maroc_school.jpg الأسس والمعايير
تم تداول مصطلح الحكامة لأول مرة من طرف البنك الدولي في سنة 1989 الذي اعتبر أنها: "أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل خلق التنمية"، وكان هذا التداول في إطار تأكيد البنك الدولي على أن أزمة التنمية في العالم النامي هي أزمة حكامة بسبب فساد النظم السياسية وضعف التسيير والتخطيط .
ومن أجل أن تقوم الحكامة لابد أن نستحضر تكامل كل من عمل الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، فلا يعقل أن نتحدث عن حكامة دون تكريس المشاركة والمحاسبة والشفافية. فالحكامة توجد في ظل الديمقراطية الإدارية للمسؤولين في وظائفهم العامة ومؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي ضرورة وجود نظام متكامل من المحاسبة والمساءلة السياسية وتطبيق فصل الخاص عن العام وحماية الشأن العام من تعسف الشأن الخاص، والقدرة على محاسبة المسؤولين عن إداراتهم للموارد العامة.

معايير الحكامة :

وللحكامة معايير مختلفة يتطلب الاهتمام بها واستحضارها حتى نتمكن من الحديث عن حكامة رشيدة، وهي :
_ تحقيق دولة القانون .
_ إدارة القطاع العام في جو ديمقراطي .
_ السيطرة على الفساد والقضاء عليه .

ecolemar.jpg

1- مقدمـــة
راهنت المدرسة الحديثة على التخلص من أردية الشحن والتلقين والإلقاء، لتؤكد على مركزية المتعلم وإيجابيته في الموقف التدريسي، نابذة الممارسات التربوية التقليدية التي كان المدرس يحتل فيها قطب الرحى في العملية التعلمية، تخطيطا وإلقاء، تقويما وهندسة لعدته، صار التعلم هنا يعتمد على البحث والاستقصاء والاكتشاف، (لا يركز على الحفظ والتلقين وإنما على تنمية التفكير والقدرة على حل المشكلات وعلى العمل الجماعي والتعلم التعاوني)[1].
فتفعيل المتعلم يتم من خلال تجاوز مرحلة التلقي السلبي ومجرد الاستهلاك نحو تنمية التفكير الإبداعي لديه، وجعله شريكا وبانيا للدرس عبر توفير الشروط الكفيلة بذلك. ولا تتأتى هذه المشاركة إلا من خلال إعداد قبلي من المتعلم وبواسطة تشغيله.
ولعلنا حين الحديث عن مرحلة الإعداد القبلي نلفي أنفسنا أمام موقفين مختلفين ، أحدهما يؤكد على أهميتها ومفصليتها في بناء الدرس، أما وجهة النظر الثانية فتذهب إلى لا جدوى ذلك خصوصا في مكون القراءة ومع تبني القراءة المنهجية ، مادمنا نتحدث عن توقع المعنى وفرضيات القراءة اللتين تنطلقان من كون القارئ يصطدم لأول وهلة بالنص، وينسج معه علاقات تقبل، ودهشة لا تتأتى والتحضير القبلي للدرس. فيما يذهب رأي ثالث، وهو المتعلق بالآباء والتلاميذ، إلى اعتباره عبئا إضافيا يثقل كاهل المتعلم ويقيد حريته، فضلا عن كثرة المواد المطلوب منه إعدادها. فيستحيل الواجب المنزلي إلى عقوبة يؤديها المتعلم دون رغبة منه أو تفاعل.
تأسيسا على ما سبق، تتبلور أمامنا إشكالية مؤداها كيف يتم الاضطلاع بالإعداد القبلي حتى يخدم الدرس ويستحث عقول المتعلمين ويحفزهم على التفكير والتأمل والتعلم الذاتي؟ وما هي الإستراتيجية القمينة بجعلهم شركاء في الموقف التعليمي، يشاركون بحرية ووعي وإيجابية انطلاقا مما أنجزوه من إعداد قبلي؟؟
يتفرع هذان السؤالان إلى مجموعة أسئلة فرعية: ما هو الإعداد القبلي؟؟ ما هي وظيفته؟؟ وما هي الأخلال التي يعاني منها اليوم داخل فصولنا الدراسية؟؟


