السينما والتربية ـ حميد اتباتو

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse02111تقديم:
إن إثارة الجدل حول موضوع السينما والتربية، هو إثارة لجدل عام وشامل حول إكراهات الإيديولوجيا، والرهان التربوي، والعنف الرمزي، والمؤسسات المجتمعية، والأجهزة الإيديولوجية، وحول أجيال الطفولة، والشباب والبالغين وهي أيضا استكناه لقضايا الممارسة الإبداعية ولغايات الممارسة الفنية عامة، وهي كذلك تفعيل لأسئلة السينما وأسـئلة التربية وأسئلة أخرى تهم عطب الشخصية، وهوية الإنسان التربوية، وأهداف التسلية، والدور التربوي والتعليمي للصورة، وشخصية المتلقي، بالإضافة طبعا إلى سؤال النسق العام الذي تتأطر فيه هذه الأشياء كلها.
إن الحديث عن السينما والتربية هو مساهمة تسعى إلى تأكيد خطورة إلغاء وتأجيل وإقصاء جدل "الرهان التربوي" الحقيقي، ذلك الذي يسعى إلى توريط كل المجالات وكل الإطارات، وكل الجهات في إنعاش الحديث التربوي من أجل تحديد أرضية - يساهم فيها الجميع- يكون الهدف منها تحسيس كل مكونات المجتمع بواجباتها التربوية وبحقوقها في المجال نفسه، خاصة أن المسألة التربوية مسألة مهمة في أصلها، يخضع لها الجميع ويساهم فيها الجميع أيضا، لكن ليس بالضرورة انطلاقا من وعي كامل لغاياتها ولطبيعتها، ولهويتها ولأسسها ولخطورتها كذلك.

إن إثارة هذه الأشياء هي جزء من الأهداف المسطرة لأي حديث عن السينما والتربية، وهي الغايات نفسها التي تشجع مقالنا المتواضع ليخوض فيها انطلاقا من مجموعة من العناصر هي:
* السينما وخلفيات الرهان الثقافي.
* السينما والوظيفة التربوية العامة.
* السينما والوظيفة التربوية الخاصة.
أولا: السينما وخلفيات الرهان التربوي
إن الحديث عن السينما والتربية حديث عن مجالين محاصرين بالإيديولوجيا، لأن السينما تتأطر ضمن ما يسميه ألتوسير Althusser بالأجهزة الإيديولوجية الإعلامية والثقافية للدولة، وتسعى هذه الأجهزة في تكاملها مع باقي الأجهزة الإيديولوجية، وفي العلاقة بجهاز الدولة، إلى استنبات النموذج الخاص بها وتأبيده عن طريق إعادة إنتاجه بشكل مستمر، ولأن التربية بدورها " تعد من أخطر أجهزة الدولة الإيديولوجية التي تسير بواسطة الإيديولوجيا، وأحيانا بواسطة العنف وتتركز أهميتها في اعتبارها أداة للحقن الإيديولوجي للإيديولوجيا، وأحيانا بواسطة العنف وتتركز أهميتها في اعتبارها أداة للحقن الإيديولوجي للإيديولوجيا السائدة(…) وفي اعتبارها أيضا أداة لإضفاء الشرعية والعقلانية، وتبرير الأوضاع الاجتماعية السائدة". وبهذا يصبح الحديث عن الرهان التربوي للسينما حديث عن تمظهرات إيديولوجية وحديث عن تفجير النموذج، وعن تأسيس للثقافة المضادة، ورصد لتشكلات ما يسميه بيير بورديو بالعنف الرمزي لأن "أي نشاط تربوي هو موضوعيا نوع من العنف الرمزي، وذلك بوصفه فرض من قبل جهة متعسفة لتعسف ثقافي معين".
إن الحديث عن المنتوج السينمائي هو حديث عن غايات عديدة، إبداعية وجمالية وفكرية، وفرجوية وإيديولوجية، وسياسية، وتعليمية، وتحسيسية وتربوية، لأن الفيلم هو استثمار لمجموعة من المعارف الفنية [موسيقى، إضاءة، ديكور، سيناريو..] والفكرية والتقنية والمعيشية والتخييلية، مما يجعل مجموعة من المحتويات تتكثف داخله خاصة:
- المحتوى الجمالي،
- المحتوى الثقافي،
- المحتوى المعرفي الإيديولوجي.
