مسرحية "مغامرة رأس المملوك جابر" التقنيات الملحمية و أشكال التأصيل ـ عبد الرزاق السومري

الراحل سعد الله ونوس

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

مراحل العرض :
1-في المنابع و المرجعيات
2- الخصائص البنائية لمسرحية ‘‘ مغامرة رأس المملوك جابر’’
- من الترابط إلى التشظّي (تقنية التركيب)
- من مكوّن الفصل أو المنظر إلى مكوّن اللوحـــــة أو الوقفة الدرامية :Stationdrama
- من مبدأ العليّة و القانون السببي إلى مبدأ الصدفة و المفاجأة .                    
3- التقنيات الملحمية :
أ- في مستوى علاقة المتفرّج/الممثل بالخشبة
- من الاندماج إلى التغريب
- من التطهير إلى النقد و التفكير
- من القاعدة إلى الاستثناء
- من التقمّص و التجسيم إلى التسريد و التبعيد .
- كسر الجدار الرابع : الممثل المتفرّج :    Le spectacteur                      
ب – في مستوى علاقة الممثل بالدور :
- تقنية نزع القناع
- كسر النمطيّة
ج – في مستوى الديكور و الملابس :

- كسر الشفافية و الوضوح
4- بعض القول في الدلالات :
- من الوعي المثالي الطوباوي إلى الوعي السلبي .
- من الميتافيزيقا إلى التاريخ
- هموم الواقع من التفسير إلى التغيير
تعليميا :
من السلبية إلى الانخراط النضالي

1-في المنابع و المرجعيات
لا أحد يشكّ في تعدّد الروافد الثقافية التي نهل منها ونّوس ووقف منها موقف الناقد المتبصّر لا موقف المتلقّي و المستهلك السلبي و نذكر منها :
- الرافد الغربي و خاصة الألماني الفرنسي :
* إيروين بيسكاتور (Piscator.Erwin:1893/1966)
ممثل المسرح السياسي أو مسرح البروليتاريا : استخدم الوسائل السينمائية و طريقة سرد الحقائق التاريخية المسجّلة . استعمل اللافتات و تسجيلات صوتية لخطابات لينين .المسرح عنده هو إعداد الجماهير للثورة .
* رينهارت (Reinhardt .max:1873/1943)
اتّسم مسرحه بشيء من الجمالية و التقليل من الخطابية التي غلبت على مسرح بيسكاتور .كسر الفجوة بين الخشبة أو الركح و الصالة .
* بيرنديللو (Pirandillo .L.1867/1936) إيطالي . في عمـله ‘‘ ستّ شخصيات تبحث عن مؤلّف ’’ و ‘‘ هذا المساء سنرتجل’’ ، كسر العلاقة بين الخيال و الواقع و العقل و الجنون  ، كما استطاع أن يقوّض مواضعات كثيرة في المسرح ...
أدخل فكرة المسرح داخل المسرح و المتفرّج الممثــُل : Figurant
wannousse -anfasse* بيرتولد بريشت : (Bertold Brecht 1898/1956) وهو الأكثر تأثيرا في مسرح ونّوس و توجيها لقناعاته و تقنياته المسرحية .(وصل التأثير أحيانا إلى التشابه في العناوين : الملك هو الملك /الرجل هو الرجل / مغامرة رأس المملوك جابر / الرؤوس المدوّرة و الرؤوس المذببة...)
بلور بريشت أفكاره في مقدمات مسرحياته كمسرحية ‘‘ بائع الحديــــد ’’ (1937) و في عمل تنظيريّ حول المسرح الملحمي هو ‘‘الأورغانون الصّغير’’ Le petit Organon (1948) . و يمكن اختزال أفكاره فيما يلي :
- المسرح الملحمي/التعليمي/الديالكتيكي : معارضة لمفاهيم المسرح الأرسطي المعتمدة على الإيهام و التخدير و خاصّة عنصر التطهير Catharsis المولّد لحالة مصالحة و تماهٍ بين الفرد و البطل و بين الفرد و نفسه و بين الفرد و المجتمـــــــع و الواقع.
عمل بريشت إذن على كسر هذه المصالحة الوهمية و الآنية في سبيل خلق دور  أكثر إيجابية للمتفرّج المتلقّي .(المتفرّج الواعي المنخرط المتمرّد الثائر ...) .
- مخاطبة عقل المشاهد من خلال توسيط المعرفة و إضعاف المتعة الحسية و قطع كلّ محاولة لمخاطبة اللاوعي أو العواطف عبر أساليب الاستهواء و الإغراء بالاندماج في المشهد . فالمتعة المنشودة في المسرح الملحمي هي المتعة الذهنيّة وهي متعة غير آنية أي يمتدّ مفعولها إلى خارج العرض ، وهي متعة طرح السؤال و المحاكمة العقلية المستمرّة ، وهي متعة الاندهاش و اليقظة الذهنية التي تحيل الخشبة إلى مرآة يرى من خلالها المتفرّج ذاته الحقيقة بدلا عن ذاته المطموسة بالإيهام و الاندماج .
- كسر مفهوم المطابقة و بناء مفهوم جديد : هو التناقض . فمسرح بريشت لا يعبّر عن أطروحة جاهزة  و لا يقدّم حلولا أو بدائل بل يستثمر تناقضات الفعل المسرحي و خيبات المتفرّج كي يستطيع هذا الأخير تعلّم الدرس بنفسه و اكتشاف المقصد البعيد القريب .


Le déroulement épique de l’action entraine nom pas une identification du spectateur avec les personnages mais au contraire une « distanciation » à partir de laquelle celui-ci aiguise sa lucidité
« Le spectateur du théâtre dramatique dit : Oui, cela, je l'ai éprouvé, moi aussi. — C'est ainsi que je suis. — C'est une chose bien naturelle. — Il en sera toujours ainsi. — La douleur de cet être me bouleverse parce qu'il n'y a pas d'issue pour lui. — C'est là du grand art : tout se comprend tout seul. — Je pleure avec celui qui pleure, je ris avec celui qui rit. »
Brecht, ةcrits, p. 26o-261.
« Le spectateur du théâtre épique dit : Je n'aurais jamais imaginé une chose pareille. — On n'a pas le droit d'agir ainsi. — Voilà qui est insolite, c'est à n'en pas croire ses yeux. — Il faut que cela cesse. — La douleur de cet être m'a bouleversé parce qu'il y aurait tout de même une issue pour lui. — C'est là du grand art : rien ne se comprend tout seul. — Je ris de celui qui pleure, je pleure sur celui qui rit. »
Brecht, ةcrits, p. 26o-261.