 2- مفهوم الإعـــــــــــداد القبلــــــي

الإعداد القبلي أو الواجب المنزلي هو مجموعة من الأنشطة والإجراءات التي يكلف بها المدرس تلامذته تهييئا للدرس الجديد، وتحفيزا لهم على المشاركة في بنائه. إنه (إستراتيجية قبلية للتعلم الذاتي من خلال أنشطة منزلية... تحفز ذات التلميذ الفاعلة على البحث والاكتشاف والاشتغال في موضوع المعرفة، فيحصل التفاعل بين الذات الفاعلة للتعلم وموضوع التعلم. فيكتسب بذلك معارف ومواقف ومهارات تؤهله للانخراط في سيرورة الفعل التعليمي/ التعلمي داخل الفصل وخارجه[1])، والإعداد القبلي وسيلة من وسائل تفريد التعلم إذ يتركز على احترام فوارق المتعلمين وخصوصياتهم. فالفصل الدراسي ليس منسجما، بل مجموعة من العضويات المختلفة، تتمايز قدراتها ومؤهلاتها وكفاءاتها الإدراكية تماشيا مع المقاربات الحديثة التي استدلت على هذه الاختلافات والتمايزات نذكر من بينها ذكاءات كاردنر المتعددة، نظريات التعلم الحديثة، فارقية التعلم وغيرها.
وبالمدرسة المغربية  يستمد الإعداد القبلي مشروعيته من مجموعة من المرجعيات أهمها ميثاق التربية والتكوين خصوصا في المادة السادسة منه حيث يؤكد على أن الإصلاح ينطلق من (جعل المتعلم بوجه عام، والطفل على الأخص في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التربوية التكوينية، وذلك بتوفير الشروط وفتح السبل أمام أطفال المغرب ليصقلوا ملكاتهم، ويكونون متفتحين، مؤهلين وقادرين على التعلم مدى الحياة)[2].
أما البرنامج الاستعجالي باعتباره نفسا جديدا للإصلاح فقد (ارتكز على مبدأ جوهري موجه يقوم على جعل المتعلم في قلب منظومة التربية والتكوين، وتسخير باقي الدعامات الأخرى لخدمته)[3].
في حين يؤكد منهاج اللغة العربية بالتعليم الثانوي الإعدادي في أسسه التربوية على أن المتعلم يشكل محورا مركزيا داخل العملية التعلمية باعتباره الغاية التي ينبغي أن تنتهي عندها الأهداف العامة المتوافق عليها اجتماعيا وتربويا ، ومن ثمة ضرورة الانتقال من التعليم إلى التعلم عبر ترسيخ مبدأ التعلم الذاتي الذي يمكن المتعلم من الوعي بمسؤوليته في العملية التعلمية انطلاقا من ثنائية تعزيز المكتسب و الحافزية الذاتية لتحصيل المستجد[4].

ولعل الناظر في الأدبيات التربوية التي اهتمت بعملية الإعداد القبلي سيفاجأ بندرة البحوث وقلتها باستثناء الدراسة التي أعدها الباحث محمد بن عبد الوهاب تحت عنوان : " الإعداد القبلي للمتعلم،دعم لشروط التعلم الذاتي،الصادرة عن إفريقيا الشرق سنة 2004    ، فضلا عن بعض الإشارات المتفرقة في بعض المراجع الأخرى .