إن تكثيف محتويات عديدة داخل العملية الإبداعية الفيلمية، يجعل الفيلم بالضرورة مرهونا بإحدى مناحي العملية التربوية، خاصة أن اعتبار الممارسة الفنية تجلي إيديولوجي، واعتبار التربية من وسائل الحقن الإيديولوجي، يؤكد أن غايات الفيلم التربوية والجمالية والإبداعية والفكرية، تكثف بقصد أو بدونه الوظيفة الإخبارية والتعليمية والتثقيفية التي تصب في مجملها في تأكيد الرهان التربوي الواعي أو غير الواعي للإبداع السينمائي، بل إن الفيلم الترفيهي الذي يسعى بالأساس في ظاهره إلى تسلية المتلقي، ورغم ثبات هدفه الترفيهي " فإنه لا يشكل الهدف الوحيد لأن الحكي الذي يتميز به قابل لأن ينقل مختلف المضامين، من مختلف التخصصات". بمعنى أن إبداع فيلم معين هو اقتراح لمجموعة من المعارف والمضامين ووجهات نظر الواعية أو غير الواعية من أجل استثمارها واستنباتها كغايات تعليمية، وتربوية وإخبارية وتأطيرية في جمهور المتلقين، سواء أكانوا أطفالا أم شبابا أم بالغين أم كبارا.
إن الفيلم إذن، كيف ما كان نوعه، يضيف إلى المتلقي أثرا ما ينضاف إلى التراكم العام الذي يحصل لدى الفرد في مشوار حياته، مما يجعل من تاريخ المشاهدة الخاصة عاملا أساسيا في بناء ملامح الهوية الخاصة في بعض أوجه السلوك، أو اللباس، أو طريقة تنظيم الحياة، أو التفكير، أو ممارسة العلاقات الاجتماعية، أو غيرها من مناحي الحياة الشخصية خاصة أن السينما، كلغة شاملة [مكونة من لغة الصور ولغة الكلمات ولغة الأصوات/أي اللغة المرئية واللغة المسموعة واللغة المنطوقة]، استطاعت أن تحتل مكانا هاما في مجالنا الحالي إلى الحد الذي يمكن معه الحديث عن قرن اللغة الشاملة، لأن الإنسان الحالي، ومن أجل أن يتكيف "مع الوسط الثقافي الذي يحيا فيه، عليه أن يعرف هذه اللغة الشاملة، وعليه أيضا أن يكون قادرا على استعمالها بشكل كبير".
إن تلقي فيلم معين هو إضافة أثر آخر إلى التجربة الخاصة، وهو إضافة معرفية، أو فرجوية، أو تاريخية، أو جغرافية، أو تخيلية، أو علمية، أو ترفيهية، بحسب طبيعة الفيلم تنضاف لتساهم بشكل بسيط أو معقد في تصحيح، أو تضبيب رؤيتنا أو معرفتنا بصدد حالة، أو فكرة، أو قضية لها ارتباط بتجربة الحياة والتعلم الخاصة. لأن إذاعة لغة جديدة تجمع بين الصور والأصوات والكلمات تجلب نمطا من المعارف يمكننا من إدراك العالم والناس بشكل مختلف.
إلا أن مساهمة السينما في إنجاح الرهان التربوي يجب أن تتأسس على وعي غاية الممارسة التربوية أولا، ثم وعي غايات إسهام الإبداع السينمائي في المشروع التربوي ثانيا، وهذا لن يتأتى إلا من خلال الإجابة عن مجموعة من التساؤلات من قبيل:
- كيف تساهم إبداعية الفيلم في تأصيل جوهر الإنسان؟
- كيف تساهم الممارسة الفنية في استنبات الجوهر الإنساني؟
- كيف يمكن تأسيس سينما تربوية؟
- كيف يمكن بناء مشروع سينما الأطفال؟
- كيف يمكن التأثير سينمائيا على المتلقي من أجل تفجير النموذج الثقافي السائد؟
- كيف يمكن للسينما أن تساهم في تفجير الدور القمعي للمؤسسات التربوية التقليدية؟
وكيف يمكن لها أن تؤسس لرؤية الاختلاف داخل المجال التربوي؟
إنها مجموعة من التساؤلات التي تطرح نفسها بشكل ملح من داخل أرضية "السينما والتربية" وهي ما سنحاول أن نتفاعل معه ضمن ما تبقى من فقرات.