 

الشكل الملحمي

الشكل الدرامي

- التركيز على السرد و نقل الدور أو إظهاره

- المتفرّج مشاهد و ملاحظ متيقّظ الذهــــــن و قادر على الحكم و اتّخاذ قرارات و مواقف .

- المسرح يمثل رؤية إلى العالم و الأشياء

- المتفرّج بعيد عن المشهد يقف في الخارج فهو يــــــدرس و يناقش .

- الحجاج

- الدفع بالعواطف حتّى تصبح معارف و مواقف

- الإنسان معطى متغيّر هو موضوع البحث فهو كان محوّل و متحوّل

- انشداد إلى السيرورة و التمشّي أكثر من النهاية

- مشاهد أو لوحات مستقلة (على المتفرّج أن يكتشف الروابط و الأسباب) .

- تقنية التركيب

- مسار متعرّج لولبي متكسّر أحيانا

- طفرات و قفزات و تقطّعات

- الإنسان كقضية و كإشكالية

- الكينونة الاجتماعية هي التي تحدّد الوعي

- العقل

- الوعي السلبي  الحقيقي

- التركيز على الفعل و تقمّص الدور

- المتفرّج منخرط في المشهد

- التركيز على العواطف و الانفعالات في    مقابل اليقظة الذهنية

- المتفرّج غارق في المشهد .

