تكثيفية، حتى ينسرب إيحاؤها عاليا، عميقا، شاملا يزيد بالعون على الكشف و التعبير. و هذا ما يجعل التفعيلة لا تأسر الدلالات النفسية، دون أن يظل القارئ راكضا لاهثا للوصول إلى نهاية عدد التفعيلات في البيت الشعري الحديث.
إننا لم نترك التفعيلة، لكن علائقنا الوجودية معها أصبحت مختلفة إذ لم يعد يرصدنا قالب التفعيلة، و لا نوعها الوزني، لأننا احتويناها فصارت تابعة و ليس العكس " 8.
و سواء أكان فايز خضور يسعى للهم الذابح، أم أن الهم الذابح يحيط بالشاعر من الجهات كلها، فإن الشاعر محترق، لذلك تكاد تستغرق الرؤى السوداء عنده ديوانا بأكمله، نظرا لولعه – كما كان علي الجندي و محمد الماغوط – بالتمرد وابتكار الغرابة في السلوك، كما كان صداميا مع الموروث السائد.
و يفتتح فايز خضور " كتاب الانتظار " و هو من دواوينه المشهورة ببرقية :

" هذه الشمس مضحكة
و الحديقات ما تزال
صورة للرؤى شائكة
فرحي مقفر السلال " 9
و يختم الكتاب ببرقية هي :
" كرهت حتى المطر
لا تحزني يا حقول
شيعت عرش الحجر
بالصحو لا بالذهول
سكنت ريح السفر
للموت قلت انتظري " 10
و بين البرقية و الأخرى، تمتد مساحات واسعة من الرؤى القاتمة، لعل أشدها قتامة ما جاء في قصيدة : "اعترافات الحسين بن علي" التي اقتطف منها هذه المقاطع بتصرف :
" ذاهل ارصد النمل،
كيف استطاب النفايا ؟
وزيتي أسيد،
و قمحي رمال،
هباب من العتم
يسأل خنجر ضوء حنون.
ذاهل، استحيي من خواء الملامح
ما عدت شيئا،
يليق بولولة القتل،
أبراج ذعري خراب
و حراسه يطعنون الغبار.
ذاهل، كيف شكوا برأسي،
زمان الوقيعة –
رمحا،
و صاحوا : أبشروا،
نبتت سنبلة...؟
ذاهل : كرسي شهيدا ، و هم قتلوني...َ!!: 11
يتقمص الشاعر في هذه القصيدة الطويلة شخصية " الحسين بن علي" شهيد كربلاء ليسقط عليه مشاعر الذهول و الخيبة و الذعر و الخراب التي تحاصره في زمن الهزائم  و النكسات. و القصيدة تعتبر بحق احتجاجا رافضا لمنطق هذا الزمن الموبوء، حيث يرفض فيها الألقاب القديمة، لأنها لم تعد لها معنى :
" لست من كربلاء
لا... و لا امرأتي عائشة....
كنت ارثي السماء،
عندما شرخت مهجتي، حربة طائشة!! " 12
و يبدو واضحا أن الهم القومي و الوطني هو مصدر الرؤية السوداوية عند فايز خضور. هذه الرؤية التي تتفجر يأسا و حزنا عميقا على ما أصاب العروبة من ذل و مسكنة. و لذلك فهو يفقد أحوال هذه الأمة، فلا يرى إلا ما يفجر كآبته و حزنه على مصيرها:
" اصرخ بالمقتتلين على الأسلاب، ارتدعوا
تحت نشيج الطعن المفجع، سقطت شفتي:
غيم سنين مر،
و رأسي كرة تدحي،
بين النجف و سامراء.
جيش فصول، فر،
و رأسي حجر، يوطأ
بين دمشق و يثرب
سراب شعوب، طار
و أهلي أضحوكات
تروى،
كل مساء
فيض عصور غارت،
و أنا وشم
ينقش فوق نحيل البصرة،
أو حيطان المغرب." 13
و هذا الوضع، هو ما يؤلب عليه الحزن الداخلي، و القلق الوجودي، و حيث لم يعد يبصر بارقة أمل :
" أصبحت وحيدا، اقرأ في سفر البرية :
صورا من تاريخ جفاف الإنسانية
ارسم بين الأعشاب الساقطة الحمراء،
كلمات من إيقاع خطاي،
فوق رماد هواي " . 14
و وضعه هذا هو مت يدفع به إلى الإحساس بالغربة القاتلة التي تنهش روحه، و لذلك فهو يستعجل الموت :
" و في وطني
من الشهداء آلاف:
تخاف الريح من أسمائهم،
و تغار من أحزان أهليهم،
طقوس شهيد عاشوراء، و النجف..!!
