تمهيد:
انخرط العالَم، بفضل ما يُصطلح عليه بالثورة التكنولوجية، في مسار جديد، لا يقل أهمية وخطورة عن المسار الذي أحدثته الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. فقد نتج عن التطور التكنولوجي الذي بلغ أوجَه منذ أواخر القرن العشرين، تغييراتٌ كبرى، سببها الطوفان المعرفي الذي غرقت فيه مناحي الحياة كلها: اليومية، والأكاديمية، والثقافية، والاجتماعية، والمهنية. وأصبح من العسير التحكم في تدفق سيل المعلومات الذي لا حدود له. ومن نتائج ذلك ظهور ما أسماه ألفين توفلر (Alvin Toffler) "تحول السلطة"، أي انتقالها من "سلطة للمال، والثروة، والحُكم"، إلى "سلطة للمعرفة". وهذا ما جعل القدرة على إنتاج المعرفة، وتوزيعها، واستهلاكها، يخضع بدوره لما اصطُلِح عليه بــ"صناعة المعرفة". وفي النتيجة غدَا صُنّاع المعرفة، الحكامَ الجُدُدَ للعالم.
لقد بات من الضروري، اليوم، وضع استراتيجيات ملائمة لهذه الثورة المعرفية، لاستغلالها على الوجه الأفضل. ويعتبر التعليم إحدى القنوات الأساسية التي يجب تحديثها، لضمان جودة مُخرجاتها، من جهة، ولمواكبة هذا الكم المَهول من المعارف، ومحاولة احتوائه، من جهة أخرى، وذلك بتأهيل المتعلمين وإكسابهم مهاراتٍ وقدراتٍ تجعلهم في مستوى هذا التغيير الذي يشهده العالم.
وبما أنَّ من الأهداف الرئيسة للتربية نقل المعرفة من الجيل الذي توصَّل إليها، إلى الجيل الذي بعده، فإن ذلك يجعلها تتسم بالاستمرارية. ولن تتأتى لها هذه الاستمرارية على نحو سليم، وسريع، وفعّال، إلا باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة.