مقدمة المترجم
هل ساعد اختراع الإنترنت البشرية على اكتساب المعرفة والحكمة حقًا؟ يتناول الفيلسوف مات بلومنك تأثير الإنترنت على الذاكرة والانتباه، عبر جدليات سقراط وتلميذه أفلاطون منذ 2400 عام.
نص التقرير
قال تحوت: "هاك أيها الملك.. معرفة ستجعل المصريين أحكم وأكثر قدرة على التذكر. لقد اكتشفت سر الحكمة والذاكرة". أما الملك فقد أجاب: "يا تحوت، يا سيد الفنون الذي لا مثيل له: هناك رجل قد أوتي القدرة على اختراع الفن، وهناك رجل غيره هو الذي يحكم على ما جلبه هذا الفن من ضرر أو نفع لمن يستخدمونه. والآن، وبوصفك مخترع الكتابة، أراك قد نسبت لها عكس نتائجها الصحيحة بدافع تحيزك لها. ذلك لأن هذا الاختراع سينتهي بمن سيعلمونه إلى ضعف التذكر، لأنهم سيتوقفون عن تمرين ذاكرتهم حين يعتمدون على المكتوب".
- محاورة فايدروس لأفلاطون، ترجمة د. أميرة حلمي مطر
إن من المدهش أن يظل اقتباس يزيد عمره عن ألفي سنة وثيق الصلة بالمشاكل التي نواجهها في مجتمعنا المعاصر. في هذا الاقتباس، من كتاب "محاورة فايدروس" لأفلاطون، يستخدم سقراط هذا الحوار المتخيل بين الإله المصري القديم تحوت، مخترع الكتابة، وبين الملك تاموز، ليبيِّن لفايدروس مخاطر الكتابة وآثارها المقلقة على الحكمة البشرية في رأي سقراط. يعتقد تحوت أنه باختراع الحروف قد وجد طريقة لحفظ ذواكر المصريين، وأنه بهذا قد منح الشعب المصري حكمة تتجاوز حدود الإمكانات الطبيعية.

"أشعر بالقلق من أن ذلك النوع من السرعة الرهيبة للمعلومات يؤثر في الإدراك، يؤثر في قدرتنا على التفكير العميق، وما زلت أعتقد أن الجلوس وقراءة كتاب هو أفضل وسيلة لتعلم شيء ما، وأخشى أننا في طريقنا لفقدان ذلك"
 (إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لغوغل)      
يجلس شاب، لم يجتز بعد العشرين من عمره، في محاضرة علم الأدوية بكلية الصيدلة ليستمع إلى الأستاذ بينما يشرح تركيب بعض المواد المستخدمة في علاج التهابات المفاصل، وحركيتها في الجسم، لكن هاتفه الذكي، لسبب ما، يضيء في حقيبته دون صوت. تلفت تلك النبضة الضوئية انتباه صديقنا لوهلة، ثم يعود للدرس مرة أخرى، لكنه هذه المرة لن يتمكّن من التركيز بكامل قدرته، فجزء منه يود لو تمتد يداه لتعرف السبب في ذلك الإشعار.
   هل هو لصديق يحدد موعد لعب الكرة الليلة؟ أم رسالة على واتساب من زميلة جميلة في مختبر الصيدلانيات؟ أو ربما قد علّق أحدهم على منشوره المثير للجدل الذي كان قد وضعه بالأمس على فيسبوك، هنا سوف تبدأ الذكريات بالانسياب في عقله لترسم سيناريو محتمل لكل خاطر يطرأ، في أثناء ذلك كله تكون قد مرّت ساعة كاملة من المحاضرة المعقّدة.  