فيا زنزانة الثابوت ضميني،
دعي حماي تنهشني
هي الكلمات صارت بين أسناني :
رصاصا نافرا من نهر أوردتي
يهددني،
بموت يائس كالنمل." 15
لقد اتضح الأمر، و انقشع الوهم، و لم يعد هناك الإظلال هذه الغربة الحزينة القاتمة التي تدفع الشاعر إلى الصمت الانتحاري، و الظلام القاتل :
" و أدخل عتم شرنقتي :
هزيلا،
مقفل العينين،
خوانا،
أصم من الحجارة،
أبكم الإنشاد،
مغتربا....
يشل رؤاي هذا الحدس،
يدفعني إلى الصمت انتحاري...!!! " 16
إلا أن هذا الوضع لا ينسجم معه الشاعر، و لذلك تراه يبحث عن أعذار:
" و ألتمس لصراخي المعاذير.
لست أنا الناهر المستشيط،
هو الرعب،
باعد ما بين صوتي و بين الصدى
إنه زمن لا اسميه
لكنني أشتهي
لو دلقت جوادا عجوزا،
أجرجر أجراس حزني،
وراء خيام الغجر :
أتقرى بكورة جرح الفصول، و أشرب نخب المدى. " 17
و ربما كان فايز خضور – يقول أحمد بسام ساعي – " أقرب شعراء القصيدة الكلية إلى الوضوح في احتجاجه الرفض، و ذلك في قصيدته " اعترافات الحسين بن علي التي يرفض فيها الأسماء القديمة و الألقاب الخادعة، لأنها شكل ثابت لمضمون متغير،    و لا بد أن يتبدل الظاهر مع تبدل الباطن " 18
يقول فايز خضور في هذه القصيدة :
" يا شيخ حيارى مكة
أنقذ هذا العالم من أصفاد اللقب الجاني
سم الغيث الواهب، ناهب
سم الفائز، خاسر
سم الراهب، مارق
سم الناصر، كاسر." 19
و على الرغم من بعض الاشراقات المتفائلة القليلة في ديوانه " و يبدأ طقس المقابر"، فإن كثيرا من الرؤى السوداء مبثوثة في ديوانه هذا، كما في قصيدة " صفحة مهترئة من قانون الجرائم " التي يقول فيها :
" نكسوا كل هذي البيارق
و ارفعوا قبة المقبرة
دندنت ساعة الغرغرة
و انحنت للرمال البنادق
هي ذي عنقي تتدلى
ما بين النصل المثلوم
و ما بين الأنشوطة
و أنا ارتقب الفرع الراعف من كرم السجان " 20
لقد أصبحت صورة الموت تلاحق الشاعر، و ترمي بظلالها عليه لتسلمه إلى الشعور بالذهول الذي يلاحقه في أكثر من قصيدة :
" واقف في مضيق التلوث
تردعني الريح
دون طريق الدخول
...آخ
من زمن أكتب الموج،
عصفا، و لينا....
.....
ساكن في دمي،
في العظام الرطيبات
غيم الذهول." 21
" حريص – أنا – أن أظل مع الناس طفلا،
يموج حياة،
و لا سيدا للردى، و لا زالت أطوي القفار هلوعا
يلاحقني الثلج
و القانصون
و رجع الصدى :
" أنا للردى ...للردى....للردى...." 22
و تحت وطأة هذا الشعور باليأس القاتل، يستعجل الشاعر رحيله الذي يراه و شيكا حين يقول :
" سنينا، ما استرحت،
فهل تلام إذا اتخذت، من الصباح مطية،
لولوج عالمك الجديد،
و قلت للجسد المعذب :
ها، لظاك أتاك واحة ؟ " 23

هكذا إذن، يرى فايز خضور في الهزيمة قطار للموت – على حد تعبير أحمد بسام ساعي – " يفتح بعجلاته القاسية خنادق في الأرض، يخرج منها الأموات الذين رفضوا موتهم، أو سدا ملأ بانهياره أخاديد الأنهار التي جف فيها الماء و الحياة، إنها موت يلد الحياة، و يأس يبشر بالأمل " 24.