3- الأخلال التي تعترض الإعداد القبلي
شفت معاينتي خلال الزيارات الصفية الأخيرة عن مجموعة من الاختلالات التي تشوب الإعداد القبلي، ذلك أن أغلب المدرسين ينتهجون في عملية إعداد الدرس نمطا خطيا واحدا مكروراً، لا يسمح بإبراز ذكاءات المتعلمين ولا يحترم خصوصياتهم وحاجياتهم، إذ يتم الاستناد غالبا على الأسئلة المدونة بالكتب المدرسية خصوصا فيما يتعلق بأسئلة القواعد والتطبيقات، أما النصوص القرائية فيتم إعداد أسئلة تستجلي عتبات النص وخارجياته والتقاط فرضيات لقراءة المعنى، وفي أحسن الأحوال تستهدف استخراج الفكرة العامة أو القضايا المتناولة، فيصير الدرس داخل الفصل رتيبا، مجرد استنتاج لما تم إنجازه خارج الفصل، عديم الحياة، يثبط عزيمة المتعلم ويدفعه أحيانا إلى اللجوء إلى كراسات سابقيه.
وهكذا صار الإعداد القبلي عبئا إضافيا على كاهل التلميذ، ومبعث شكوى من الآباء وأولياء الأمور، أما جل المدرسين فيرون فيه مضيعة للوقت مما يستدعي وقفة حقيقية وتفكيرا عميقا في سبل الاضطلاع بتجويده وإيجاد صيغ كفيلة بجعله عاملا أساسيا في بزوغ ذات المتعلم، ودفعه للانخراط في بناء تمفصلات الدرس، والانفتاح من ثمة على محيطه وواقعه، بشكل يجعل كل تعلماته ذات دلالة بالنسبة إليه. سعيا نحو جعل المتعلم مركز الاهتمام. فتتغير بذلك (وظائف المدرسة من مدرسة التلقين والتلمذة السلبية، وبيداغوجيا التخزين والشحن والإلقاء والعرض والاستظهار، إلى مدرسة البناء والتفاعل والتنشيط والمشاركة، والانفتاح على الذات والمحيط القريب والبعيد، والغاية من ذلك أن المعرفة المدرسية لها نفعيتها الخاصة بالنسبة للمتعلم ونفعيتها العامة بالنسبة للمجتمع[5]). 

4- وظيفة الإعــــــــداد القبلي
يمكن رصد مجموعة من الوظائف التي يضطلع بها الإعداد القبلي، من ذلك:
-إثارة ذخيرة المتعلمين، وحفز تمثلاتهم لاستقبال الدرس الجديد وتهييئهم للمشاركة والانخراط في بنائه.
_تمهير المتعلمين وتدريبهم على مهارات البحث والاكتشاف وتربيتهم على الاختيار من خلال تكليفهم بمهام سواء فرديا أو في مجموعات. فضلا عن إشاعة روح المسؤولية وتنمية الشعور بالاستقلالية.
-حفز المتعلمين على التأمل في أفكارهم ومكتسباتهم وقياس درجة نجاعتها عبر التقويم الذاتي.
_فسح المجال أمام المتعلم  لتعبئة موارده ومعارفه واستثارتها لمواجهة الوضعيات التعلمية المستجدة حتى يستطيع تطبيق ما تعلمه ونقله إلى الواقع المعيش.
_تشجيعه على المبادرة واتخاذ القرار بدل الانكفاء على ذاته والاقتصار على التلقي وشحن الذهن بمعارف جامدة بعيدة عن محيطه، لا تثير فيه سوى مزيد من السخط وتثبيط العزيمة.
-حفزه على التعلم الذاتي وشحذ همته لتتجه نحو الاستكشاف والملاحظة والاستقصاء.
وهذه الأهداف تبقى غير ناجعة ما لم يُراع المدرس عند وضع أسئلة الإعداد القبلي الفوارق بين المتعلمين مستهدفا تلبية حاجاتهم معرفيا ووجدانيا وحس حركيا لذلك ينبغي (تفريد العمل التربوي وإعطاؤه في صيغة وصفات فردية تناسب خصائص كل فئة من التلاميذ داخل القسم)[6].  
ومن المواصفات التي ينبغي احترامها عند تهيئ أسئلة الإعداد القبلي أن تكون واضحة مختصرة، متنوعة، تتدرج من السهل إلى الصعب، مناسبة لمستوى المتعلمين، محفزة لعقولهم، مستثيرة جوانب الفضول عندهم، مبتعدة ما أمكن عما تحتويه الكتب المدرسية مراهنة على أنشطة التدريب والتمهير، والتعبير الشخصي درءاً لكل لجوء إلى إعادة القول أو استنساخ الانجازات السابقة التي تحبل بها كراسات التلاميذ القدامى (انظر الإعداد القبلي للمتعلم، محمد بن عبد الوهاب،2004،ص:40_41)

5- نحو إستراتيجية بديلة لبناء إعداد قبلي فعال
مادامت المقاربات التربوية الحديثة تتبنى التعلم الذاتي والنشط، وتبوئ  المتعلم مكانة كبرى جاعلة منه مركز العملية التعليمية، فإن على المدرس أن يفسح المجال لمتعلميه كي يبزغوا، وينخرطوا في بناء تعلماتهم، ينبغي عليه أن يضعهم أمام وضعيات/ مسائل تستفزهم وتخلخل أفق انتظاراتهم، لها ارتباط بواقعهم، وبمعيشتهم منتصرا لنهج التعاقد والتفاوض وذلك بإقناعهم بالوعي بمهنتهم بتعبير روجرز، وضرورة التعلم بشكل مغاير يجعل منهم شركاء نشيطين ومبدعين.
ومن الاقتراحات في هذا الصدد، أسوق مجموعة من الأنشطة:
-وضعهم أمام مشكلات حقيقية تحيل على الواقع
-إنجاز مقابلات واستجوابات حول ظواهر معينة
-القيام بأبحاث ميدانية
-جمع ملفات ووثائق لها علاقة بالدرس.
-تشخيص الأدوار عبر محاكاة وضعيات عايشها المتعلم أو عاينها، وذات صلة بالمجال الدراسي أو الموقف التعليمي.
-التعلم في إطار مجموعة عمل
-التدريب على مهارات معينة (التقرير، التلخيص، كتابة رسالة، المقارنة...)
أما تحفيز المتعلم في مكون القراءة فعادة ما يعتمد على إجراءات نذكر من بينها:
-تقديم لغز وتقسيم المتعلمين إلى مجموعات مصغرة لاقتراح حلول أولية لهذا اللغز[7].
-توزيع صور ومطالبة المتعلمين بالتعليق عليها، وإبراز مكوناتها مع الوقوف عند دلالة الألوان...

-اعتماد شبكة عند تفكيك العنوان

العنوان

 

طبيعته    بنيته التركيبية           بنيته المعجمية            الدلالة        علاقته بالنص    تجسيد مشهد معين؛

-تحويل نص من نمط إلى آخر؛

-ملء الفراغ أو ترتيب فقرات؛

-إنجاز حوار مع خبرات؛

-اقتراح مشاريع شخصية للمتعلمين؛

-اعتماد جدول في الشرح اللغوي يلقي الضوء على الكلمات المفاتيح.

الكلمة طبيعتها المجال الذي تنتمي إليه مرادفها الضد الاشتقاق التركيب في جمل

 

 

 -اعتماد شبكات للقراءة؛
-اعتماد بطاقات خصوصا عند الحديث عن الكاتب، مصدر النص؛
-تحديد مقاطع النصوص والتدليل على مؤشرات ذلك، وتحديد العلاقات بين الفقر من خلال جدول واصف.
وفي الدرس اللغوي، تكتسي التمارين البنيوية أهمية كبرى، في تشغيل المتعلمين وتحميسهم، وإكسابهم القدرة على التعبير الشفهي اعتمادا على تقنيات كثيرة لعل أهمها تقنية التكرار، الاستبدال، التحويل، تقنية السؤال.

6 خلاصـــة وتركيب
الإعداد القبلي مرحلة مفصلية لبناء الدرس، وإستراتيجية حقيقية للتعلم الذاتي تنظر إلى المتعلم كذات حرة مسؤولة، مبادرة متحمسة للتعلم، ومستمتعة به. وكل عملية تربوية تنزع إلى التمركز حول المتعلم، تطمح حتما إلى أن تكون فارقية، متنوعة، ومخططا لها بدقة ووضوح.

هوامش الدراسة

 1-تنويع التدريس في الفصل-دليل المعلم لتحسين طرق التعليم والتعلم في مدارس الوطن العربي. مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية-بيروت، مجموعة من الباحثين، 2008م.
2_الإعداد القبلي للمتعلم،دعم لشروط التعلم الذاتي،محمد بن عبد الوهاب ،افريقيا الشرق ،2004 ، ص 18
3_الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المادة 6، ص 10.
4_التقرير التركيبي للبرنامج الاستعجالي 2009-2012، ص 7.
5-البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بمادة اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي الإعدادي، ص 10.
6_الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي،وزارة التربية الوطنية، إصدار 12 دجنبر 2008، ص 9.
7_تحضير الدرس وتخطيط عمليات التعليم والتعلم، عبد اللطيف الفارابي، ص 110
8-تدريس القراءة الكفايات والاستراتيجيات –دليل عملي- عبد اللطيف الجابري وآخرون، ص 30.

anfasse.orgيستدعي الحديث عن بيداغوجيا الكفايات الإجابة عن مجموعة من التساؤلات نعتقد أنها، من جهة ،ستساعدنا على إيجاد موقع لها ضمن ما يسمى بالمقاربة بالكفايات، ومن جهة أخرى الوقوف على الجديد الذي يمكن أن تضيفه على مستوى التفكير في الممارسة البيداغوجية وتطويرها . من بين هذه التساؤلات ذاك المرتبط بعلاقة الإدماج كبيداغوجية بالكفايات ، وما طبيعة هذه العلاقة: هل هي علاقة يطبعها التكامل والاستمرار أم أنها علاقة تقوم على القطيعة بمعناها الابيستيمولوجي؟ ثم كيف تشتغل هذه البيداغوجيا و ما الذي تتغياه؟ و أخيرا ما الذي يمكن أن تضيفه للممارسة البيداغوجية - بالخصوص داخل مجال المدرسة المغربية التي بدأت تستنبتها وبشكل متدرج ؟
    إن الإجابة على مثل هذه التساؤلات  يفترض في نظرنا الرجوع إلى الوراء ومن ثم التساؤل عن البدايات  ، عن أصل الكفايات ؟
أولا :من بيداغوجيا الأهداف إلى المقاربة بالكفايات:
     لقد ساهم التدريس بالأهداف ، كما نعرف،في تحقيق تقدم ملموس على مستوى تنظيم و عقلنة العملية التعليمية /التعلمية حيث لم يعد هناك مجال للنوايا و العفوية و التدخل في آخر لحظة كما كان الأمر عليه في السابق.إن المدرس سيجد نفسه ، مع التدريس الهادف ،مضطرا للتفكير في كل ممارساته المهنية بما يتطلبه  ذلك من تحديد دقيق لأهداف التعلم والعدة البيداغوجية اللازمة لتحقيق تلك الأهداف من طرق ووسائل، وكذا آليات التقويم المناسبة....مع الإفصاح و الإعلان عن تلك الأهداف للمتعلمين الذين سيتحولون بموجب هذا التوجه البيداغوجي الجديد إلى شركاء في العملية التعليمية /التعلمية وليس مجرد مستقبلين سلبيين.
     غير أن ذلك لم يمنع هذه الممارسة المقننة و المنظمة والمفكر فيها بشكل قبلي  من الوقوع في نوع من الرتابة و التكرار.

lecture.jpgلا يخفى ما يكتسيه درس النصوص أو القراءة من أهمية. ورغم ما يدعيه معظم المهتمين بمناهج اللغة العربية، بكون التعبير والإنشاء غاية وباقي المكونات وسائل، فإن درس النصوص يظل رهانا كبيرا بالنظر إلى شموليته وغاياته وتحدياته.
لقد نصت مقاصد منهاج اللغة العربية صراحة على تلك الأهمية، إذ راهنت على إقدار المتعلم على فك رموز الخطاب تمهيدا لإقداره على عقدها. ولنا أن نفهم من هذا الرهان أن عملية فك رموز الخطاب هي المؤسس لعملية عقد رموز الخطاب. وهذا بالضبط مرجع تأكيدنا على أهمية القراءة وتبويئها مقام البؤرة في منهاج اللغة العربية، دون المساس،طبعا، بوحدة مكوناته وتماسكها وتكاملها.
    وإذا كان إنتاج الخطاب يشكل صعوبة كبيرة بالنسبة إلى المتعلم، فإن فعل القراءة يعد مأزقا حقيقيا، بما يفرزه لديه من أحاسيس الإحباط والاستلاب، حيث يظل النص مغلقا ومتعاليا لا يخضع لتمثلاته ورؤياه بسبب افتقاده للمهارة والقدرة على التسلل إلى أغواره ومساءلة مجاهيله وتلمس مكامنه. وأمام عجز المتعلم يستسلم درس النصوص لبراثن الإقراء لا القراءة، ويتجه صوب ما رسمه له مهندس الدرس بعيدا عن تفاعلات المتعلم وميوله، مما يفرز لديه، لاشعوريا، أحاسيس الاستلاب، إذ تغيب متعة الإدراك وينعدم الانتشاء بالإنجاز وتبقى المعرفة متعالية في برجها، ويجد المتعلم نفسه دائما في حاجة إلى وسيط للقراءة.
     إن القراءة، أية قراءة، لا تكون مجدية وفعالة إلا إذا ارتقت إلى مستوى السلطة النقدية، أي أن تكون في حد ذاتها سلطة نقدية. وإذا سلمنا بحقيقة أن كل سلطة لها صلاحيات، فإن القراءة أيضا، باعتبارها سلطة، لابد لها من صلاحيات ممنوحة ومخولة، هذه الصلاحيات ليست سوى أدوات القراءة ووسائل الزحف نحو جوهر النص واستراتيجيات تناوله وتفكيكه، وخطط الظفر بقيمة الجمالية. وكل قراءة مجردة من هذه الصلاحيات لا يمكن أن تكون ذات قيمة أو جدوى.

