رغم تناول قضايا الإسلام في شتى مظاهرها وأبعادها السوسيولوجية والدينية والسياسية، في الفترة الحالية في الغرب، فإن موضوع الفنّ في تلك الحضارة يبقى مُدرَجا في الهامش، أو مُتناولا بشكل سطحي، تبعا لأحكام مسبَقة متجذرة. بهذه العبارات يستهلّ جوفاني كوراتولا حديثه عن الفن الإسلامي في مقدمة المؤلَّف العميق والأنيق الذي تولى الإشراف عليه، والذي حاول فيه، رفقة جمع من المتخصّصين في الفنّ الإسلامي، الكتابة عن تجليات التجارب الجمالية الإسلامية، التي تشكّلت على ضفاف المتوسط وغطّت سائر المراحل التاريخية. كوراتولا هو إيطالي متخصص في الفن الإسلامي ومستشار لدى متاحف عالمية، وهو أيضا أستاذٌ في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو وفي جامعة أودينه، سبق أن أنجز جملة من الأعمال في الموضوع من بينها "تركيا.. مسيرة فنية من السلاجقة إلى العثمانيين" (2010)؛ "الفنّ الفارسي" (2008)، كما تولى إعداد كتاب "العراق.. مسيرة فنية من السومريين إلى عصر الخلفاء" (2006)؛ وشارك كذلك في المؤلف الجماعي "من بيزنطة إلى أسطنبول" (2015).

ابن باجه (460ه533ه/1066م1139م) فيلسوف أسس فلسفته على المنطق والرياضيات وترك لنا الكثير من المؤلفات في الطب والأدوية والنبات والطبيعة والحيوان والفلك والنفس...، أغلبها فُقد وضاع، تشهد على ذلك قوائم تواليف الرجل بفهارس المخطوطات وكتب التراجم والطبقات.

وقد حظِيَت مؤلفات ابن باجه بالمتابعة والإهتمام الأكاديمي في المغرب من طرف بعض الدارسين، منهم الباحث جمال راشق أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاضي عياض بمراكش، الذي بلور ذلك في إطار مشروع علمي تميز بالحرص على قراءة نصوص المتن الباجي وتحقيق المخطوط منه، وتتبع صورة الفيلسوف قصد إزالة الغموض عن بعض سُوءِ فَهمٍ لقضايا في فلسفته، وجوانب من سيرته.

قبل الحديث عن ابن رشد(520ه595ه/1126م1198م) وموقفه السياسي من السلطة في زمنه، لا بد من تقديم صورة موجزة لمظاهر المجتمع والثقافة بالأندلس، ففي المراحل الأولى للغزو الإسلامي للأندلس، لم تظهر أي بوادر لازدهار فكري أو إصلاح سياسي، فالداخلون الأوائل معظمهم جنود وفرسان من الأمازيغ والعرب، برعوا في فنون الحرب والقتال وتميزوا بحميتهم الدينية، ولم يكن لهم ميل للفكر والثقافة، وهو ما كان أثره خطيرا على الحياة الفكرية بالأندلس، لكن كيف أصبح الحال بعد ذلك سياسيا وثقافيا؟

1-الفكر بين السلطة الفقهية والسلطة السياسية:

كان الحال بعد استقرار غزو الأندلس، مؤسفا جدا، فقد سادت سلطة الفقهاء وسيطرت ثقافة مبنية على العلوم الدينية واللغوية وبعض فنون الشعر، وغلب على هذه المدارس طابع التقليد والانغلاق، فكان من الصعب الخروج عن سلطة الفقهاء، وأصبحت المشروعية في الإتباع والبدعة في المخالفة والإبداع.

لعل جل الباحثين من مختلف التخصصات بحاجة ماسة للمخطوطات نظرا لغناها التراثي والمعرفي، ولأهميتها في الكشف عن النقط الغامضة في التاريخ بشكل عام. لذلك يجب تشجيع الاهتمام بتحقيق وإخراج المخطوطات من الرفوف المنسية بالمكتبات العامة والخاصة.
 وهنا أود الإشارة إلى ما تعرَّضَتْ له المخطوطات العربية من نهب خلال فترة الاستعمار الأوربي، حيث نهبت البعثات الأثرية كل ما وجدته من آثار ومخطوطات...الخ، حتى أننا حاليا نجد الكثير من المخطوطات العربية النفيسة موجودة في مكتبات العالم الغربي، فعلى سبيل المثال، مكتبة باريس، بها أكثر من سبعة ألاف مخطوط عربي، يَعْتَبِرُها الباحثون من أثمن المخطوطات العربية، كما أن هناك مخطوطات لا زالت في ملكية الخواص يصعب الوصول إليها، لذلك يجب تكثيف الجهود من أجل إنقاذها، وضم نسخ منها إلى المكتبة الوطنية.
والتعريف العلمي للمخطوطات هو أن كل كتاب قديم كتبه مؤلفه بخط اليد، سواء بخط يده أو بخط أيدي تلامذته، على اعتبار أن المخطوطات كانت تنسخ باليد لعدم وجود المطبعة التي لم تدخل إلى المغرب إلا عند بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1864 م)، وبذلك   فقراءتها تكون صعبة وتحتاج إلى دراية بمختلف أنواع الخطوط.
وتحقيق المخطوط، يعني إنقاذه من الضياع والتلف، وبالتالي المساهمة في توفير المادة العلمية وإخراجها لتكون في متناول المهتمين والباحثين، من أجل ذلك، قمت بتحقيق هذا المخطوط النادر في ميدان التصوف، والذي لم يسبق نشره من قبل.

يَقَعُ كِتَاب رَشيد إيلَال الَمْعَنْوَن بـ "صَحِيح الْبُخَارِي نِهَايَةُ أُسْطُورَة" فِي 283 صَفْحَةٍ مِنَ الْحَجْمِ الْكَبِير، مُوَزَّعٍ عَلَى خَمْسَةِ فُصُولٍ وتَصْدِير، وَهِي كالتَّالي:
• أَفَّةُ تَدْوينِ الْحَدِيث؛
• أَفَّةُ عِلَمْ الْحَدِيث؛
• أُسْطُورَة الْبُخَارِي؛
• سُقُوطُ الْأُسْطُورَة؛
• مَنْ أَلَّفَ صَحِيح الْبُخَارِي.
لقد أثَارَ الْكِتَاب ضَجَّةً لَا لُزُومَ لَهَا، لأَنَّ الَمَوْضُوع قَدْ تَنَاوَلَهُ، قَبَلْ هَذَا، مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْبَاحِثين[1]، وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ قَدْ أَوْفَوْهُ حَقَّهُ، وِإِنْ كُنْتُ أَتَعَجَّبُ كَيْفَ أَغْفَلَ الْبَاحِث ذِكْرَ هَذِهِ الدِّراسَاتِ وَسِوَاهَا فِي مَتْنِ بَحْثِهِ، وَلَمْ يُشِرْ إِلَيْهَا، وَلَوْ مِنْ بَابِ التَّعْريفِ بِالشَّيْء؛ وَهَذا مَا لَمْ أَسْتَسِغْهُ مِنَ الَمْؤَلِّف.
قَبَلْ مُنَاقَشَةِ الْكِتَاب لَابُدَّ مِنَ الْإِشَارَة إِلَى أَنَّ إِشْكَالِيَّةَ الْحَدِيث النَّبَوِيِّ مِنْ أَعْقَدِ الْأُمُورِ فِي الدِّين الْإِسْلامي والْبَحْثِ فِيهَا يَتَطلَّب جُرْأة مَدْعومَة بِالعِلْمِ والْحُجَّة والْبَيِّنَة نَظَرًا لِحَسَاسِيَّتِهَا[2]. ومَع ذَلِك، فَلَا بَأْس مِنْ أنْ نَتَعَامَل مَع تُراثِنَا بِمَقَايِيسَ عِلْمِيَّة تُحَكِّمُ الْعَقْلَ، إِذْ لَا سُلْطَةَ سِوَاه، وبَلْغَةِ أَبِي الْعَلَاء الَمْعَرِّي: " لَا إِمَامَ سِوَى عَقْلْي"، وَإِنْ ظَلَّتْ هَذِه الَمْقُولَةُ نَشَازًا دَاخِلَ الثَّقافَة الإسْلامِيَّة الَّتِي لَا تُقِرُّ بِالْعَقْل الْفَرْدِ عَلَى حِسَابِ الْعَقْلِ الْفِقْهِيِّ الْجَمَاعي، الَّذي مِنْ سِمَاتِه الانغِلاَق، مَا دَاَم يُحْتَجُّ بِالْفَتْوَى وَيُعَطَّلُ الْعَقْلَ، مِصْدَاقاً لِقَوْلِ بْنِ سَبْعين: "أَعُودُ بِاللهِ مِنْ عَقْلٍ يُقْنِع"؛ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ نَرْكُنَ إِلى الرِّوَايَةِ وَالنَّقْلِ وَالسَّنَدِ الْمُعَوِّلِ عَلَى مَا يُسَمَّى بِالتَّعْدِيل وَالتَّجْرِيحِ وعِلْمِ الرِّجَال، لأَنَّ هَذِهِ الْمَنْهَجِيَّةَ غَيْرُ دَقِيقَةٍ، وأَثْبَتَتْ عَدَم نَجَاعَتِها، مِنْ ذَلِكَ:
1-     إِنَّ صَحِيح الْبُخَارِي يَضُمُّ أَحاديثَ تُنَاقِضُ النَّص الْقُرْآنِي ذَاتَهُ، إِضَافَةً إِلى كَوْن بَعْض الأَحادِيث تُناقِضُ الأُخْرى، وَأَحادِيث لَا يَقْبَلْهَا الْعَقْل؛
2-      أَحادِيثَ صَحِيحةً لَا نَجِدُها عِنْدَ الْبُخَارِي فِي حِينْ نَجِدُهَا فِي صَحِيح مُسْلِم وَبِالْمِثْل نَجِدُ أَحادِيثَ أَغْفَلَهَا مُسْلم وَأَتْبَثَهَا الْبُخَارِي، عِلْمًا أَنَّ الَمْؤَلِّفَيْنِ اعْتَمَدَا نَفْسَ الْمَنْهَجِيَّةَ، خاصَّةً وأَنَّ الْمُصَنَّفِين يُعَدَّانِ وَلَا يَزَالَا مِنَ الْكُتُبِ الصِّحَاحِ؛

