أنفاساقتنعت بعد تجربة كأستاذ في إحدى الجامعات الأمريكية أن مؤلفات عهد الاستعمار حول المغرب، التي نهملها ونحتقرها، لا تزال تؤثر في أذهان الأجانب. إن الباحث الأمريكي يتسرع في جمع المعلومات حول ماضي المنطقة دون أن يكون مؤِهلا لنقدها والتمييز بين أنواعها. يتهافت على الفرضيات التي يتحفظ حتى أصحابها عند تقديمها فيأخذها كحقائق نهائية. يجهل العربية والبربرية ويهدف إلى فهم الحالة القائمة فلا يهمه من التاريخ إلا ما هو لازم أكاديميا وما يسهل إدراك المشكلات الاجتماعية والسياسية. فيستهويه ما كتبه الفرنسيون ويعطيه قيمة أعلى من قيمته الحقيقية. والباحث الأمريكي ليس إلا مثلا على كل الدارسين الأجانب.
«فكرت، والحالة هذه، أنه من المفيد أن أقدم نظرة مغربية على تاريخ المغرب، حتى ولو لم آت بأي كشف جديد، مقتصرا على تقديم تأويلات جديدة للأحداث والوقائع»
(عبد الله العروي: مجمل تاريخ المغرب، ص 28 ــ 29).
سيكون من باب «الذهان القرائي» دراسة خطاب المؤرخ والروائي المغربي عبد الله العروي في ضوء «نظرية الخطاب ما بعد الكولونيالي» التي تستند إلى «وعي نظري» لا يسمح المجال بأن نعرض لها في هذا التقديم(١)، هذا بالإضافة إلى ما يتيحه هذا الوعي من إمكانات متعددة على مستوى دراسة العديد من «النصوص» المكرسة والمتداولة في «ثقافات» ما ينعت بـ«العالم الثالث». وهذا إذا كان خطاب عبد الله العروي يتيح إمكانية حصره في خانة «العالم الثالث» وغيرها من الخانات أو التسميات التي عادة ما يلجأ إليها الباحثون في نطاق السعي إلى «السيطرة المفترضة» على مواضيعهم. وحتى نلج الموضوع، موضوعنا، تجدر الملاحظة إلى أنه ثمة فرق جلي بين إدوار سعيد (1935 ــ 2003) الذي مهد، وبقوة، للنظرية سالفة الذكر، وعبد الله العروي المشدود إلى قارة معرفية أخرى لا تزال تتأبى على الدراسة والتحليل بسبب من «المفهومية» المكثفة التي يستند إليها صاحبها في كتابة التاريخ ورصد المفاهيم والنقد الإيديولوجي. وكما أن الفرق بينهما كامن في المرجعية وفي المفهوم أو المفاهيم التي تسند المرجعية ذاتها. وكل ذلك في المنظور الذي يصل ما بين هذين الطرفين معا وفي المدار نفسه الذي لا يفارق الهدف المتوخى من «الثقافة» على نحو ما يفهمها كل واحد منهما على حدة. ومن هذه الناحية يمكن الإشارة إلى «نظرية الخطاب ما بعد الكولونيالي» باعتبارها مرجعية ناظمة لـ«مشروع» إدوارد سعيد، وخصوصا من ناحية مفهومها المركزي «الخطاب» (Discours) الكاشف عن «تمفصلات» الثقافة (النوع الروائي بشكل خاص) والقهر الإمبريالي، وكل ذلك في إطار من السعي إلى «فك الاستعمار» (Décolonisation) عن «العالم الثالث».

أنفاسربطت فرنسا صلاتها بالشرق منذ عهد بعيد ، إذ يعود أول اتصال بينها وبين المشرق العربي إلى أيام الخليفة هارون الرشيد العباسي والملك شارلمان. كما شاركت في الحروب الصليبية التي شنتها الكنيسة الكاثوليكية على المسلمين في المشرق إضافة إلى حملة نابليون وما نتج عنها من اتصالات بين الشرق والغرب، ثم احتلالها للجزائر، واستعمارها لدول عربية أخرى. كل هذا جعل من فرنسا دولة وثيقة الصلة بالعالم العربي وبالحضارة الإسلامية، وكان من الضروري كذلك أن يتجه الباحثون والدارسون الفرنسيون إلى الاهتمام بثقافة هذه البلدان ودراسة شعوبها دراسة اجتماعية تمكنهم من السيطرة أكثر على منابع المعرفة العربية الإسلامية.