- الإيحاء

- العواطف منقولة كما هي

- المتفرّج في الداخل فهو يتعاطف و يتماهى مع الموقف

- مسلمات و بديهيات

- الإنسان معطى ثابت و مألوف

- انشداد كبير إلى النهاية و انفراج العقدة

- تعاقب المشاهد و ترابطها

- نموّ عضوي للأحداث

- تمشّي خطّي تراكمي

- تطوّر مستمرّ للحكاية

- الفكر محدّد للكينونة

- المشاعر و عالم الوجدان

- الوعي المثالي الزائف


روافد أخرى :
- جون جونييه ، سيرو ، أنتونين آرتوا ....
- الرافد العربي :
استطاع ونّوس أن يؤصّل المسرح الملحمي من خلال استلهام أشكال تراثية و شعبية لا تتعارض مع تقنيات المسرح الملحمي و لا تعيق المشروع الجديد لمسرحه .و من بين الروافد العربية المؤثرة في ثقافة المؤلف نذكر :
- المسرح الاحتفالي للمغربي عبد الكريم برشيد في منتصف السبعينات : يرى برشيد أنّ أصل المسرح هو الاحتفال الجماعي بين الناس في المناسبات كالأعـــياد و الولادات و الأعـــــــراس و الحصــاد و الأسواق و المواسم ... و لذلك ينبغي أن يكون المسرح عملا جماعيا تلقائيا و يُقام حيث  يوجد  الجمهور .
- مسرح الحلقة :
نوع من المسرح التراثي المغربي ما يزال حتى اليوم . وهو لقاء عام يتألف من المتفرّجين الذين يشكلون حلقة حول الممثل أو الراوي الذي يُمثّل وسط الحـــــلقة . و في هذا المسرح يختلط السرد بالتشخيص و التمثيل بالتقليد و الجدّ بالهزل ...
- مسرح السامر الشعبي :
نوع من المسامرة المسرحية فيه اجتماع مشترك يلتقي فيه الرقص بالغناء و التــمثيل . و قد دعا إليه يوسف إدريس و ركّز فيه على ضرورة كسر الجدار الرابع و بناء علاقة توحد بين الجمهور و الخشبة و يصبح الجميع في حالة تمــــــــسرح أو مسامرة  قائمة على الحديث المرتجـــــــــــل و المشاركة الجماعية .
روافد أخرى : كخيال الظلّ و مسرح الحكواتي ...
2- الخصائص البنائية لمسرحية ‘‘ مغامرة رأس المملوك جابر’’
أ- في مستوى مكوّنات المسرحية :
نحن أمام ثلاثة نصوص متداخلة متواشجة :
- نصّ الحكاية التاريخية المستوحاة من الكتب التراثية و التي زمنها العصر العباسي و صراع السلطة بين الخليفة العباسي المستعصم ووزيره مؤيد الدين العلقمي : فترة سقوط بغداد على أيدي التتار و المغول سنة 656 هـ .
- نصّ السائد اليومي بين ما يقدّمه مونس الحكواتي من ‘‘  حكايات كئيبة يسودّ لها قلب السامع’’ و ما يطلبه زبائن المقهى من سير و بطــولات ‘‘ و الحقّ الذي يغلب الباطل و العدل الذي يغلب الظلم ’’
- نصّ ونّوس النهضوي و المدافع عن التنوير و التغيير الملحمي وهو نصّ يبرز من حين إلى آخر عندما يتدخّل بالتعليق أو اقتراح أشكال من اللبـاس و الديكور أو توزيع الأدوار و إمكانية تغييرها ...
بين النصّ الأوّل و الثاني تجاذبات و تقاطعات و أحيانا نوع من المنافـــــــــــــــسة و الصـــدام : فكأنّ النصّ الواقعيّ يتدخّل أحيانا ليُقطّع أوصال النصّ الواقع بين التخيـــــــــــيل و التاريخ ليعبث به و يسخر منه .
فكلّما امتدّت الحكاية التخييلية/التاريخية و أوشكت أن توقع المتلقّي في نوع من الانبهار و الاندماج و السقوط في شرك الإيهام ، ينهض النصّ الثاني (الواقعي/اليومي) كاستراحة تغريبية لينــــــتشل المتلقّي من أثير السحر و التّخدير . فكأنّ هذا النصّ همزة مفاجئة للمتفرّج كي يبقى في حالة تيقّظ ذهني و يتفطّن إلى أنّ ما يشاهده هو لعبة أو محض تمثيل .
و إذا حاولنا تمثّل النظام البنائي للمسرحية ألفينا ألوانا من التعـــرّجات و الوثبات (كسر منطق التسلسل السببي كما في الدراما الأرسطية) و التقطّعات  .فأهمية الحكاية ليس في نهايتــــــــــــها أو  نتائجها و إنّما في مساراتها و كيفية حدوثها . فكسر الاسترسال و عرض الأحداث بشـــــــــكل متقطّع أقرب إلى تقنية اللوحة مدعاة إلى حمل المشاهد على الخروج من سلبيته و استنطاق الذهن في سبيل استجلاء الأسباب التاريخية الكامنة وراء تحرّك الأحداث .
لوحة أولى :
- الزبائن ينتظرون مونس الحكواتي أملا في سماع سيرة ظاهر الدين بيبرس البطل المملوكي الذي هزم الصليبيين في معركة عين جالوت .
- قدوم الحكواتي و خيبة الزبائن لأنّه لم يستكمل بعد حكايات الاضطراب و الفوضى .
لوحة ثانية :
- حوار بين ثلاثة رجال و امرأتين يمثلون أهالي بغداد يعلنون من خلاله الطاعـــة و الولاء للخليفة و يؤثرون السلامة و الأمان بدلا من ركوب المخاطر و التدخل في السياسة .
لوحة ثالثة :
- زبائن المقهى يؤيدون الموقف :‘‘ من زمان هذا هو الطريق’’أي طاعة أولي الأمر و البحث عن لقمة العيش .
لوحة رابعة :
- حوار جابر و منصور :
*بين مهتمّ متوجّس من خطر ما يحدق بقصر الخليفة و لا مبال غير مهتمّ باحث عن اللـــــــــــذة والمال"يستطيع الوضع أن يتعقّد و يضطرب كمياه دجلة و لكن بعيدا عنّي ..."
* بين من يكتفي بدور المتفرّج المتسلّي و من يبحث عن الأســباب و يتخوّف من الفتنة .
لوحة خامسة :
زبون من زبائن المقهى يزجر أبا محمّد أن يبتعد من أمامه . (ترد هذه اللوحة في سطر واحــــد و كأنّها ومضة تغريبية قاطعة لفعل التخييل) .
استئناف اللوحة الرابعة :
- جابر يلعب لعبة الرهان حول من سيفوز في الصراع : الخليفة أم الوزير : الوجه الأول للقرش يمثل الخليفة و الوجه الثاني الوزير .
لوحة سادسة :
- إعجاب الزبائن بشخصية جابر ‘‘ ابن زمانه ’’ و تعاطفهم مع لامبالاته : ‘‘ لا شيء يشغل باله ، لا خليفة و لاوزير ’’
- النادل يقدم الملقط و موقد النار (قرينة نصية معلنة عن وضع الزبائن وهم يدخنون النرجيلة إثر استماعهم للحكواتي : النرجيلة كعنصر يزيد في الإيهـــــــــام و التخدير  ) .
لوحة سابعة :
- عودة إلى أهالي بغداد (خمسة ممثلين) في شارع من شوارع بغداد يستعجلون الفرّان لإحضار الخبز .
- حوار حول الخبز و التجار سرعان ما يتدرّج إلى حراس الخليفة و الشأن السيــاسي .
- بروز الرجل الرابع يسأل عن سبب الخلاف و توتر الأوضاع
- خوف و توجس من سؤال الرجل الرابع ‘‘ ابعد عن الشرّ و غنّ له . ’’
- خوض في بعض الأسباب "طريق الخبز و الأمان وا أسفاه يمرّ من هذا السؤال" من قبيل : تخفيض الضرائب ، تحسين أحوال الرعية ، الخزينة تزرب ، نزاع على قيادة العسكر أو تعيين الولاة .
- ظهور حارسين و تغيير الموضوع : الرجل الرابع يحكي قصة الحمال ...
- استئناف الحوار بعد اختفاء الحارسين .
لوحة ثامنة :
- الزبائن يتأكدون من ملامح الرجل الرابع : هو الذي تقمص دور منصور في اللوحة الرابعة .
- الزبائن يخاطبون الممثل و يطلبون إليه أن يُنزل هذا السلم عن ظهره .
- الممثل يخاطب الزبائن (المتلقّين) قائلا : "آه لو أستطيع "
- تعليق الزبائن :"هذه سوسة إذا سكنت الرأي صعب انتزاعها"
استئناف اللوحة السابعة :
- استئناف الحوار حول : مخاطر التدخل في الشأن العام ، تمسك الرجل الرابع بموقفه : "لا أحبّ عيشة الكلاب التي أعيشها ، كما لا أحبّ أن أدفع رأسي ثمنا لاضطراب  لا رأي لي فيه ".
"أراكم تنسون أيّها الناس الطيبون أنّهما يتعاركان فوق رِؤوسنا "
- انقطاع الحوار على صوت الفرّان و قد نضج الخبز.
- ينهضون جميعا إلاّ الرابع : "يلقي نظرة عاتبة و حزينة و يقول : ليس هذا طريق الأمان ".
اللوحة التاسعة :
- الحكواتي يلخّص بعض الأحداث ثمّ يهيئ لظهور جابر وقد سمع خبرا سال له لعابه .
- الزبائن يتشوقون لظهوره و يطالبون الحكواتي بالاستزادة : هات يا عم مونس ما هذا الخبر ؟
اللوحة العاشرة :
- رواق في قصر الوزير و حوار بين ياسر و جابر و منصور حول محاصرة المدينة و حيرة الأمير في إخراج رسالة يطلب بها المدد و فكّ الحصار .
- جابر يلتقط الخبر و يدخل على الأمير رفقة عبد اللطيف أحد أمراء بغداد .
- يدخل بعد لأْيٍ و يعرض الخطة و التفاصيل فيندهش الوزير من ذكائه و فطنته حتّى يبتلع النشوق و يغدو وجهه" كالقناع المدعوك"
ثمّ يقطع الحكواتي الحكاية .
اللوحة الحادية عشرة :
- انبهار الزبائن بشخصية جابر : "مثله يستطيع أن يلعب بدولة "
استئناف اللوحة العاشرة :
- تفصيل الخطة و استيعاب الوزير لمراحلها .
اللوحة الثانية عشرة :
- تعليق الزبائن :" فكرة تساوي كنزا"
استئناف (2) اللوحة العاشرة :
- جابر يعلن طلبه : "المرأة التي يشتهي و كوم من المال "
- تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة : حلق الشعر و كتابة الرسالة  ثمّ إضافة الحاشية الناقصــــــة و الإقامة في غرفة منعزلة مظلمة .
اللوحة الثالثة عشرة :
- الحكواتي يستأذن المستمعين في استراحة لشرب الشاي .
- الزبائن يمتعضون من قطع الحكاية ثمّ ينشأ بينهم حوار تحليليّ لما استمعوا إليه من قبيل : مصير المملوك جابر ، التراهن حول نهاية الحكاية ...
- يفتح الراديو في الأثناء و ينبعث صوت أمّ كلثوم ‘‘ الحبّ كده’’
- تهدأ الضجة و يتابع الحكواتي الحكاية.
اللوحة الرابعة عشرة :
- ممثلان قاما بدوري الوزير و الأمير يمثلان دوري الخليفة المنتصر بالله و أخيه عبد الله .
اللوحة الخامسة عشرة :
- حوار الزوجين حول الفقر و لقمة العيش (لا تجد الزوجة ما ترضعه لطفلها )
- تحاول الزوجة الخروج لكن الرجل يمنعها .
اللوحة السادسة عشرة :
- حوار جابر و زمرد
اللوحة السابعة عشرة :
- جابر يتهيأ للرحيل قاصدا بلاد العجم   لحمل الرسالة إلى الملك منكتم بن داوود
اللوحة الثامنة عشرة :
- حوار المملوكين ياسر و منصور
اللوحة التاسعة عشرة :
- أحد زبائن المقهى يصرخ في الحكواتي و يستنشده أن يعود به إلى حكاية جابر : "ردّنا إلى جابر يا عم مونس"
* تتعرض اللوحة السابعة عشرة إلى كثير من التقطيــــــــــــعات و الاستراحات التغريبية القصيرة  تنتهي أخير إلى حمل الزبائن على تغيير مواقفهم من أهل بغداد : "دائما مثل الأطرش بالزفة " .
اللوحة العشرون :
- عودة إلى جابر في قصر الملك منكتم بن داوود .
- قراءة الرسالة و قطع رأس حامل الرسالة .
اللوحة  الواحدة والعشرون :
- احتجاج الزبائن على النهاية المخيبة لانتظاراتهم : "نهاية غير عادلة "
اللوحة الثانية والعشرون :
- السياف يتقدم نحو الجمهور حاملا الرأس المقطوع مقهقها:"...و لم يسأل السؤال ."
- السياف يرمي بالرأس المقطوع إلى الحكواتي ليقرأ الرسالة .
- الحكواتي يسرد أحداث دخول جيوش العجم إلى بغداد .
- الحكواتي و الرجل الرابع و زمرد ينهضون من بين الأمــوات و يتوجهون إلى الجمـــــــــــهور و الزبائن مخاطبين :
"من دليل بغداد العميق نحدثكم . من ليل الويل والموت والجثث نحدثكم . تقولون .. فخار يكسر بعضه .. ومن يتزوج أمنا نناديه عمنا .. لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا ذلك . لكل واحد رأي وتقولون .. هذا رأينا لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا هذا رأينا . لكن إذا التفتم يوما ، ووجدتم أنفسكم غرباء في بيوتكم .
الرجل الرابع : إذا عضكم الجوع ووجدتم أنفسكم بلا بيوت . . "
اللوحة الأخيرة
- الحكواتي يتأهب للخروج و الزبائن يتذمرون من سواد الحكاية بحيرة و كآبـــــة و يناشدونه أن يبدأ سيرة الظاهر في اليوم المــوالي و إلاّ سوف يقاطعون المقهى .
- الحكواتي لا يدري هل سيحكي ذلك أم لا ، لا يعرف السبب ربما يتعلق الأمر بالزبائن .
- ينسحب الزبائن واحدا بعد الآخر و الخادم يغلق المقهى وهو يودع الجمهور :   "أنتم أيضا .. تصبحون على خير و إلى الغد ."