ليس مارك زوكربيرغ أول شخص في تاريخ البشرية يستمد إلهامه من أغسطس قيصر، مؤسس الإمبراطورية الرومانية، ولكنه واحد من القلائل الذين تشكل لهم دروس فترة حكم أوغسطس أهمية ملحة. فعلى كل حال شيد الرجلان إمبراطوريات عالمية قبل بلوغ سن الثالثة والثلاثين. وأوضح زوكربيرج لمراسل صحيفة نيويوركر في وقت سابق من هذا العام قائلا "ببساطة أسس أغسطس، باتباع نهج قاسٍ للغاية، لـ 200 عامًا من السلام العالمي".  و"ما هي التنازلات التي قدمت في سبيل تحقيق ذلك؟" أوضح زوكربيرج أن أغسطس "كان عليه أن يفعل أشياء معينة" لضمان استقرار إمبراطوريته. وكذلك -على ما يبدو- يفعل فيسبوك".

توقيف المسؤولة الأولى في شركة هواوي من قبل السلطات الأمريكية يثبت مرة أخرى أن هذه المقاولة الصينية أصبحت رمزا للعداء الذي يسود بين واشنطن وبكين. لقد تبين من خلال ذلك أنها أول من يدفع الثمن.
مما لا شك فيه أن سنة 2018 بالنسبة لشركة هواوي شكلت سنة نجاح من خلال إطلاق هاتفي ب20 ثم لدفعة مايت20 . فهذان الهاتفان الذكيان فرضا نفسيهما كمرجعين رئيسيين في السوق. بعبارة أخرى، من خلالهما أظهرت الشركة الصينية بوضوح طموحاتها الهائلة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من السمعة المتزايدة لهذه العلامة التجارية في جميع أنحاء العالم، هناك سوق لا تني تقاوم شركة هواوي؛ ألا وهي الولايات المتحدة. تنظر السلطات الأمريكية إلى الشركة الصينية باعتبارها تهديدًا للأمن القومي وزادت من العقبات التي تحول دون إنشاء العلامة التجارية الدائمة فوق أراضي العم سام.

بادئ ذي بدء، وبلغة فوكاوية أنطولوجية راهنية واقعية، بلغة كذلك، النحن والعقل التقني، وعلى واقع فلسفة الاختلاف، التشظي، الشتات والهامش، نقدم هذه القراءة الهامشية حول هامش الواقع التقني الذي يفرض نفسه بنفسه على سيكولوجيات متعددة ومختلفة باختلاف أجناسها وأعراقها، وكذلك نستقرئ ما يفرضه هذا الواقع التقني على الفيزياء الاجتماعية من خلال نماذج على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي نذكر منها الصفحات الزرقاء الفايسبوكية على وجه التحديد التي تعرف بكثرة تعددها وتشظيها وانتشارها بشكل كبير، بل بشكل مهول، على هذا البرنامج الأزرق أو التطبيق المسمى بالفايسبوك.

"عند جهينة الخبر اليقين"
مثل عربي
تتعدد  اليوم الوسائط المهتمة بنقل الخبر، وقد أدى هذا التعدد الهام، إلى تنوع القنوات التواصلية الخبرية، وتَخَيُر المتلقي طرق التعرف الأنسب إلى الأخبار الجديدة، والتثبت من القديمة منها، بغية الوصول إلى بناء تصور نقدي خاص حول الموضوعات المطروقة.
إن طبيعة الإعلام المُسْتَجِد عَوْلَمَ المعلومة وجعلها لا تبقى حكرا على مؤسسة بعينها حاضنة لها، ومروجة لها حيث تريد وأنى تشاء، فالمعلومة غدت جوالة ورحالة بين الناس لا تعرف القيود التقليدية إليها سبيلا، فبمقدور الإنسان بوصفه كذلك لا غير الاطلاع عليها والوصول إلى جوهرها بأيسر السبل، حتى إننا أصبحنا بفعل تعدد الوسائط الخبرية يمكننا أن نضع سؤالا قد يكون محرجا مفاده: هل تطور وسائط نقل المعلومة المستجدة إنذار بنهاية "الإعلام المؤَسَسة" الحاضن للمعلومة؟ أليست هذه الوسائط اليوم التي أصبح يشغف بها الفرد في زمن الصورة كفيلة بالتخلي عن المنظومة الإعلامية التقليدية؟