غير أن الخطوط الكبرى لمنهج الاستشراق الفرنسي قد تبلورت مع (أنطوان سلفستر دوسالي) (1758-1838م) الذي يقول عنه المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون: "إنه كان عالما ضليعا ومدققا في فقه اللغة، ففرض على العالم الأوربي الصرامة والدقة الفكرية، وبقي أسلوبه في العمل حتى يومنا هذا الأسلوب نفسه الذي يتبعه عدد غير قليل من المستشرقين الكبار.1 وتأتي فرنسا وألمانيا وهولندا وانجلترا والفاتيكان على رأس الدول الأوروبية التي أنشأت كراسي الاستشراق في مدارسها وجامعاتها منذ القرن الثاني عشر الميلادي. "وتطور الاهتمام بتعليم العربية بعد ذلك في عصر النهضة الأوروبية، إذ قامت اللغات القومية واستقلت بنفسها للتعبير عن المعارف والعلوم والآداب المختلفة، ومن هذه اللغات الفرنسية المتفرعة أصلا عن اللاتينية، فصرنا نرى بعض العلماء الفرنسيين يسعون إلى تعلم العربية، أو نرى الدولة تتوجه إلى تحريض بعض رعاياها على تعلمها وتعليمها، ليكونوا واسطة اتصال وأداة تفاهم مع العرب في مختلف الميادين، وليعملوا مترجمين في مكتبة الملك ومراسلاته وسفاراته وقنصلياته في المنطقة العربية، وليشرفوا كذلك على مصالح فرنسا التجارية في الشرق العربي، وكان من أسباب الاندفاع إلى تعلم العربية أيضا سقوط القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، وتهديد العثمانيين المسلمين لأوربا المسيحية في أواخر القرن الخامس عشر والنصف الأول من القرن السادس عشر للميلاد.. إن تعليم العربية كان يهدف إلى الاطِّلاع على الحضارة العربية، ونقل علومها، ومعرفة الإسلام وأسرار قوته عن كثب"2
وكان من أهم المدارس والمعاهد التي أسهمت في تعليم العربية بقسط كبير أو صغير وتعزيز الدراسات العربية داخل فرنسا وخارجها على حد سواء، وهي بحسب تسلسل ظهورها على مسرح التاريخ كالتالي :

أنفاسمن هم مسلمو إيطاليا؟ بعض المعطيات الأوّلية أساسيّة في ذلك، إذ يتعلّق الأمر بما يقارب 800 ألف نفر، وبإمكان الحديث أيضا عن مليون، كما هو معروض من طرف وسائل الإعلام، والمذكور كذلك من طرف وزير الداخلية السّابق بيزانو. ليس لكون العدد مضبوطا، لكن لأنّ هناك تلاعبا سياسيا بشأنه، فكلّما تمّ تسويق المعلومة في الأوساط السّياسية الصّحفية، من الصّعب التخلّص من ذلك 1. أيّا كان الأمر، فحتى وإن لم يتم بلوغ المليون اليوم فسيصير في القريب. فإضافة إلى المعطى الموجود، تؤخذ بعين الاعتبار سرعة التحوّلات، وتبدّلات المواقع، وردود أفعال النّسيج الاجتماعي والسّياسي.
يتعلّق الأمر بما يقارب 2% من المقيمين ببلدنا، في مقابل 4% على المستوى الأوروبي، و 7%، في الحالة الفرنسية. معطى له دلالة، على صلة فحسب بوافدين من بلدان إسلامية، مع نسبة معتبرة من المهاجرين غير الشرعيين، يضاف إليهم الحائزون على الجنسية والمهتدون إلى الإسلام. أما من حيث عدد ذوي الأصول الإسلامية الموجودين في إيطاليا، وممن يحافظون على الشعائر، كون تلك النوعية لها صلة هامة بتحديد الانتماء الدّيني للإسلام أو للأديان أخرى أيضا، فإن ذلك موضوع آخر، أوغل عمقا وأكثر تركيبا، وفي إيطاليا على الأقل، ليست هناك أبحاث جدّية بشأنه.