تحليل :
- هذا التقطيع يجعل من المسرحية أشبه باللوحات المركبة يقوم فيها البناء على خطّ متكسّر متعرّج تخترقه فجوات و استراحات.كما يمكن أن نكتشف داخل كلّ لوحة بنية تصاعدية مصغّرة.
- يتعمد الحكواتي تغييب العقدة أو الذروة من الحكاية المسرودة و كذلك إخفاء الصراع و دفع المتفرجين إلى استجلاء بعض مكامنه المستكنة في التناقض بين الأفعال و الكلام و التصرفات.
- ترد الخاتمة مفتوحة في شكل أسئلة جوهرية كبيرة تمتدّ في ذهن المشاهد و مخــــــــــيلته : 
و السؤال " أليس لنا قدر من المسؤولية  فيما يحدث في التاريخ ؟"
أشكال التداخل في الفضاء الزماني و المكاني :

فضاء سينوغرافي معاصر مرتبط بالعرض الونّوسي(المقهى)
الفضاء      
فضاء تراثي تاريخي يصوّر الصراع بين الخليفة والأمير
(القصر ، أروقة القصر ، مدينة بغداد ، شوارعها ...)
زمن العرض : وهو زمن الفرجة التي قدمها سعد الله ونوس   
الزمن
الزمن التراثي الممتدّ من نهاية الدولة العباسية حتى سقوط   بغداد .
هذا التداخل الفضائي و الزماني يجعل النصّ فعلا مسرحيا حداثيا من خلال التقنيات التالية :
- كسر الوحدات الثلاث التي تشكّل انزياحا واضحا عن القالب الأرسطي و المسرح الكلاسيكي .