يقول الشاعر :
" من جسر " العلان" يمر قطار الحلم الهائم
يحمل قمصان الأحزان
يتحشرج عند حدود الخندق، يزرع جمره...
ساقاه على أبطي درب الموت الطامي، سفيان
تحتهما ينهض جيل يرفض قبره...
ينهار السد، و تهرب من بين أظافره الأمطار
ينطفئ الصوت الآسيان
و ترفرف بالفرح الأنهار... " 25.
ينصح مما سبق، أن رؤى فايز خضور صفحات أليمة أكثر منها صور تركيبية - باستثناء ما جاء منها في ديوانه " اعترافات الحسين بن علي " - ، إلا أنها مفصحة عن انفجار الأعصاب، و تدفق الانفعالات الحادة. فالشاعر محترق بدءا من علاقته بالوطن و انتهاءا بعلاقته بالحياة.
و مما لاشك فيه أن الأحداث الأليمة التي عرفتها سورية – انطلاقا من هزيمة 1967 و مرورا بانهيار المشروع القومي العربي، و التراجع الفظيع الذي عرفته القضية الفلسطينية، و انحراف ثورة الثامن من آذار عن أهدافها – كلها أحداث تركت جرحا غائر لم يستطيع فايز خضور الشفاء منه. إلا أن مرحلة ما بعد حرب تشرين 1973، شكلت حافزا جديدا لتجاوز تلك الرؤى السوداء، إذ بدأ الشاعر في التمرد عليها، و التغلب على منطق الهزيمة و التحرر من آلامها، و هذا ما دفع به إلى آفاق فكرية و فنية جديدة وإن ظلت ألوان من التمزق و الانطواء تتسرب إلى شعره لا يستطيع لها ردا.

الهوامش:
من حوار طالب عمران، مجلة : " جيش الشعب " هدد 1329، 7 شباط 1978.
نفس المرجع السابق
نفس المرجع السابق
من مقدمة فايز خضور لديوانه : " أمطار في حديقة المدينة " منشورات وزارة الثقافة و الإرشاد القومي في دمشق 1973، ص 5.
نفس المرجع السابق، ص 6.
نفس المرجع السابق، ص 7.
نفس المرجع السابق، ص 7.
نفس المرجع السابق، ص 8- 9.
فايز خضور : " كتاب الانتظار " منشورات اتحاد كتاب العرب دمشق 1974 ، ص5.
نفس المرجع السابق، ص 101
نفس المرجع السابق، ص 11 – 12 – 13.
نفس المرجع السابق، ص 11.
نفس المرجع السابق، ص 19.
فايز خضور : "الرصاص لا يبيت مبكرا" من قصيدة " الاعتراف " ص 47 منشورات اتحاد كتاب العرب دمشق 1980.
نفس المرجع من قصيدة " الاعتراف " ص 33.
نفس المرجع من قصيدة " الأفعى " ص 67.
نفس المرجع من قصيدة " المذعور " ص 7.
أحمد بسام ساعي : " حركة الشعر الحديث في سورية من خلال إعلامه دار المأمون للتراث 1978 ص 45.
فايز خضور : كتاب الانتظار " مصدر مذكور ص 32.
نفس المرجع من قصيدة " حليج منهدم " ص 7 – 8.
نفس المرجع من قصيدة " حليج منهدم " ص 7 – 8.
فايز خضور : "الرصاص لا يبيت مبكرا" مصدر مذكور من قصيدة        " افتراء "  ص 9 – 10.
فايز خضور : " عندما تهاجر السنون " منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 1972، من قصيدة " آخر الهدايا " ص 74.
أحمد بسام ساعي : مصدر مذكور ص 476.
فايز خضور : " صهيل الرياح الخرساء " منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 1970 من قصيدة " قصيدتان للعودة " ص 138.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