khelladi.jpgد. عبدالرحيم الخلادي
تقديم:
يضطلع قطاع التربية و التكوين بأدوار طليعية للدفع بعجلة التقدم في كل الدول و لدى كل الأمم... لذلك لما استشعر المغرب ما آل إليه حال هذا القطاع من مكانة حضيضية دونية، تبنى شعار الإصلاح و أرفقه بالعديد من الإجراءات القانونية و العملية و البيداغوجية...الخ، ومن ضمنها تغيير المناهج و المقررات الدراسية. ففي مادة اللغة العربية استحضر الإصلاح التربوي بيداغوجيا الكفايات و نظام المجزوءات، رافعا شعارا مركزيا هو "الجودة" و مواكبة المستجدات الثقافية و الإبداعية و النقدية؛ فأنتجت ثلاثة كتب في مستوى الثانية بكالوريا، آداب و علوم إنسانية، سأحاول التوقف عند أهمها و هو كتاب "في رحاب اللغة العربية" (الدار العالمية للكتاب – مكتبة السلام الجديدة. طبعة 2007 )، لتتبع أهم مظاهر الخلل الكامنة فيه، أو المرتبطة به، في محاولة لتقديم أسئلة الإصلاح من زوايا أخرى  لا تقل أهمية عن غيرها...      
1)    الأخطاء المعرفية:
       من أبرز مظاهر الخلل الكامنة في الكتاب المدرسي إيراد معلومات خاطئة، أو تفسيرات تجانب الصواب، فتفسد فهم التلميذ المتلقي الأول للكتاب. تطالعنا هذه الأخطاء المعرفية منذ المدخل الأول، ففي الصفحة (12) وابتداء من السطر (11) نجد حديثا عن معايير القصيدة العربية الذي حددها الناقد المرزوقي في عمود الشعر، وفيه: (( و يمكن رد هذه المعايير حسب تعبير الناقد المرزوقي إلى ثلاثة أسس هي: شرف المعنى و صحته و جزالة اللفظ واستقامته و الإصابة في الوصف)). وهذا خطأ فادح، أولا لأن المرزوقي حدد سبعة معايير، يمكن العودة إليها في مقدمة شرحه لحماسة أبي تمام، ثانيا لأن هذه الثلاثة المذكورة ليست أهم من المعايير المتبقية كملاءمة المستعار منه للمستعار له، أو التحام أجزاء النظم والتئامها...الخ ثالثا هذا تمثل تجزيئي لنظرية عمود الشعر التي لا تقبل التجزيء في مثل هذا السياق الذي وردت فيه، و قد أسهب العديد من النقاد في بيان أهمية التكامل بين عناصر العمود مشبهين إياها بفقرات العمود الفقري أحيانا و بمواد البناء المتنوعة أحيانا أخرى...

