تمهيد:
          انخرط العالَم، بفضل ما يُصطلح عليه بالثورة التكنولوجية، في مسار جديد، لا يقل أهمية وخطورة عن المسار الذي أحدثته الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. فقد نتج عن التطور التكنولوجي الذي بلغ أوجَه منذ أواخر القرن العشرين، تغييراتٌ كبرى، سببها الطوفان المعرفي الذي غرقت فيه مناحي الحياة كلها: اليومية، والأكاديمية، والثقافية، والاجتماعية، والمهنية. وأصبح من العسير التحكم في تدفق سيل المعلومات الذي لا حدود له. ومن نتائج ذلك ظهور ما أسماه ألفين توفلر (Alvin Toffler) "تحول السلطة"، أي انتقالها من "سلطة للمال، والثروة، والحُكم"، إلى "سلطة للمعرفة". وهذا ما جعل القدرة على إنتاج المعرفة، وتوزيعها، واستهلاكها، يخضع بدوره لما اصطُلِح عليه بــ"صناعة المعرفة". وفي النتيجة غدَا صُنّاع المعرفة، الحكامَ الجُدُدَ للعالم.

          لقد بات من الضروري، اليوم، وضع استراتيجيات ملائمة لهذه الثورة المعرفية، لاستغلالها على الوجه الأفضل. ويعتبر التعليم إحدى القنوات الأساسية التي يجب تحديثها، لضمان جودة مُخرجاتها، من جهة، ولمواكبة هذا الكم المَهول من المعارف، ومحاولة احتوائه، من جهة أخرى، وذلك بتأهيل المتعلمين وإكسابهم مهاراتٍ وقدراتٍ تجعلهم في مستوى هذا التغيير الذي يشهده العالم.

وبما أنَّ من الأهداف الرئيسة للتربية نقل المعرفة من الجيل الذي توصَّل إليها، إلى الجيل الذي بعده، فإن ذلك يجعلها تتسم بالاستمرارية. ولن تتأتى لها هذه الاستمرارية على نحو سليم، وسريع، وفعّال، إلا باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة.

قبل أزيد من سبعة عقود سلط الشاعر الإسباني بيدرو ساليناس (1891-1951) الضوء على ظاهرة أخذت تتعاظم أنذاك بشكل يدعو للقلق. فقد ركز اهتمامه على ما أسماه "بالأمية الجديدة" والتي تختلف جذريا عن نظيرتها التقليدية (عدم معرفة القراءة والكتابة)، لأن منتسبيها يستطيعون مطالعة المجلات والمطبوعات التي تهتم بالترفيه والفضائح والحياة الخاصة للمشاهير بتفاصيلها المملة. إنهم يتظاهرون بالثقافة والمعرفة لكنهم في حقيقة الأمر يتشربون أفكارا ومعارف مبعثرة وهشة منهجيا ومعرفيا، لا تساهم في بناء الهوية الثقافية والمعرفية للشخص بقدر ما تدفعه للغرور وادعاء المعرفة وتوهم الإبداع والتفكير النقدي. أو بعبارة أدق، تجعله إنسانا تافها وسطحيا إلى أبعد حد، يهتم بقراءة وحفظ العناوين كجزء من سلوكه الاستعراضي ولا يعير المضامين الصريحة والأفكار العميقة أي اهتمام.

مقدمة للترجمة
لا تتوقف التداعيات السلبية للأخبار الكاذبة في النطاقات الصحية عند حد التأثيرات النفسية، إذ تمتد مُسبّبة أضرارا مباشرة تصل إلى حد الوفاة. ومن هنا وجب علينا أن نتساءل عن السبب في انتشار تلك النوعية من المعلومات المضللة، أهي فقط طبيعة البشر الذين يعشقون الإثارة والفكر المؤامراتي، أم أن المنصات التي تُنشر عليها تلك الأخبار لها دور في تلك الكارثة؟ لماذا يتردد فيسبوك في حذف حسابات المشاهير الذين يضللون الناس؟ ولِمَ تسمح المنصة بانتشار المعلومات المضللة في المجموعات والصفحات التي يجتمع فيها المتطرفون سياسيا؟ والأهم من ذلك، لِمَ تمنع منصات يوتيوب وتويتر وفيسبوك الباحثين في هذه النطاقات من الوصول إلى جميع المعلومات المطلوبة لتحليل الظاهرة؟!
مادة الترجمة
تَعَرّض فيسبوك مؤخرا إلى انتقادات عديدة بسبب السماح للمعلومات الطبية المضللة بالانتشار على المنصة، وظهرتْ بعض المستندات الداخلية المُسرَّبة التي تشير إلى أن فيسبوك قد يكون أسوأ مما كنا نعتقد سابقا، وأنه يغض الطرف عن هذه المعلومات عمدا. وتُعدّ هذه المعلومات المغلوطة مصدر قلق رئيسيّا، إذ توصلت إحدى الدراسات إلى أن المشاركين الذين تلقوا معلوماتهم من فيسبوك كانوا على الأرجح أكثر ميلا لمقاومة اللقاحات من أولئك الذين تلقوا معلوماتهم من وسائل الإعلام الرئيسية.