في الآونة الأخيرة نهاية القرن العشرين لوحظ اهتمام كبير بالتراث الثقافي، باعتباره ركيزة أساسية من ركائز التعامل مع فكر العولمة، خاصة في المجتمعات النامية ومنها المجتمعات العربية، كما أن لهذه المجتمعات رصيدًا، ومخزونًا تراثيًا كبيرا؛ منه المادي واللامادي، لذا يعتبر التراث من أسباب الحفاظ على الهوية الثقافية، ومعرفة الماضي ومقارنته بالحاضر والنظر إلى المستقبل، ومنذ نهاية الحروب العالمية الأولى والثانية،  التي بسببهما قد دمرت العديد من المآثر التاريخية، التي كانت شاهدًا على فترات سابقة من الحضارات الإنسانية, لهذا  قام المسؤولون الأوروبيون بإدراك أهمية الحفاظ على هذا التراث من الفناء والزوال، مما دفعهم إلى التخطيط لإعادة بناء، وترميم ما دمر من مباني تاريخية، وفق طابعها المعماري الخاص، كما يعتبر التراث أحد أهم عناصر الجذب بالنسبة للسياحة العالمية والمحلية. في عصر تعتبر فيه صناعة السياحة من أهم الصناعات العالمية التي أصبحت تهتم بها الدول، لما تحققه من انتعاش اقتصادي مباشر وغير مباشر.
يطلق التراث على مجموع نتاج الحضارات السابقة التي يتم توريثها من السلف إلى الخلف وهي نتاج تجارب الإنسان ورغباته وأحاسيسه سواء أكانت في ميادين العلم أو الفكر أو اللغة أو الأدب، بل يشمل جميع النواحي المادية، والوجدانية للمجتمع من كل القيم، والابتكارات، والوسائل التي يستخدمها في حياته، وكيفية تعامله مع الظواهر.