ENFANTSلقد أمست قضية " تنمية الممارسة البيداغوجية " تتربع على عرش القضايا الساخنة ضمن ملفات المنظومة التربوية في كثير من الدول ، خصوصا   المتقدمة منها صناعيا، اقتصاديا، تكنولوجيا، وتربويا.. و أضحت الجودة خلال الظرفية الراهنة هدفا و وسيلة في الوقت نفسه (1) في حين يشكو فيه الحاضر التربوي في دول العالم الثالث من عدة نواقص و قصورات و في مقدمتها الإطناب المعرفي الممل و الحشو المعلوماتي الرهيب الذي يميز المحتويات و البرامج على حساب الإبداع و الابتكار ..(2) لكن حقل التعليم و التعلم خلال السنوات الأخيرة شهد تطورات هامة لامست جل مكونات الفعل التعليمي التعلمي  و كذا تمفصلاته      و ميكانيزماته و آلياته.. و توجهت الأنظار بشكل مهم صوب الثروة البشرية حيث أن البلدان التي تحتل اليوم قوى صاعدة هي التي استثمرت في الرأسمال البشري و حسمت باكرا إصلاح و ملائمة أنظمتها التربوية (3)، و بالتالي عرفت أدوار الممارس البيداغوجي الحديث تغييرات جذرية سواء على مستوى التكوين الأكاديمي أو على مستوى الممارسة الفعلية للعملية التعليمية التعلمية، حيث بات لزاما عليه مواكبة المستجدات التي تحدث على صعيد تطبيق المناهج و المقررات التربوية من جهة، و كذا على صعيد استراتيجيات تفعيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين، و رسم الخطط البيداغوجية/الديداكتيكية المبرمجة من جهة أخرى، قصد تحقيق منتوج معرفي عالي الجودة و نسبة مهمة من الكفايات أثناء مزاولة مهمة التدريس داخل أسوار المؤسسة التربوية/التعليمية، من أجل ضمان التقدم المرغوب فيه، فضلا عن تفاديه (أي الممارس البيداغوجي) السقوط في فخ النمطية و التلقين الببغائي و الوحدة و التسلط، أو في جميع الحالات السقوط في الأمية المعرفية التي تعيق، بشكل واضح، أداءه الديداكتيكي و تكبح استمرارية اشتغاله في ظل الظروف المتذبذبة و غير المستقرة التي تعرفها الممارسة البيداغوجية الحالية، و تساهم في إغراق الوضعية التربوية في دوامة السلبية و الدونية واللاتوازن بين الكفايات المسطرة (الصناعة المدرسية) والواقع المعيشي وسوق الشغل (المنتوج المدرسي).

  الحال أن مسألة " تنمية الممارسة البيداغوجية " تعتبر مكونا غير قابل للإختزال، و بنية متكاملة يحكمها نسق محدد، كما تعتبر ذاتا لا تعرف الاستقرار؛ حيث تتشكل من جملة من الوظائف و التي تنهل بدورها من مجموعة من الفروع العلمية، و بالتالي فهي تعتبر مشروعا بيداغوجيا بخصوصيات مميزة، و مطلبا أساسيا للنهوض بأوضاع الحياة المدرسية بشكل عام.

anfasseلا تلبث حجج و دفوعات المناوئين للخطاب التربوي الاسلامي ان تتهاوى امام توافر شروط التناول الهادئ و المتجرد لاسهامات المفكرين المسلمين في الحقل التربوي و التعليمي ..وفي مقدمة هذه الشروط : التغلب على الحوائل النفسية المتولدة عن حالة التبعية و الانبهار بثقافة " الغالب" , وتجاوز القصور المنهجي لعدد من الدراسات و الابحاث ..و الذي جعل هذه الاسهامات لا تعدو كونها آراء و مواعظ و اجتهادات متفرقة , بدل ان يتم تقديمها كنظرية تربوية متكاملة تؤطرها رؤية فكرية او خلفية فلسفية !
لن ننكر غلبة الصيغ الوعظية –الأخلاقية على بواكير النتاج التربوي الاسلامي بالنظر الى نشأته في وسط فقهي " ابن سحنون , الغزالي , القابسي.." , وقصر المحتوى التعليمي على العلوم الشرعية , لكن من الاجحاف تعميم هذا الحكم خصوصا بعد انفتاح المسلمين على الثقافات المجاورة , واشتداد الحاجة للعلوم "الدنيوية" الخادمة لحركة النهضة الاسلامية .
و تأتي الاسهامات التربوية للمؤرخ و المفكر العربي عبد الرحمن بن خلدون لتشكل تحولا مهما في مسار الفكر التربوي الاسلامي , وتُثبت قدم الانشغال بقضايا تربوية يدعي "المتغربون" حداثتها و جدتها !
 