إذا عدنا إلى العصور الوسطى الأوروبية سنجد أن السلطة (Authority) دائما ما كانت تُستمدّ من أشياء خارج الإنسان، من الله، من الكتاب المقدّس، من رجال الدّين، فكان المرء إذا سأل سؤالاً من قبيل: ما الخير وما الشر؟ أو ما الجيّد وما السيء؟ يُجاب مباشرة بأن الخير هو ما أوصى به الرب أو الكتاب المقدّس أو آباء الكنيسة أمّا الشر فهو ما نهوا عنه. أي أن الإنسان في ذلك العصر كان يحصل على كل إجابات أسئلته من مصادر خارج ذاته ومشاعره. وإذا تعرّض لمشكلةٍ شخصيةٍ فلا يفكّر في حلّها بنفسه أو يُحكّم عقله فيها بل كان يسأل الله أو رجل الدين. بعبارة أخرى فإن ذلك الإنسان لم يكن يفكّر بعقله الخاص أبداً. أمّا مع "الثورة الإنسانية" (Humanist revolution)، فقد انتقلت السلطة من السماء إلى الأرض، من الله والكتاب المقدس ورجال الدين إلى الإنسان ذاته، فارتفعت الصيحات التي تقول: "يا أيها الإنسان فكّر بنفسك ولا تعتمد على أية سلطة خارجة عن سلطة عقلك أو مشاعرك". لقد نادت الثورة الإنسانية بأن كل الإجابات هي داخل أنفسنا وليست في مكانٍ آخر، فأصبح بذلك الإنسان هو مركز الوجود، أصبح هو مصدر ومعيار كلّ تقويمٍ وقياسٍ. وقد تجلّت هذه "الثورة الإنسانية" في كافة المجالات، في الأخلاق والفن والاقتصاد والسياسة والتعليم وغيرها... فقد أصبح، على سبيل المثال، "الجيد" هو ما يجعل المرء يشعر بشكل جيّد و"السيء" هو ما يجعل المرء يشعر بشكلٍ سيّء، أما "الجميل" فهو ما يراه المرء جميلاً في حين أن "القبيح" هو ما يراه قبيحاً. لقد أصبحت السلطة العليا للإنسان، لكلّ شخصٍ على حدة، للمُشاهد، للمستهلك، للمُنتَخِب، للقارئ...

من منا لا يتذكر فيلم "عين النسر" (Eagle Eye) المنتج عام 2008 من إخراج د. ج. كاروسو، وبطولة شيا لابوف وميشيل موناغان، حيث يتحدث الفيلم بطريقة دراماتيكية عن قيام الحكومة الأميركية بإنشاء منظومة تجسس إلكترونية متطورة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهدفها التجسس على البشر في كل حركة يقومون بها في أي مكان وزمان.
النور والعتمة
يبدو أن ما كان خيالا علميا أصبح واقعا عمليا الآن؛ فلقد جعلت التكنولوجيا الحديثة حياتنا أسهل بكثير مما كان عليه الأمر في السابق، فنحن جميعا نستخدم الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة، ونشاهد الأفلام ومقاطع الفيديو عند الطلب متى أردنا ذلك، ونشتري تقريبا أي نوع من المنتجات عبر الإنترنت، بل ونلتقي أصدقاءنا وزملاءنا في عوالم افتراضية، لكن هذه الراحة لها جانبها المظلم أيضا.

نشرت صحيفة واشنطن بوست (The Washington Post) الأميركية تقريرا عن كيفية الانتقال من فيسبوك إلى مكان آخر، وصعوبة هذا الانتقال، وما ستفقده إذا انتقلت إلى تطبيقات أخرى.
ويقول التقرير إنه وبعد شهر قاسٍ من الاكتشافات حول ممارسات فيسبوك التجارية، والتي بلغت ذروتها بإدلاء الموظفة السابقة في الشركة فرانسيس هوغن بشهادتها عن المخالفات أمام المشرعين حول التأثير الضار للشبكة الاجتماعية على الأطفال، يحاول كثيرون مرة أخرى اكتشاف كيفية تخليص أنفسهم.
ويوضح التقرير أن من السهل القول إنك مستعد للرحيل عن فيسبوك، لكن معرفة إلى أين تذهب بعد ذلك هو الجزء الصعب، كما أن الانفصال يعني أيضا قطع إنستغرام وماسنجر وواتسآب، إذ إن جميعها مملوكة لشركة فيسبوك.