- بناء الأحداث على نوع من الوثبات و الطفرات و أشكال من التقطيع و التركيب .
- تداخل العقدتين : التاريخية و التخييلية (أزمة الزبائن مع الحكواتي / أزمة أهالي بغداد مع مثقفيهم كمنصور و الرجل الرابع ...) .
- تهشيم السرد و التمسرح الدرامي بواسطة وقفات تغريبية لإبقاء  ذهن المتفرّج في حالة تيـقّظ .
- خلق شخصية المتفرّج/الممثّل : Spectacteur ممثّلا في زبائن المقهى و النادل : "كوسيلة اصطناعية لتشجيع المتفرّج على الكلام و الارتجال و الحوار... و كسر الطوق اليابس للعرض المسرحي ." ونوس / مقدمة المسرحية .
- إدماج المسرح داخل المسرح .
3- التقنيات الملحمية :
أ- في مستوى علاقة المتفرج /الممثل بالركح :
تمثّل المسرحية عملا تغريبيا بامتياز ، يتداخل فيه التاريخ بالأسطورة و الفــــلكلور و الوهمي بالواقع اليومي المتصلّب .
رادف بريشت بين التغريب و التلحيم : فالفعل المسرحي أقرب إلى فعل المدرّس في قاعة التدريس وهو يشرح  شيئا ما على السبورة و يعلّق . و بنفس الآلية يعمل الممثل الملحمي ضمن استراتيجية التغريب :
Distanciation; étrangement; désillusion
aliénation; dépaysement
من آليات التغريب :
- إعلان قواعد اللعبة و أنّ ما يحدث هو حكاية تروى أو لعبة يقوم بها لا عبون محترفون .
- خلق الحكواتي أو المغنّي (بريشت) لكنّه مختلف عن الراوي القديم : فهو لا يستجيب لرغبة المستمعين وهو لا يتعاطف أو يبدي موقفا ما من الحكاية المســـرودة :
"العم مونس رجل تجاوز الخمسين . حركاته بطيئة . وجهه يشبه صفحة من الكتاب القديم الذي يتأبطه . التعابير في ملامحه ممحوة حتى ليحس المرء أنه بإزاء وجه من شمع أغبر . عيناه جامدتا النظرة ، ورغم اختباط لونيهما ، فإنهما توحيان بالحياد البارد . على العموم ... أهم تعبير يمكن أن نلحظه في وجه مونس الحكواتي هو الحياد البارد ، الذي سيحافظ عليه تقريبا خلال السهرة كلها"
- خلق مسافة و أشكال من الانزياحات تتيح الحوار و الاخـــــتلاف و تنتشل الجمهور من السقوط في شرك التعاطف و الاندماج .
- كسر الجدار الرابع و خلق متفرجين من الدرجة الثانية .
- تقويض عملتيْ التشويق و تنامي الأحداث بواسطة القطع و التفتيت  Découpage
- استعمال الفعل الماضي و الماضي البعـــــــــيد (كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان خليفة في بغداد يدعى شعبان المنتصر بالله وله وزير يقال له محمد العبدلي ) لتضخيم المسافة بين زمن الـتلفظ و زمن الحكاية وقايةَ للمتفرّج من الاندماج و تلبّس شخصية البطل .
- فضح قواعد اللعبة من خلال : تقديم الشخصيات و تحديـــد علاقاتها و تكرار أدوارها في أكثر من مشهد :
"يدخل الممثلون الخمسة الذين رأيناهم من قبل يمثلون أهل بغداد وهم يحملون معهم شباك فرن وبعض القطع الأخرى التي مكن أن توحي بمنظر شارع عام . يضع الممثلون قطع الديكور ويركبونها أمام المتفرجين "
- استخدام اللافتات و المعلقات و اللوحات لشرح المشهد و اختزاله أو تفسير أبعاده الفكرية :
"يمكن هنا كما في كل المشاهد ، الاستعاضة عن ذلك بالبانوهات المرسومة . بعد إعداد المنظر يبدأ التمثيل . إنهم ينتظرون بنفاد صبر وقلق أمام شباك القرن ..."
- التركيز على الخطّ الرئيسي و تغييب التفاصيل .
- الحديث بضمير الغائب لا المتكلم .
- قراءة الدور جنبا إلى جنب مع التعليق و الملاحظة المصاحبة له .
"أثناء كلام الحكواتي يدخل الممثلان اللذان قاما بدوري الوزير والأمير عبد اللطيف .. هما الآن يمثلان دوري الخليفة المنتصر بالله وأخيه عبد الله . يضعان ما يحملان من قطع ديكور بسيطة تمثل ديوان الخليفة ، وهو شبيه جدا بديوان الوزير يتخذان مكانيهما ، وينتظران سكوت الحكواتي .. بعد لحظات "
- يتمّ التغريب أحيانا بتقنيات أخرى كـ : التظاهر بعدم الفهم ، وهي تقنية تعليمية تهدف في الحقيقة إلى تعميق الفهم و إثارة حيرة المشاهد/المتعلّم : فتكديس الغموض أو تكويمه ييسّر فيما بعد إزالته بنوع من الدهشة و الانبهار و الاعتبار :
(الحكواتي يتظاهر بعدم فهم سبب تأخير سيرة الظاهر، ماذا يقصد ب : "قدامنا حكايات كثـــيرة ، و لكلّ شيء أوان ، و سيرة الظاهر دورها بعد قصــص هذا الزمان ...")
يحدث التغريب أحيانا بخرق العرف و القاعدة و التمسّك بالاستثناء مثال :
*الحكواتي في العرف القديم أنه يستجيب لرغبات المستمعين .
* أبطال الحكايات في الموروث القديم غالبا ما ينتصرون أو يثأرون لمن يغدر بهم و يتحداهم .
- تعمد المؤلف المسرحي كشف قوانين اللعبة و تقطيع أوصال الحكاية من الداخـــل و السخرية مما يقدّم و اللعب به لعبا :
"زبون : بعد من قدامنا يا أبو محمد .
( يغير الخادم مكانه ... بينما جابر يوالي كلامه ولعبته دون أن يتوقف )."
- تغريب المألوف و تصويره على نحو جديد و كأنّه يُرى لأوّل مرّة  .فبريشت يدعو إلى عدم التسليم بالحقيقة كما تبدو لنا إذ لا بدّ من رؤيتها من جديد بعد تفكيكها و إعادة تركيبها . وهدف هذا الشكل من التغريب هو إذكاء التفكير التحليلي بعد تقويض الشكل الظاهري الذي يبدو معروفا و مألوفا . هو دفع المتفرج إلى نظرة فاحصة ناقدة متبصرة بما يجري . هو استنطــــــــــــــــــاق للبديهـــــــــــيات و المسلمات .
يقول بريشت في الأوغانون الصغير : ‘‘ لقد كان التغريب ضروريا لكي يحدث الفهم ، فكلّما كانت الأشياء  بديـــــــــهية  إلاّ و توقف الفهم و تعطّل التفكير . ’’
و يرى هيغل أنّ ‘‘ افتراض كون أيّ شيء في الوجود هو كما يصادفنا إنّما يُعدّ ضــــــــربا من خداع النّفس . ’’
فالأشياء في الحقيقة ليست كما نراها .
فالتغريب الأخير قائم على مساءلة المألوف و هتك المواضعات ووضع كلّ شيء على مشرحة النقد و السؤال :
* في مسرحية "منمنمات تاريخية "ينقلب على التنزيه المشين لابن خلدون الذي تعاون مع تيمورلنـــــــــــك و كانت دمشق تعجّ بالفوضى و الاضطراب .
* في مسرحية "الاغتصاب" يبحث عن هامش من الإنسانية و الإنصاف في الآخر الإسرائيلي و لكن السؤال يبقى مفتوحا .
* في" حفلة سمر من أجل 5 حزيران" يسائل أسباب الهزيمة : فيخرج الممثـــــــلون و الجمهور في آخر المسرحية بحثا عن المسؤولين الحقيقين عن الهزيمة .
* و في "مغامرة رأس المملوك جابر" يسأل التاريخ عن أسباب سقوط بغداد : هل الخلفــــــــــــاء و الأمراء وحدهم المسؤولون ؟ أليس للعامة نصيب في ذلك ؟ أليس لأصحاب العقل نصيب أيضا ؟
- الاتّجاه المضادّ للدرامية و الاندماج :antidramatique/antiémotionelle
يقول بريشت : ‘‘ إنّنا في حاجة إلى ممثلين من النوع الرديء حتّى يستيقظ هؤلاء المتفرّجون . ’’ الأورغانون الصغير
فالمسرح الكلاسيكي في نظر بريشت شبيه بالطقس الديني أو العشاء الرباني القائم على الإذعان و الطاعة و التقديس و الحلول في الآخر.أمّا ما ينشده المسرح الملحمي فهو المتفرّج المتمرّد المشاكس و المجادل و المفجّر للسؤال و الرافض لتكريس القائم .
هذا النوع من المتفرجين هو حلم سعد الله ونوس : هو المتفرج المشارك في العرض المسـرحي و هو الذي يعرقل العرض بجــرأة و وقاحة و يصرخ بملء صوته أنّ ما يجري أمامه لعـــــــة أو مســـخرة و أحيانا مهزلة .