ثانيا: السينما والوظيفة التربوية العامة
إن ما نعنيه بالوظيفة التربوية العامة للسينما هو مجموع الأهداف التربوية التي يسعى الإبداع السينمائي إلى تحقيقها - والتي يحققها- في كثير من الأحيان في غياب وعي مسبق لهذه الأهداف من طرف مخرج الفيلم، هذا بالرغم من أن الهدف التربوي يتحدد باعتباره "الغاية المقصودة من رسم الخطط التربوية اللازمة لحياة المجتمع وتقدمه".
إن غياب القصدية التربوية لدى مبدع الفيلم لا يلغي إمكانية نهوض الفيلم ببعض الغايات التربوية والتعليمية التي بإمكانها أن تغطي كل الزمن التربوي بما في ذلك مراحل الطفولة والمراهقة والشباب وباقي مراحل حياة الفرد، لأنه إذا كان الزمن التربوي ينقسم في غاياته في رأينا إلى مرحلتين هما:
أ ـ مرحلة بناء الشخصية: وهي المرحلة التعليمية التي تغطي الفترات الأولى من عمر الفرد والتي تتميز أساسا ببناء ملامح للشخصية انطلاقا من التراكم المعرفي والسلوكي الذي يحصل لدى الفرد إلى حدود مرحلة البلوغ والنضج عن طريق المؤسسات التربوية والمؤسسات المجتمعية.
ب ـ مرحلة تثبيت ملامح الشخصية: وهي المرحلة النقدية التي يتم فيها تأصيل ملامح الهوية الخاصة عن طريق تفعيل صدمات الوعي اعتمادا على مجموعة من المرجعيات الواقعية والفكرية والإبداعية والسلوكية والفنية. فإن تأثير العمل الفني - السينما خاصة على كل الزمن التربوي مسألة مؤكدة، لأن المنتوج السينمائي، والعمل الفني بصفة عامة- يمكننا من مجموعة من المعارف والأشياء الجديدة انطلاقا من إجاباته عن بعض المتطلبات والتوقعات خاصة، أن العمل السينمائي يمكننا من:
أ ـ اكتشاف نماذج أخرى بالإضافة إلى النماذج الأبوية
ب ـ تمكيننا من الارتباط بالنوعي خاصة حين تحقق تكامل إبداعية الفيلم، ومسألة الارتباط بالنوعي هذه تعني كل مراحل تكون الشخصية بما في ذلك شخصية المبدع السينمائي نفسه، مما يجعل الكثير من الأعمال السابقة تشكل مرجعا مؤثرا و مفعلا  للعملية الإبداعية لدى الأتباع والمعاصرين، بمعنى أن السينما تختلق، من خلال تجارب بعض المبدعين الكبار، متونا ومرجعيات مؤصلة تربي في الفاعلين السينمائيين الحس الإبداعي وبراعة الإبداع، ونعني هنا أساسا أعمال بعض المخرجين الكبار من مثل: سيرغي إيزنشتاين، وأندري فايدا، وتاركوفسكي، وساتياجيت راي، وأكيرا كيروساوا، وفرانشيسكو روزي، وفرانسوا تريفو، وستيفن سبيلبرغ وفيديريكو فيلليني وغيرهم.
فالأعمال الإبداعية الكبرى تفعل، لا محالة، حرقة ما داخل المتلقي تتعدد، وتختلف باختلاف شخصية المتلقي وتكوينه وجنسه وسنه. ويكفي لتأكيد أثر الإبداع السينمائي على المتلقي، أن نستعرض بعض الإجابات التي قالها مجموعة من الناس الذين استفسرتهم عن الأثر الذي تركه فيلم "تيتانيك" لديهم والتي منها:
ـ أعاد لي فيلم "تيتانيك" الرغبة في العودة إلى السينما.
ـ أكد لي أن أمريكا مصممة على فرض نموذجها.
ـ أحسست بالمتعة حقا.
ـ أحسست بالحاجة إلى الحب.
ـ أكد لي أن هوليود تتشبث بتعميم نموذجها الثقافي والإبداعي.
ـ عرفني الفيلم على تراجيديا حدث غرق السفينة تيتانيك بشكل إبداعي.
ـ أحسست باسترخاء كبير جعلني أحلم بالفعل.
ـ دفعني تيتانيك لحظة مشاهدته إلى إعادة التفكير في أشياء تهمني.