تطلب تهذيب بني إسرائيل، الذي لم يحصل، إرسال العديد من الأنبياء وقصص بني إسرائيل في القران الكريم والمساحة التعبيرية الكبيرة التي يفردها لهم ،هي بالنسبة للمسلم دين يلتزم ويقين يعتمد، لا بد من استمرار حضوره واليقين بخلوده الذي يعني تجاوزه إلى كل عصر.
ونحن الآن لا ندعي، بهذه المساحة البسيطة ،أننا سوف نحيط بالرؤية القرآنية الشاملة لبني إسرائيل، وإنما سنحاول توضيح بعض اللمسات المتعلقة بالماء في تاريخهم وأهميته في وجودهم إذ يحظى الماء في الديانة اليهودية بتقديس كبير، من منطلق أنه أصل الوجود وأساس الطهارة، وهذا يتضح بجلاء في قصة الخلق التوراتية التي تقول:
"في البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه (...)، وقال الله ليكن جَلَدٌ في وسط المياه وليكن فاصلا بين المياه والمياه" [1].
  1.      ميلاد موسى عليه السلام
اذا افترضنا أن النواة الأولى لنشأة دولة بني إسرائيل انطلقت مع نبي الله موسى عليه السلام ،وهذا ما يسير عليه اغلب الدارسين[2] لدولة بني إسرائيل، بعد خروجه من مصر ومع هذا الخروج يبدأ التاريخ الحقيقي لإسرائيل[3]، ولا يزال هذا الخروج في نظر اليهود زمنا فريدا في تاريخهم وحدثا ذا مستوى متميزٍ يختلف عن مستوى سائر الأحداث الأخرى. والحديث عن نبي الله موسى عليه السلام وظروف ولادته، لا بد من الحديث عن الماء، حتى أن كلمة موسى تتم ترجمتها بالمنشول من الماء، إذ يذكر الإنجيل أن اسم موسى مشتق من الكلمة العبرية "ماشاه"، أي "يُسحَب" بدلالة "سحبه من مياه النيل"،[4]، وعن هذا الحدث وملابساته يتحدث نص صريح في التوراة  بما نصه:

منذ بدء ما يسميه المؤرخون في العالم العربي بـ: "عصر النهضة الحديثة" والتراث يحتل مركز الجدل والنقاش الثقافي في ساحة الفكر العربي، ودون التطرق إلى طبيعة الأسباب التي كانت تقف وراء هذا الاهتمام المتزايد بمسألة التراث، فإن السؤال الذي يطرحه كل واحد منا على نفسه، هو: لماذا لم يتمكن المثقفون والمفكرون وجميع القوى الفاعلة في الوطن العربي من تحقيق إجماع حول مفهوم التراث خاصة وأن الأمر يتعلق بمصدر الهوية القومية ومنبع الانتماء الديني والحضاري؟
ذلك أن هذا النقاش قد اتخذ في غالبية الأحيان مسارات مختلفة إذا لم نقل متناقضة تعدت حدود معنى التراث إلى التشكيك في جدواه وفعاليته في إخراج المجتمع من الأزمة، بالإضافة إلى التساؤل الذي يستهدف جوهر الهوية التي يمثلها التراث وعلاقتها بالحداثة والعصر.
إن نظرة سريعة على ما كتبه المفكرون والمثقفون والسياسيون خلال هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ العربي حول هذه الإشكالية تكشف عن عمق الأزمة الطاحنة التي تتخبط فيها المجتمعات العربية: أفرادا وجماعات، حكاما ومحكومين، مثقفين وأميين، فأبسط نقط الاتفاق معدومة وتمسك جميع الأطراف بالمواقف الحزبية والطروحات الإيديولوجية والمعتقدات الإثنية والنظريات والمناهج الفلسفية الغربية، بلغ حد الاستلاب القاتل، فكيف السبيل إلى الخروج من هذه الدرامة؟