يحوز المغرب الأقصى لوحده ما يقارب ثلث الحضور الإسلامي؛ تليه ألبانيا بأغلبية ذات أصول إسلامية، وافدة من بلد حكمته إلى وقت قريب طغمة ملحدة؛ ثم تونس، ثم السّينغال، ثم مصر، ثم بنغلاديش، ثم الباكستان، ثم الجزائر، ثم البوسنة، ثم إيران، ثم نيجيريا، ثم تركيا، ثم الصومال، ثم... إيطاليا بنواة ضيّقة، لكن نشيطة في أوساط المهتدين إلى الإسلام، الذين يلعبون دورا هاما على المستوى المرئي والتنظيمي 2.
الشيء الذي جعل عرض صورة الإسلام مفتّتة، مجزّأة، ومشتّتة أيضا على الحيز الترابي. كذلك وبسبب التغاير مع وقائع أخرى، لا يتحدّد الشأن بجاليات المدن الكبرى فحسب، وإن كانت موظّفة إعلاميا، بشكل خاص تقريبا. فإن الحضور الإسلامي، منظّم أيضا، بفضاءات خاصة للعبادة، عادة صغيرة وظرفيّة، في المدن المتوسّطة والصّغرى، وكذلك في الأوساط القرويّة، ما يمكن أن نطلق عليه تجوّزا الإسلام "اللّهجوي": الأكثر التصاقا بالمحلّي منه بالقومي، والذي عادة ما يكشف عن سياقات اندماج وتقبّل، تفوق تلك المرئية في أوساط المدن الكبرى.
لا يزال الإسلام في إيطاليا متكوّنا بالأساس من الجيل الأوّل، وبنسبة نسائية منخفضة، لكنّه يشهد نسق ارتفاع متسارع، كما لا يزال حضور الجيل الثاني محدودا، وإن كان يعرف تناميا حثيثا، وتقدّما على المستوى التنظيمي أيضا.

أنفاسيبدو أن العلاقة بين مفهومي التسامح والتعصب ليست علاقة تضاد حدي فحسب، وذلك بما يجعل من حضور أحدهما نفياً لحضور الآخر ، وإنما هي علاقة تولّد في بُعدٍ من أبعادها الذي يتجاور فيه التضاد والتولد؛ لكن من منظور التعاقب السببي الذي يغدو به غياب التسامح، وهيمنة التعصب إلى درجة الكارثة باعثاً جذريَّاً على البحث عن نقيضه الذي يغدو ترياقاً له، ووسيلةً حاسمةً في المقاومة والمواجهة وعلاج الآثار التدميرية على السواء. وقد تعلمنا من المتحمسين للجدلية التاريخية أن كل ظاهرة تنطوي على نقيضها، وأن اللحظات التاريخية المعتمة، أو حتى حالكة الظلمة، لا تخلو من بصيص ضئيل من الضوء الذي ينفذ عبر الثغرات، ويؤكد حضوره كالأمر الذي يطرحه مبدأ الرغبة في وسط السطوة القاهرة القمعية لمبدأ الواقع. ومعروفٌ تاريخيّاً أمر الحروب الدينية التي ترتبت على حركات الإصلاح الديني في أوروبا، وما اقترنت به هذه الحركات من تعددية مذهبية ، أفضى التعصب إلى كوارث دفعت على التفكير في مواجهة لها، والبحث عن خلاص من آثارها المدمرة التي حفرت حضورها الدامي في الوعي الأوروبي في القرن الخامس عشر. وكان مفهوم " التسامح " نتيجةً لهذا الحضور الدامي ومواجهةً له، مواجهة بدأت بسيطة ، مهمشة، مقموعة ، لكنها لم تلبث بفعل التراكم والإلحاح أن تحولت إلى حركة فكرية، بدأت من المعتقد الديني، وبسبب الصراعات المقترنة بتأويلاته وفهم نصوصه، ولكنها لم تقتصر عليه، أو تنحصر في مداره المغلق. -ففارقته إلى غيره من مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والإبداعية . وكانت النتيجة انتقال المفهوم من مرحلة النشأة الدينية التي انبسطت عبر القرنين السادس عشر والسابع عشر إلى التطور والشيوع الأوسع في المرحلة المدنية لمفهوم التسامح الذي انطلق من القرن الثامن عشر، متلازماً مع الدعوات الليبرالية والأحلام الديمقراطية المقترنة بصعود الطبقة الوسطى من ناحية، وازدهار حركة الأنوار فيما يعرف بعصر العقل من ناحية ثانية، وسعي الفلاسفة والمفكرين الدائب إلى تأسيس الدولة المدنية، المستقلة تماماً عن الدولة الدينية والسلطة الدينية على السواء، والقائمة على مبدأ الفصل بين السلطات واحترام التعددية التي يلزم عنها حق الاختلاف . وفي الوقت نفسه، مبدأ تداول السلطة وتدوير النخب. وهو المبدأ الذي لم ينطلق تنفيذه إلا مع ترسخ الممارسات الديمقراطية ، والاستقلال الكامل عن السلطة الدينية ، خصوصاً في توجهها المذهبي الذي لا يخلو التعصب له من قمع المغايرة.

أنفاسالقدس مدينة عربية النشأة، سكنها العرب اليبوسيون قبل خمسة آلاف سنة، حيث يعتبر هؤلاْء أول من أسس المدينة المقدسة حيث سموها (يبوس) في حوالي عام (3000) ق. م أي قبل نحو خمسة آلاف عام.
فهي إذن - وكما سنثبت لاحقاً - عربية المنشأ والتطور وقد قدم إليها العرب الساميون في هجرتين كبيرتين : الأولى في بداية الألف الثالث قبل الميلاد، والثانية في بداية الألف الثاني قبل الميلاد ، والمؤكد أنه عندما قدم اليهود إليها في القرن الثاني عشر قبل الميلاد كان الشعب الموجود أصلا شعبا عربيا أخذ منه الإسرائيليون لغته ومظاهر كثيرة من ديانته وحضارته. ويرى (الفريد جيوم)Alfend Guillaume:
« إن الوعد الغامض المقطوع لأسباط إبراهيم بأرض الميعاد الممتدة من نهر مصر(النيل) إلى النهر الكبير (الفرات) ] سفر التكوين] [18:15 هو وعد قطعه الله لنسل إبراهيم في جميع أرجاء المعمورة، قبل مولد إسماعيل وإسحاق. وعلي ذلك فهو وعد مقطوع للعرب واليهود، من أبناء إبراهيم جميعا، ولم يقطع بأن أرض الكنعانيين هي لليهود وحدهم، أولئك الذين لم تعمر لهم الدولة “.
ويقول العلامة بريستد ” إن بني إسرائيل ( قوم موسى ) عندما جاؤوا إلى بلاد كنعان ، كانت المدن الكنعانية ذات حضارة قديمة فيها كثير من أسباب الراحة وحكومة وصناعة وتجارة وديانة .
ولم يقم لليهود كيان سياسي في المنطقة أكثر من سبعين عاما على عهد النبيان داود وسليمان عليهما السلام . هذا بينما ظلت المنطقة دائما أرضاً عربية، عريقة في عروبتها .
وقد حافظت فلسطين أو القدس على كيانها العربي سنين عددا .. ولقد ظلت أزماناً تحافظ على وحدتها وتضعف أزماناً أخرى ولكن حياة العرب فيها من الكنعانين لم تختف بما وقع لها من غزوات العبرانيين أو الفرس أو اليونان أو الرومان. وكل ما في الأمر أنها بلاد قد تداولتها أيدي الغزاة، دون أن تفقد أهلها وأصحابها.
اعتراف التوراة:
وأرض فلسطين باعتراف التوراة ذاتها كانت أرض غربة بالنسبة إلى آل إبراهيم وآل إسحق وآل يعقوب إذ كانوا مغتربين في أرض فلسطين بين الكنعانيين سكانها الأصليين .