إن تأمل هذه الأجوبة، التي يمكن أن تتعدد إلى ما لا نهاية، يبين أن الغاية التربوية والتعليمية حاضرة بالقوة في الإبداع السينمائي الكبير، وهي حاضرة بالفعل كلما استهدف هذا النوع من الأفلام بشكل مقصود ومفكر فيه أيضا أهداف وغايات مدروسة مسبقا، أكانت سلبية أم إيجابية، تخدم هاته الجهة أو تلك. فالفيلم كمنتوج فني، يساهم في تحقيق مجموعة من الغايات ذات أبعاد تربوية وتعليمية، ومعرفية مقصودة وغير مقصودة.
ج ـ لحم المتخيل الفيلمي لذاكرتنا، لأن المتخيل عامة يتحدد انطلاقا من وظيفة اللحم Brassage التي يقوم بها لصالح ذاكرات الفرد - الجينية والثقافية- الخاصة والجماعية، بمعنى أننا نكون هنا أمام عملية فيزيائية فعلية للمتخيل تهم المتفرج وتولد فيه آثارا مختلفة.
د ـ تحقيق متعة الالتحام بالأصول الضائعة [ عوالم الفرجة/عوالم السحر/ عوالم البراءة] التي يخلقها تميز تلقي المنتوج السينمائي، وهذا الأمر له تأثيره وإفادته وإيجابياته النفسية على الأقل.
هـ ـ الاندماج في التلقي الجماعي للفرجة السينمائية، مما يدفع إلى خلق نوع من الحوار مع الجماعة، ولو من خلال ذلك السحر المتميز الذي يخلقه التلقي الجماعي للمنتوج السينمائي، والذي يسمح بالهروب مؤقتا من العزلة الخاصة والذاتية، بل إن العرض السينمائي والفني عامة "يكشف للمشاهد عن نفسه حتى يستطيع الاتصال بدوره بتأمل الآخرين".
و ـ تأصيل الجوهر الإنساني كغاية تربوية: ونعني بتأصيل الجوهر الإنساني هنا مساهمة السينما في تصحيح الخلل المميز للعلاقات الاجتماعية، لأن "جوهر الإنسان، حسب ماركس، ليس أمرا مجردا يتسم به الفرد بعينه، إنما هو في واقعه مجموع العلاقات الاجتماعية كافة". ويدخل ضمن غاية تأصيل الجوهر الإنساني مسألة تصحيح الرؤية بصدد الموقف من المرأة والعلاقة معها. ويندرج خطاب أغلب الأفلام المغربية ضمن هذه الغاية خاصة بعد أن أثبت الواقع المغربي إفلاس العلاقات الاجتماعية، خاصة مؤسسة العلاقة بالمرأة، ومن هذه الأفلام نذكر "وشمة"، "عرائس من قصب"، "شاطئ الأطفال الضائعين"، "باديس"، "الشركي"، "باب السماء مفتوح"، "كابوس"، "أيام من حياة عادية"، "البحث عن زوج امرأتي"، "مكتوب"، "نساء.. ونساء"…الخ. كما يدخل ضمن غاية تأصيل الجوهر الإنساني مسألة تصحيح الرؤية بصدد التعامل مع الطفل والناشئة وبصدد وضعيات مجتمعية وإنسانية متعددة.
ز ـ تفجير بؤس الرؤية كغاية تربوية: ويندرج ضمن هذا العنصر الوظيفة التي تقوم بها السينما في بعض توجهاتها من أجل خلخلة مركزية القرار ومن أجل تقويض أسس النموذج الرسمي، ومن أجل نقض أسس البرنامج المؤسساتي المركزي وذلك انطلاقا من اقتراح ملامح رؤية مختلفة مؤسسة على ثقافة مضادة تعمل على الالتفات للجماليات والوضعيات الثقافية والاجتماعية ووجهات نظر المنسية والمهمشة، وفي نفس الإطار يمكن إدراج قضية توريث الوعي، التي تنهض بها مجموعة من الأفلام باعتبارها غاية تربوية، تستهدف غايات اجتماعية وسياسية وفكرية وجمالية. إنها غاية جاءت من أجلها اتجاهات وأفلام سينمائية عديدة نذكر منها نماذج من إنتاجنا المغاربي من مثل: "حب في الدار البيضاء" و"ريح السد"، و"شرف القبيلة"، و"الأفيون والعصا"، و"عصفور السطح"، و"حلاق درب الفقراء"…الخ.