Que le spectateur ne doit jamais s’identifier complètement au héros , en sorte qu’il reste toujours  libre de juger les causes , puis les remèdes de sa souffrances , que l’action ne doit pas être imitée , mais racontée , que le théâtre doit  cesser d’être magique pour devenir critique

ROLAND BARTHES : Essais critiques. La révolution Brechtienne . Ed. du seuil .1964 .paris

أ- في مستوى علاقة الممثل بالدور :
- إذا كان الممثل في المسرح الكلاسيكي يؤدّي الدور فهو في المسرح الملحمي يبرز الـــــــــدور و يظهره : الأول يحاكي و الثاني يوحي و يلعب في نفس الوقت ، فكأنّه يظهر نيابة عن الشخصية التي يؤدّيها و لكنه أحيانا يتبرّأ منها و يعلن أنّ ما يقوم به هو محض خداع و تمثيل .
و من أشكال هذا التبعيد و التغريب بين الممثل و الشخصية نجد :
- عملية التلاعب بالأسماء و تشويه القناع من قبيل تسمية الخليفة :
شعبان المنتصر بالله  وهو في الأصل المستعصم عبد الله المستنصر .
فشعبان  اسم لا يليق بالخليفة وهو من الأسماء المستحدثة في البيئة الشعبية العربية و عادة ما يقترن بالفئات المهمشة في المجتمع .
هكذا يعبث المؤلف بالتاريخ و المرجع وكأنه ينزله منزلة استنقاص و هزل فيعمد إلى كسر سطوة المطابقة  و القناع من خلال التلاعب بالأسماء . و كذلك فعل مع الوزير محمد العبدلي الذي هو مؤيد الدين العلقمي البغدادي الرافضي و نفس الشيء فعله مع الراوية الديناري و لعله : نصر الدنيوري (ت 1020) الذي ألف للخليفة القادر أقدم كتب تفسير الأحلام أو لعله يكون شمس الدين الذهبــي (ت 1348) محدث دمشق المشهور و صاحب :تاريخ الإسلام الكبير .
فالأسماء لا ترمز إلى أيّ طباع أو مثيلات لها مرجعية بقدر ما هي أدوار لها قيمة وظائفية لا غير . فالمسرحية لعب أدوار و ليست تقمص أدوار . و لذلك يتعمد المؤلف أحيانا أن يسمي الشخصيات إمّا بأسماء الجنس : الزبائن  أو بالأرقام : الرجل الأول فالثاني فالثالث .
فهي كائنات جوفاء أو أقنعة خاوية بلا ذوات .
- من الآليات الأخرى المتعلقة بالشخصية عمد ونّوس إلى تقويض أسطورة البطل الإيجابي المنتفخ بإنّيته الحامل لخصال مثالية و خلق لنا نوعا جديدا من الشخصية أو البطولة المزيفة من قبيل :
البطل المخدوع كما في "الفيل يا ملك الزمان "و البطل المهادن (ابن خلدون) كما في" منمنمات تاريخية" و البطل الانتهازي الوصولي كما في مغامرة جابر .
- تحطيم الشخصية النمطية و الأدوار النموذجية : فالطباخون في المسرح الكلاسيكي دائما بدينون شرهون و الفلاحون أغبيــــــــــاء و العشاق وسيمون  رقيقوا الأحاسيس  . وهي صورة نمطية خلفها لنا المسرح الإليزابيثي بمواضعاته الجمالية و الأخلاقية الثابتة .
كان همّ المؤلف إذن التخلص من قداسة القيم و الأشياء و تنزيل الأشياء على مشرحة المساءلة و الاستجواب المستمرّيْن .
ألا نقرأ بالتالي في مسرحية المملوك جابر مساءلة للتاريخ المألوف (سقوط بغداد) للبحث عن أسباب أخرى  و أسئلة نخاف طرحها ؟
يقول بريشت في قصيدة ‘‘ الجندي العائد من الحرب ’’
"‘‘ أسئلة عامل يقرأ ..’’
من بني طيبة ذات الأبواب السبعة
في الكتب لا أجد سوى أسماء الملوك
هل حمل الملوك أحجار البناء على ظهورهم ؟
و بابل التي دمّرت مرات و مرات
من كان يعيد بناءها ؟
و في أية بيوت طينية كان يسكن البناؤون ؟
و أين ذهب العمال عشية الانتهاء من بناء سور الصين ؟
و ليلة ابتلع المحيط
قارة أطلنطا الأسطورية
ألم يصرخ الغرقى
مستنجدين بعبيدهم ؟"
في مستوى الديكور و الملابس :
- كما عمل ونوس على كسر الإيهام عبر الراوي و الدمج بين الخشبــــــــة و الصالة قام بنفس الشيء بخصوص الملابس و الديكور.فالشخصيات لا تتحرك على الركح ضمن ديكور يحاكي الواقع بقدر ما أصبح ديكورا وظيفيا مشروطا بما سيؤديه من عمل للقائم بالدور.
" يدخل ممثلان يحملان قطع ديكور بسيطة جدا ، تمثل ما يشبه رواقا في قصر بغداد  ويمكن هنا وفي كل المشاهد التالية الاستعاضة عن قطع الديكور بلوحات مرسومة ، بعد تركيب المشهد . "
كما جعل ونوس عملية تبديل الديكور بين اللوحات تقع على مرأى من الجمــــهور و يقوم بها الممثلون أنفسهم مع عمال المسرح .فالديكور في المسرحية  يوحي و لا يحاكي وهو مكوّن غرضيّ لا حدثيّ أي تنتهي قيمته بمجرّد أداء الوظيفة أو الغرض الذي استخدم من أجله .
وهذه التقنية في استخدام الديكور و تجريده من تمثيليته و تعبيريته نابعة من خلفية بريشتية مناهضة للجدانوفية : Jdanovisme  تربط مفهوم الجمال في المجتمعات البرجوازية بالوضـــــوح و الشفافية  و دقة المحاكـــــــــــاة و التعبيرية الطبيعية عن الواقع .
فالفنّ في هذه المجتمعات حسب بريشت هو نقل خاطئ للطـــــبيعة و الواقع : Pseudo-physis في حين يجب أن يكون في نظــــره و في ضوء واقع محكوم بالصراع الطبقي و التاريخي نقلا مضادّا للواقع : Anti-physis .