وتؤكد لنا التوراة غربة اليهود عن القدس، في سفر القضاة 11:19 و 13 تجد قصة رجل غريب وفد مع جماعة له إلى مشارف (يبوس) “.. وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جدا، قال الغلام لسيده :

أنفاسشهدت الأوساط الأكاديمية في إيطاليا خلال الأسابيع الماضية حدثين لافتين: تعلّق الأوّل برفض زيارة البابا، التي كانت مقرّرة في الخامس عشر من جانفي الفائت، إلى المعقل العلمي الأوّل في إيطاليا، وأكبر حرم جامعي في أوروبا، "جامعة لاسابيينسا" بروما؛ وتمثّل الحدث الثاني في نشر قائمة على صفحة ويب، سميت بـ"القائمة السوداء"، ضمّت أسماء 162 أستاذا وباحثا يهوديا يشتغلون في الجامعات الإيطالية، اتهمهم السّاهرون على صفحة الويب، التي سارعت وزارة الداخلية بحجبها، بمناصرة إسرائيل والسعي لتشكيل لوبي أكاديمي يهودي خدمة للصهيونية في إيطاليا. كما دعت الصّفحة إلى مقاطعة التعاون بين الجامعات الإيطالية والجامعات الإسرائيلية، واعتبرت استعمال الشعب الايطالي أداة من طرف أقلية عرقية متأدلجة، ومتماسكة ثقافيا مع كيان سياسي خارجي ألا وهي إسرائيل، من الانزلاقات الخطيرة.
في المسألة الأولى المتعلقة بطرد البابا، لم يأت رفض الزيارة من قبل الطلاب فحسب، الذين رفعوا شعار "لا نريد راتسينغر في معقل المعرفة لسبب أنه رجعي" وأعلنوا "أسبوع مناهضة الإكليروس"، الذي فسِّر بنفوذ تيار يساري داخل الجامعة الإيطالية، بل جاء الرفض أساسا من صنع أساتذة الفيزياء في الجامعة، الذين يعدّون أنفسهم أتباع غاليلي غاليلاي وجُردانو برونو، الذي لازال تمثاله بكامبو ديفيوري في المدينة العتيقة بروما، شاهدا على حرقه من طرف الكنيسة.
فأن تتقدّم الفيزياء حملة رفض زيارة البابا، يعني أن الكنيسة لم تسوّ بعد علاقتها مع العلماء، ولم تنقّ ذاكرتها مما ترسّب فيها من آثام ضد العقل والعلم. فقد تحجّج الأساتذة الرّافضون للزيارة بكلمة صرّح بها البابا جوزيف راتسينغر في مدينة بارما في الخامس عشر من مارس 1990، حين كان كردينالا، جاء فيها: "محاكمة الكنيسة لغاليلي معقولة وصائبة". لم يأت رفض زيارة البابا من فراغ، بل كان نتيجة تطوّرات في السنوات الأخيرة، سعت خلالها الكنيسة للهيمنة على المجتمع بعد أن تراجع نفوذ التيارات الاشتراكية والعلمانية ولم يبق غير اليسار الرخو واليمين المتحالف.

أنفاستدل كلمة إفريقية على الناحية الشمالية الغربية من إفريقيا  خاصة مناطق طرابلس إلى القيروان و نواحي تونس إلى الجزائر أي المنطقة التي كانت تمثل الولاية التي كانت تشمل ناحية ما بعد مصر في عصر الفتوحات والدولتين الأموية  و  العباسية  إلى أن اِستقلت تلك الناحية في عهد الدولة الأغلبية عند آخر القرن الثاني الهجري .
لقد ورد في كتاب ـ الحُلل السندسية في الأخبار التونسية ـ للوزير السراج  بالجزء الأول منه خبر أن ببلاد المغرب مقبرة فيها عشرة من الصحابة بعثهم أهل المغرب رسلا لرسول الله - صلى الله عليه و سلم  - فدخلوا مسجده الشريف فلما وقفوا سألوا عنه - صلى الله عليه و سلم - بلسانهم ( آذا ما زان إيربي) و هي كلمات بربرية : فآذا معناها أين، و آمازان معناها رسول، و ايربي معناها ربي، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :- آشكاب - و معناه - و الله أعلم - أي شيء تريدون - انتهى الخبر  (1)
فهذا الخبر إن كان صحيحا يدل أن العلاقة كانت موجودة بين العرب و البربر قبل الفتح و تمثلت هنا في تبادل العبارات بين الوفد المغربي و الرسول عليه الصلاة و السلام و لا شك أن الاتصال بين الشمال الإفريقي و بين الجزيرة العربية في بعض النواحي كان قائما بينهما من خلال الفراعنة و الفينيقيين و قد بدأ الفتح العربي الإسلامي لإفريقية في عهد عمر بن الخطاب الذي ورد عليه الشاعر أبو ذؤيب الهذلي و هو خويلد بن خالد من بني هذيل و أبو ذؤيب يعتبر من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية و أدركوا الإسلام و عندما سئل حسان بن ثابت، من أشعر الناس في عصره قال أبو ذؤيب الهذلي و هو صاحب القصيدة الشهيرة التي مطلعها :

 أمن المنون و ريبها تتوجع          و الدهر ليس بمعتب من يجزع
و هي من عيون الشعر العربي القديم في الرثاء ناهيك أن المنصور العباسي لما مات ابنه جعفر طلب من ينشده القصيدة فلم يظفر بأحد من بني هاشم ليحفظها له فقال : و الله إن لمصيبتي بأهل بيتي أن لايكون فيهم أحد يحفظ هذا لقلة رغبتهم في الأدب أعظم وأشد علي من مصيبتي بابني( 2( .