 ن ـ استنبات الجوهر الإنساني كغاية تربوية:إن المقصود هنا هو استثمار السينما كلغة شاملة، وتقنية هائلة في تربية الطفل والناشئة وفي المساهمة في توليد "طبيعة إنسانية جديدة"، انطلاقا من استنبات الجوهر الإنساني في جيل الأطفال من أجل أن يضطلعوا "بدور فعال في بناء القيم الإنسانية التي يستلزمها بناء عالم إنساني جديد يتجه صوب مرتجيات الإنسان وحاجاته العميقة". وهو ما سوف نقف عليه في المستوى الأخير:
ثالثا: السينما والوظيفة التربوية الخاصة
إن الحديث عن الوظيفة التربوية الخاصة للسينما، هو حديث عن السينما والطفل بامتياز، وهو حديث مؤجل وغائب بشكل تعميمي تقريبا، في المغرب لدى كل الجهات التي لها ارتباط بالمجال السينمائي من مثل:
أ ـ الإنتاج والإخراج: لم يتم بعد الالتفاف لفئة الطفل في مجال الإخراج والإنتاج السينمائيين، وذلك لوجود مجموعة من المعيقات التي من بينها أساسا اعتبار التركيز على الطفل مشروعا غير مربح، خاصة في غياب تحمل الدولة لمسؤولية إنتاج أفلام خاصة بالأطفال، وأيضا لغياب حالة وعي الاستعجال لدى المخرج المغربي الذي لا يريد أن يتحمل عبء البحث عن ممول لمشاريع سينمائية حول الأطفال، ينضاف إلى العبء الذي يتحمله لإنتاج أفلام خاصة بالكبار.
ب ـ التوزيع: إن عدم تدخل الدولة في هذا القطاع يجعل مجال التوزيع بالمغرب لا يخدم الغايات الثقافية، والمعرفية، والجمالية، والإبداعية، والتربوية في المجتمع المغربي بقدر ما يخدم الغايات المالية للموزع. مما يجعل أصحاب هذا القطاع يشتغلون حسب منطق الربح والخسارة في المجال المالي دون سواه من المجالات التي من المفروض أن تراعيها مسألة التوزيع السينمائي بالمغرب، مما يؤدي إلى عدم التفكير في اقتناء وتوزيع مجموعة من النماذج الفيلمية في مجموعة من المجالات على رأسها المجال التربوي وسينما الأطفال بشكل خاص.
ج ـ الأندية السينمائية: لقد تحملت مؤسسة الأندية السينمائية بكامل الشجاعة مسؤولية التربية السينمائية، من خلال توريث حس الاهتمام بالفرجة والثقافة السينمائيتين بالشكل الجاد والجيد، وقد استطاعت أن تكون أجيالا من الرواد والمنتمين للمجال السينمائي، كما أطرت العديد من الفاعلين في مجال النقد السينمائي وكونت أطرا من النوع الجيد [من مثل الناقد نور الدين الصايل والمخرج سعد الشرايبي..] إلا أنه بالرغم مما أسدته لمجال الثقافة السينمائية وبالرغم من مشروعها التكويني والتثقيفي والتربوي الطموح فهي غالبا ما تلغي جانبا من المشروع التربوي خاصة حين لا تعمل على تخصيص برنامج سينمائي (عروض سينمائية) قار للأطفال، تمكن من خلاله هذه الفئة من مشاهدة الأفلام التي تستهدفهم كجمهور، وتنتقي لهم نماذج تساهم في تقريبهم من اللغة السينمائية بشكل مبكر من أجل حمل الطفل "بشكل تدريجي على الدراسة العميقة والرزينة للأعمال السينمائية الكبرى" ولأجل تمكينه من ثقافة تساعده على ولوج عصرنا الحالي الذي هو عصر الصورة بامتياز.
إضافة إلى هذه الجهات تنضاف جهات أخرى كوزارة التربية الوطنية التي لم تفكر بعد في اقتراح حصة للتربية البصرية ولثقافة الصورة تنضاف إلى حصص التربية الوطنية، والتربية البدنية، والتربية الدينية، والتربية اليدوية، والمنزلية التي تتم برمجتها للطفل المغربي في بعض الأطوار التعليمية. فالخطير هو أن الطفل المغربي يستهلك المنتوج السينمائي بشكل متوحش دون أن تمكنه الجهات الرسمية من ثقافة سينمائية يستطيع من خلالها عقلنة استهلاكه للمنتوج الفيلمي ولمنتوج الصورة عامة، والأخطر من هذا هو أن الدولة لم تفكر بعد في إنشاء معهد لتدريس السينما ولم تقدر ما يمكنه أن يخدم تنمية الاهتمام بالثقافة السينمائية لدى الإنسان المغربي عامة. ولم تفكر بشكل فعال في جعل السينما تخدم الغايات التربوية، ولم تتحرك بعد من أجل أن تأخذ السينما موقعها في الخطاب الثقافي والخطاب التربوي بالمغرب.