Le formalisme de Brecht est une protestation radicale contre l’empoissement de la fausse nature bourgeoise et petite bourgeoise dans une societé encore aliénée , l’art doit être critique , il doit couper toute illusion , même celle de "la nature".
le signe doit être partiellement arbitraire , faute de quoi on retombe dans un art de l’expression
dans un art de l’illusion essentialiste .
BARTHES . : Essais critiques. Les tâches de la critique Brechtienne . Ed. du seuil p 88 .1964 .paris


5- بعض القول في الدلالات :
كان الهمّ الأوّل لمسرح سعد الله ونوس هما نضاليا على جميع الجبهات :
- فنيا : يتمثل في كتابة فعل مسرحي جديد يقطع مع الفرجة و يؤسس لانخراط الجمهور في الجدل السياسي و الاجتماعي .
- قيميا :يبرز في القطع مع السلبية و الخوف و الهامشية و توريط الجمهور في حوار شامل و أسئلة استفزازية (الأسئلة أهمّ من الأجوبة ) .
- و فلسفيا و أنطولوجيا : يظهر في مساءلة الأشياء و المسلمات و القناعات التي تبدو لنا على غاية من الشفافية و البداهة .
و لقد ميز ونوس المسرح السياسي عن مسرح التسييس الحامل لمشروعه النهضوي .    و لخص إبراهيم جاد الله الفرق بينها كما يلي :
المسرح السياسي :" يهدف إلى تلقين الرؤية السياسية المسرحية من علٍ أو فرضها أو طرحها على الأقلّ من أعلى خشبة المسرح على جمهور المتفرّجين الذي يظلّ سلبيا تجاه ما يعرض على خشبة المسرح ."
مسرح التسييس : "هو المسرح الذي تندمج فيه الخشبة مع الصالة عبر حوار حقيقيّ حيّ و مرتجل ارتجالا حقيقيا و صادقا و غير متكلف أو مصـطنع  بحيث يصبح كل عرض تجربة جديدة لا تتكرر مثل مباراة الشطرنج ."
ثم يحدد جاد الله أهداف مسرح التسييس وهي :
- البحث عن الحقيقة و تعرية الأزمات و الهزائم
- توعية المتفرج بواقعه الاجتماعي و دفعه للتساؤل و العمل
- ربط المسرح بالتراث العربي و ذاكرة الناس الحية للولوج إلى عقولهم و قلوبهم .
- تمعّن الشرط التاريخي و إعادة محاكمة القناعات و الأفكار كي يتسنّى لنا اكتشاف نقاط الضعف و القصور و محاولة تداركها .
و لعلّ في قراءتنا لمغامرة المملوك جابر نقف على فيض من الدلالات الفلسفية و الفكرية و الحضارية نحصر أهمها في ما يلي :
- من الوعي المثالي بالواقع إلى الوعي السلبي :
إنّ تلاعب الحكواتي  بانتظارات المستمعين من الزبائن  و البحث عن أحداث الهزائـــــم و الفوضى و الاضطرابات المخيبة للآمال لهو من الاستراتيجيات الفلسفية المهمة في النسق الفكري لسعد الله ونوس ، وهو موقف يذكرنا بأسس الجدل الماركسي و الهيـــــغلي و القائم بدرجة أولى على الوعي السلبي  الكامن في الواقع .
يقول هربرت ماركيز : " فالجدل عند ماركس كما هو عند هيغل ينتبه إلى الحقيقة القائلة أنّ السلب الكامن في الواقع هو المبدأ الخلاق المحرّك و الجدل هو جدل السلبية . "
العقل و الثورة : هيغل و نشأة النظرية الاجتماعية /هربرت ماركيز
ترجمة فؤاد زكريا . الهيئة المصرية العامة للكتاب .
و كما يكون السلب و النفي دافعيْن لاكتشاف النقائص و إعادة النظر بأسس المجتمع يكونان في نفس الوقت قادحيْن للمواجهة عبر الاحتجاج و النقاش و الرفض و بالتالي منتهيا إلى الثورة و التغيير .
هذه المراحل في انتقال الوعي من تبئير الواقع و تفسيره إلى تغييره لم يبلغها المؤلف في مسرحية المملوك جابر و إن كان قد لامس بعض حلقاتها الوسطى إذ اكتفى الزبائن بالاحتجاج و الامتعاض دون بحث و تنقيب في الأسباب : لماذا كانت النهاية غير عادلة ؟
لماذا لا يعود زمن البطولات ؟من كان المسؤول عن سقوط بغداد ؟
و بين سؤال التاريخ و سؤال الواقع و سؤال الماضي و سؤال الراهن حدود و مسافات .
- من اللاوعي إلى الوعي أو من التخدير إلى التفكير :
إضافة إلى فعل الاندماج و المحاكاة الذي يسعى ونوس إلى تقويضه نجد بعــــــــــــــض الأكسسوارات الإضافية  تقوم بدور التغييب عن الواقع و طمس الوعي الحقيقي بالأسباب  مثل : النارجيلية التي تتكرر في كلّ لوحة من لوحات المسرحية عندما ينهض الحوار بين  زبائن المقهى و ينضاف إلى ذلك الراديو و ما يحمله من دلالات رمزية كبديل عن الجوقة في المسرح الكلاسيكي .
فمسرح ونوس باعتباره لعبة و قبل أن يكون لعبة أو أن يشاهد كلعبة يجب أن يفهم قبل كلّ شيء و هذا الفهم يرتبط عضويا بوظيفة بنائية تقوم على آلية التحويل الفـــــــــــــوري و المباشر لوعي الجمهور وهو يستمتع بالعرض . فكأنّه يعلّم جمهورا وهو منشغل باللــــعب و يتلهّى بالعرض . 
- من الميتافيزيقا إلى التاريخ :
يقف مشروع ونوس في مواجهة التعمية و التفسيرات الغيبية للتاريخ: فهو يعيد الاعتبار للخاصية التاريخية للمصائب االبشرية و يفضح طمس الأسباب : فالأفراد و البطولات لا تصنع التاريخ و الخوف و اللامبالاة لا يغيران المصائر و الأقدار .
"من دليل بغداد العميق نحدثكم . من ليل الويل والموت والجثث نحدثكم . تقولون .. فخار يكسر بعضه .. ومن يتزوج أمنا نناديه عمنا .. لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا ذلك . لكل واحد رأي وتقولون .. هذا رأينا لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا هذا رأينا . لكن إذا التفتم يوما ، ووجدتم أنفسكم غرباء في بيوتكم . ."
لقد أمل سعد الله ونوس من خلال أعماله المسرحية أن ينشئ عقلا تحليليا عربيا جديدا يقطع مع الإذعان و الطاعة و التصديق . و بدل أن يقدّم لنا مسرحا خطابيا مشحونا بالشعارات و الوصفات الجاهزة استفزّنا بمزيد من الأسئلة المحيّرة   و كما قال أحد النقاد
" من يريد أجوبة جاهزة و حلولا و دواء فالأفضل له ألاّ يقرأ نصوصه و ألاّ يشاهد عروضه المسرحية ...فهو لا يقدّم حلولا و لا يتفضّل علينا بدواء ... ونّوس شرّع السؤال في عصر كُفّر فيه السائل و السؤال . "