في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018 جلس حشد من الطلاب والمهتمين بتقنيات التعليم الحديثة في إحدى قاعات جامعة إمبريال كوليدج لندن البريطانية يستمعون ويتحاورون مع نخبة من الاختصاصين في مؤتمر المرأة في التكنولوجيا، الذي أقيم بالجامعة. جلس على منصة المسرح ضيف من نيويورك وضيف آخر من لوس أنجلوس بجوار ضيفين آخرين من بريطانيا.

الضيفان الأميركيان لم يأتيا إلى لندن بل تم نقل صورة تجسيدية ثلاثية الأبعاد لكل منهما باستخدام تقنية الهولوغرام، وبفضل هذه التقنية ظهر الضيفان وكأنهما موجودان فعلياً على المسرح، ينظران إلى الجمهور ويتلقيان الأسئلة ويجيبان عليها، وصرح المسؤولون في الجامعة أن إمبريال كوليدج لندن هي الأولى عالمياً في استخدام الهولوغرام في المحاضرات.

ويندوز ليس مجرد نظام تشغيل، إنه كيان خلّاق لديه حساسية ضد التغيير. فكِّر في الأمر على أنه عمل فني عزيز يحتاج إلى صيانة منتظمة، الجميع سعداء بالألوان الأكثر إشراقا واللمعان المنعش، لكن لا أحد مسرور بالخطوط المعاد رسمها، أو المرسومة فوق الشوائب، أو مُحيا وجه شخصية في لوحة أعيد ترميمها بشكل سيئ.
ليس عليك أن تكون مؤرخا أو متتبعا لتاريخ أنظمة تشغيل النوافذ (ويندوز-Windows) لترى نمط البينغ بونغ الذي تتبعه مايكروسوفت في تحديثاتها لنظام التشغيل التابع لها، الجميع يتذكر ويندوز XP حتى الآن، بعض المستخدمين يفضلونه حتى هذه اللحظة، ثم أتى بعده ويندوز فيستا (Vista) الذي على النقيض تماما من سابقه، لا يتذكره أحد بعدما فشل فشلا ذريعا.
أنقذت مايكروسوفت سمعتها بنظام التشغيل ويندوز 7 الذي حقق نجاحا ساحقا، ثم أتبعته بنظام آخر فاشل يشبّهه المستخدمون بمجموعة من القرود التي تدير جهاز حاسوب، وهو ويندوز 8. تاليا، ظهر ويندوز 10 لإنقاذ الموقف تماما كأحد الأبطال الخارقين. أترى ما المقصود من لعبة البينغ بونغ؟ صعود ثم هبوط، قمة ثم قاع. النظام الأخير، ويندوز 10، كان البطل الذي أنقذ مايكروسوفت، كان القمة، هل سيكون نظام التشغيل الجديد (ويندوز 11) هو القاع؟ هل ستتابع مايكروسوفت المشي على النمط نفسه؟
إذا كنت تلعب بالاحتمالات، فستراهن على أن ويندوز 11 سوف يفشل. لكن الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت "ساتيا ناديلا" قال مازحا: إن الرقم 11 هو رقم الحظ لمايكروسوفت.(1) تخطط الشركة للدخول في الإصدار الرئيسي التالي من ويندوز، كما أنها تستعد بهدوء لإقفال الباب في وجه نظام التشغيل "ويندوز 10" البالغ من العمر 6 سنوات.

أدى وباء كورونا إلى تغيرات هائلة في جميع مناحي الحياة، وقاد إلى تحول رقمي متسارع ترك آثاره في مختلف القطاعات الاقتصادية، وأنشأت الجائحة عادات اجتماعية جديدة بسبب التحول الجذري في أساليب الحياة والعمل حتى لم يعد من الممكن العودة إلى نمط الحياة الذي كان سائدا قبل الجائحة، فقد أصبح مفهوم الحياة نفسه مختلفا، فهذه "الحياة الطبيعية" ما عادت كما كانت في السابق، فهي حياة طبيعية لكنها رقمية في كل شيء.
لقد اعتادت البشرية استخدام التقنيات الحديثة في شتى المجالات، وغدا الإنترنت والتطبيقات الرقمية جزءا أساسيا من حياتنا اليومية، فنحن نشتري ونتسوق ونطلب الطعام ونعقد اجتماعات العمل، ونستأجر ونبيع الشقق والمباني، ونحجز تذاكر الطائرات والفنادق عبر الإنترنت.