إن الحديث عن السينما والطفل إذن، هو حديث عن مستويات عديدة من بينها أساسا:
ـ أثر السينما على الطفل.
ـ مشروع سينما الأطفال.
ـ صورة الطفل داخل الخطاب السينمائي.
ـ مسؤولية المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني في تفعيل جدل السينما والتربية.
إن الحقيقة المؤكدة هي أن الصورة تؤثر بشكل كبير على تربية الطفل، وعلى توجيه سلوكه واهتمامه، إلى جانب مؤسسات أخرى كالأسرة، والمدرسة والشارع والحكاية المصورة، فتأثير السينما يتكثف انطلاقا من مجموع اللغات المكونة للفيلم [ المرئية والمسموعة والمنطوقة] ويمكن للفيلم أن يتجاوز تأثير الشريط المرسوم على الجانب السيكولوجي للطفل والذي يحدد بصدده الأستاذ بلعيد مستويين للتفاعل هما:
أولا - المستوى الشعوري: ويتجلى هذا - حسبه- من خلال تتبع الطفل للعلاقات الانفعالية التي يمكن أن يصدرها في حياته الفعلية، كما أن الخطاب الذي يمثل - مثلا- شخصية تحب شخصية أخرى، يحاول إقناع الطفل بهذا الانفعال من خلال مختلف التبريرات التي يبرر بها هذا الحب.
ثانيا - المستوى اللاشعوري: ويتجلى هذا حسب الدارس نفسه، من خلال تفاعل شخصية الطفل، بصراعاتها اللاشعورية، مع الشريط وممارسته اللاشعورية لمختلف الميكانيزمات التي تهدف إلى خفض التوتر وتجاوز الصراع النفسي والتي من بينها أساسا:
أ ـ التوحد: ويتحدد باعتباره عملية سيكولوجية يتمثل بها الفرد مظهر أو خاصية أو صفة الآخر ويتغير كليا تبعا لنموذج هذا الأخير.
ب ـ التحويل: ويعني العملية التي بواسطتها تتحين s’actualisent الرغبات اللاشعورية حول موضوعات معينة في نمط معين من العلاقة القائمة بينهما.
إن الطفل في مجتمعنا محاصر بالمنتوج السينمائي وبالصورة عامة، وهو مدعو للتفاعل مع المنتوج السينمائي استجابة للميكانيزمات النفسية الخاصة به، مما يجعل من قضية تعليم الطفل ثقافة الصورة وآليات تحليلها مسألة ملحة، ومسؤولية عامة على الجميع أن يتحملها من أجل إلغاء عطب الشخصية لدى الطفل المغربي، ومن أجل استنبات الجوهر الإنساني في فئة الأطفال، الضامنة للنهوض بالمشروع المجتمعي المستقبلي في أبعاده كلها. إلا أن الحديث عن ضرورة خلق سينما للأطفال، وتمكين الطفل من مرتكزات فهم وتحليل خطاب الصورة، لا يعفينا من تفعيل الحديث عن ضرورة بناء الفيلم المغربي لصورة الطفل المغربي انطلاقا من التركيز على نقض الأسس المفعلة لعطب الشخصية، وانطلاقا من نقض المشروع التربوي المهترئ للمؤسسات التربوية التقليدية، وانطلاقا أيضا من فضح مشروع البرمجة الذي تقوم به السينما من أجل ترويض فـئة الأطفال لاستدماج وإعادة إنتاج عناصر النموذج الاستهلاكي الثقافي الرسمي على الصعيدين المحلي والعالمي، وانطلاقا كذلك من وعي قيمة تأسيس النماذج الفيلمية/الأصول التي بإمكانها فرض أثرها ورؤيتها سواء في استهدافها لجمهور الأطفال أو جمهور البالغين أو جمهور السينمائيين أنفسهم.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