لا يُمكن التشكيك في الدور المحوري الهام الذي لعبته شبكات التواصل الإجتماعي وتقنيات التواصل عبر الإنترنت الحديثة في نشر المعلومات بسرعة، حشد الإهتمام لقضايا مُجتمعية هامة، وتعزيز التواصل بين الأشخاص الذين يبعدون بمسافة آلاف الأميال عن بعضهم البعض.
ومن المنطقي أيضا أن شبكات التواصل الإجتماعي تخضع لمثل ما تخضع له كل التقنيات والإبتكارات التي يُمكن للمُستخدم البشري تسخيرها للنفع كما يُمكنه إستغلالها في الضرر. ولكن ما نحن بصدد الحديث عنه هو دور محوري يبدو أن شبكات التواصل الإجتماعي تلعبه يرجع الى قدرتها الفريدة على حشد الإهتمام وإثارة المشاعر من خلال إعطاء إنطباعات غير حقيقية تُعبر فقط عن فئة مُجتمعية وحيدة هي تلك الفئة التي تستخدم شبكات التواصل الإجتماعي بكثافة.

في عالمنا المعاصر نلحظ الواقع يتمدد بتمدد شبكة التواصل الاجتماعي، لم يعد بالإمكان الحديث عن واقع اجتماعي في مقابل واقع افتراضي (بنية السوشيال ميديا).
صار الواقعان متداخلين ومتمازجين لدرجة أنه لا يمكن تخيل واقع منفرد بإطاره، فنقل (مظاهر) الواقع الاجتماعي إلى شبكة التواصل يؤثر كانعكاس في هذا الواقع الاجتماعي ويغيره، وهذا الأخير يغذي الشبكة باستمرار، ما يجعل الأمر متداخلاً في عملية تبادل وأخذ ورد، أي: تكامل واندماج.
تنبني الشبكة الافتراضية على ما هو مرئي، بهذا تعتمد على الصورة، بعكس الواقع الاجتماعي يذهب بالمرئي نحو التجربة، الواقع الاجتماعي معاش.
انطلاقا من ذلك تغذي التجربة الاجتماعية الشبكة الافتراضية بما هو مرئي، وليس بما هو معاش، دون أن ننسى أن المرئي يعود ليؤثر بقوة فيما هو معاش.
ولتفسير أبسط حتى تتضح لنا العملية هنا: فأنا حينما أنقل لك حدثاً، الذي يصلك كخبر مرئي، يصلك كصورة وليس كحدث، يجب أن نعي أن الصورة مجرد مقطع، أما الحدث فهو بنية مفاهيمية.

بداية لا يمكن لأحد أن ينكر ما لوسائل التواصل الاجتماعي من دور في انتشار المعلومة ومشاعيتها، إذ أصبحت المعلومة مشاعة بين كل الطبقات وفي كل الأزمان الأصقاع والبقاع.
ثم إنه لا ليس بإمكان أحد - إلا جاحد - أن ينكر ما كان لها من دور في اندلاع الثورات – المجهضة في أغلبها، والناجحة نسبيا في بعضها- حيث كانت الوسيلة الفعالة لتكسير الخوف بداية والتحرر ثانيا والحرية الموقوفة التنفيذ ثالثا، إذ لولا تلك الوسائل لكان الواقع العربي على الخصوص والعالم بشكل عام قد زاد قهرا واستبدادا وتنكيلا دون علم من أحد إلا ما تسرب من عين الإبرة من خبر.
وانطلاقا من قول "نتشه" على أن الحقيقة مزعجة، لذلك يفضل الجميع البحث عن الحقيقة التي لا تزعجه، وليس هناك من فضاء بإمكانه أن يوفر هذه الإمكانية سوى فضاءات التواصل الاجتماعي، هذه المواقع التي أصبحت دون منازع الفضاء المفضل لتسوق الحقيقة، لأن العرض جد متوفر.
ثم إن هذه الوسائل قد أتاحت لعامة الناس على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الاجتماعية والثقافية والمجتمعية إمكانية التعبير عن آرائهم وينشروا ما يحلوا وما لا يحلوا لهم من أفكار        وأخبار قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة فذاك غير مهم كل ما هنالك هو النشر لأجل النشر.