قائمة المراجع و المصادر :
المصادر :
- ونوس (سعد الله) : مغامرة رأس المملوك جابر . دار الآداب ط 6 بيروت 2006
- الأعمال الكاملة ، المجلّد الأوّل ، دار الأهلي . دمشق 1996
المراجع :
بالعربية :
- ونوس (سعد الله) : بيانات لمسرح عربيّ جديد . دار الفكر الجديد . لبنان 1988
- سعد أردش : المخرج في المسرح المعاصر ، عالم المعرفة ، العدد 19 يويليو 1979
- جورج لوكاتش : التاريخ و الوعي الطبقي ، ترجمة حنّا الشاعر ، دار الأندلس ، بيروت لبنان ط 2 ، 1982
-  هربرت ماركيز : العقل و الثورة : هيغل و نشأة النظرية الاجتماعية ، ترجمة فؤاد زكريا ، ط2 الهيئة
المصرية العامة للكتاب ، 1979
بالفرنسية : 


- Bertolt Brecht :Petit Organon pour le théâtre , Ed , du seuil , 1982, paris
- Roland Barthes : Essais critiques ,Ed , du seuil , 1964
- Roland Barthes : Ecrits sur le théâtre (textes présentés et réunis par Jean-Loup Rivière )"Poins essais" 2002 n° 492
- Karl Marx et Friedrich Engels : Œuvre choisies en trois volumes , tome  premier , Ed , du progrés, 1974


مقالات :
-  محمّد بدوي :تجليات التغريب في المسرح العربي ، قراءة في سعد الله ونوس ، مجلة فصول مجلد 2 عدد 3 سنة 1982 .
- أحمد عثمان : قناع  البريختية ، مجلة فصول مجلد 2 عدد 3 سنة 1982 .
عن الأنترنت :
- جميل حمداوي : سهرة مع أبي خليل القباني لسعد الله ونوس : بين مسرحة التراث و التجريب الدرامي
- أريج الفرج : سعد الله ونوس مثقف و مبدع فوق العادة
- نبيل الحفار : برتولد بريشت : لمحة موجزة عن حياته و أعماله
- إبراهيم جاد الله : عن سعد الله ونوس و راهن العرب و راهن الغرب مسرحيا و سياسيا
- نديم الوزة : وعي الهزيمة : قراءة في أعمال سعد الله ونوس المسرحية .
- Wikipédia : Mimesis , catharsis , illusion , distanciation
- Jean- Jacques Roubine : Introduction aux grandes théories du théâtre

عبد الرزاق السومري كتاباته : إصدار رواية "زنابق تحت الجليد" (دار الإتحاف للنّشر) 2000 تعرضت هذه الرواية في البداية للمصادرة ثمّ المحاصرة و التضييق بعد صدورها و طُبعت بكميات محدودة و لم توزّع إلاّ بين النقابيين و الحقوقيين و بعض أصدقاء رابطة الكتاب الأحرار . - إصدار رواية :" مرايا الزّمن المتوحّش " الأطلسيّة للنّشر 2002 - إصدار دراسة : من البنيويّة إلى التّفكيك (وهم الحداثة و سلطة الخطاب) طبعة ألكترونية . هذا إضافة عن مقالات في مجال النّقد الأدبي و الفلسفة و اللسانيات وتحليل الخطاب و الترجمة بالمجلاّت و الدوريات العربيّة و التونسيّة .

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