و تقول الأخبار أن أبا ذؤيب الهذلي قدم مع ابنه و ابن أخيه على عمر بن الخطاب فقال له : أي العمل أفضل يا أمير المؤمنين؟.

أنفاسمنذ إرساء الوفاق المعروف بـ"الكونكورداتو"، بين الكنيسة والسّلطة الفاشية سنة 1929، لتنظيم علاقة حاضرة الفاتيكان بالدولة الإيطالية، ترسّخت تقاليد ضمن قاعدة "كنيسة حرّة في دولة حرّة". انجرّ عن ذلك فصل قانوني بين الشأن الدّيني والشّأن المدني، لكن في الواقع عناصر التّداخل كثيرة ومتنوّعة. فمثلا نجد 25679 مدرّسا دينيا تتولى الدّولة دفع رواتبهم، مع أن انتدابهم من مهام الأساقفة لا وزارة التعليم الإيطالية.
من ذلك التداخل نودّ التطرق إلى مسألة مال الكردينال. فللأسف أن الكنيسة في التاريخ الغربي إلتصقت بشكل دائم بأرباب الثروات والإقطاعيين، رغم ادّعائها أنها حاملة بشارة السيّد المسيح وراعية الفقراء.
على إثر عدة فضائح مالية هزّت الكنيسة خلال سبعينيات القرن الماضي، أشهرها تورط بنك الكنيسة، "بنك أمبروزيانو"، في عمليات فساد، اضطرّت القائمين عليه لغلقه. في أعقاب تلك الفترة ترأّس الكردينال كاميلو رويني "المؤتمر الأسقفي الإيطالي"، وأعلن الرجل حينها عجز الكنيسة عن دفع أجور موظّفيها. بعد عشرين سنة من ولايته بُدِّلت الكنيسة غير الكنيسة، عادت لها عافيتها وصار الجميع يخطبون ودّها، ساسة ورؤساء أحزاب، وبلغ تأثيرها في إيطاليا من حزب "التحالف الوطني" اليميني المتطرّف إلى حزب "إعادة التأسيس الشيوعي". وبات الجميع يتبجّحون بميولاتهم الدينية ويحرصون على التردّد على قدّاس الأحد. في أبريل من العام الماضي، انسحب رئيس حزب إعادة التأسيس الشيوعي ورئيس مجلس الشيوخ، فاوستو برتينوتي، في خلوة روحية مع نسّاك بشبه جزيرة مونتي آثوس باليونان، الخاصة بالذّكور والمحرّمة على الإناث، بشرا وطيرا وحيوانا.
فترة ربيع الكنيسة في إيطاليا من حيث النفوذ السياسي والاجتماعي، انطلقت مع الكردينال رويني، رغم تراجع عدد الرهبان من ستين ألف إلى 39 ألف. صارت الكنيسة لا يعنيها أن تكون ملح الأرض، بل أن تتحكّم بسلطان الأرض. وهو ما حدا باللاّهوتي المنشق جوزيف راتسينغر ليقرّ أنّ "الكنيسة بصدد التحوّل إلى عقبة رئيسة للإيمان. فليس فيها غير طموح بشري للسلطة. والمسرح الصغير من الناس، بادعائه تسيير المسيحية الرسمية، يبدو حقا العقبة أمام روح المسيحية".