                                                          *       *        *
تبنى ابن خلدون نهجا مغايرا لمسلك الفقهاء في رصد الظاهرة التربوية , فاقراره بالعلاقة الجدلية بين "صناعة التعليم" و الناتج الحضاري لمجتمع ما دفعه الى الاعتناء الشديد بالبناء المتكامل لشخصية الفرد من خلال ارساء منهجية تربوية سليمة تضع الطفل في قلب العملية التعليمية , وتنسجم في الآن نفسه مع فلسفته العامة للعمران !
و نستعرض فيما يلي أهم مباديء هذه المنهجية :

ecolemar.jpgمقدمـة : عن الإصلاح
انطلق المغرب منذ فجر الإستقلال في مسلسل بناء نظام تعليمي يروم امتلاك المعارف الأساسية و دمقرطة التربية الوطنية. و قد كان هذا المسلسل مرآة التطور الاجتماعي و الثقافي و السياسي لبلادنا. و من شأن التحليل الموضوعي و الدقيق لذلك المسلسل أن يوضح المسار الطويل لإصلاحات تأرجحت بين الرغبة في بناء نظام تعليمي يستجيب للحاجة الوطنية للتنمية من جهة ، و الترددات المرتبطة بالرؤى السياسية المتضاربة لتلك الحقب من جهة أخرى . إن فكرة الإصلاح في المغرب تحتاج إلى بحوث خاصة ليس فقط من منظور الدولة ، و لكن أيضا من منظور التمثلات التي ولدتها لنا أفعال الإصلاح الطويلة من القرن 19 إلى الآن . والمتجلية في الخوف الذي أصبح يرتادنا قبل هذا الوقت من فكرة الإصلاح. والحقيقة أنه لم يترجم بالمغرب إصلاح إلى حدوده الكاملة. لذلك كانت صيرورات الإصلاح دائما تنتج مفعولا ضديا ، و هي أنها تهدم بنى دون أن تعوضها ببنى جديدة ، فالإصلاح يتخذ صبغة دائرية و كأن المجتمع لا يراكم. فلا إصلاح في المغرب له ذاكرة ولا إصلاح في المغرب يستمر ليبني زمنه المستقبلي.
اختلالات الميثاق الوطني للتربية والتكوين:
ورغم أن الميثاق الوطني للتربية و التكوين جاء لتجاوز خطاب الأزمة و الذي قيل عنه أنه نتاج توافق إرادي بين القوى الحية للأمة و يحتفظ براهنيته و نجاعته كإطار مرجعي لإصلاح المنظومة التربوية فإن تطبيقه في السنوات الماضية خلف اختلالات نجملها فيما يلي :
- فقدان المدرسة العمومية لجاذبيتها ، إذ ساهمت في تحطيم صورة المتعلم المثقف المناضل ، وتحطمت صورتنا عن المدرسة باعتبارها خلية ليست فقط لاكتساب الأبجدية و لكن خلية لبناء القيم فهي صانعة الإنسان المتحرر ليس بالضرورة المتحرر بالمعنى السياسي و لكن المتحرر من الجهل و المتحرر من الاندماج السهل . و تحولت المدرسة بالتالي إلى مجال لتحقيق السلم الاجتماعي . إن مدرسة اليوم لن توطن العقل حاليا ، لن تؤهل المتعلم ، لن تؤهل المدرس و لن تؤهل إداريين لإنجاز التغيير والذي من دونه لن يمكن للمجتمع المغربي المساهمة في بناء عالم أفضل ، وبالتالي تدهورت القيمة الاجتماعية والاقتصادية للمدرسة و يتجلى ذلك في تبخيس قيم العلم و المعرفة و حتى إذا افترضنا أن المدرسة العمومية لن تؤدي إلى الشغل ، فالفقر أن يقول الفقراء و المستضعفون و أشباههم " لا جدوى من المعرفة " فليس بسيطا أن يحرم الإنسان نفسه من متعة الفهم و الذكاء بحجة أولويات الحاجات البيولوجية ، و من مظاهر إفلاس المدرسة انتحار المنظومة القيمية المغربية بعد تعدد ضرائر المدرسة و انكسار المسار الحضاري للشعب المغربي .

education-maroc.jpgمعرفتنا بالواقع التعليمي المتخبط في التيه في المغرب نابع من مصادر شتى واضحة للعيان، أولها : استمرارية العقلية الإدارية البيروقراطية في مختلف الإدارات التربوية والتعليمية وممارساتها غير الشفافة تجاه قضايا هامة. وثانيا: يمكننا أن نوجز المشاكل التي يعانيها القطاع والفاعلين التربويين فيه على جميع الأصعدة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وماديا، وثالثا: التباطؤ الواضح في تفعيل مشاريع القوانين والمساطر المتخذة والمصادق عليها من الجميع، وتطبيق المذكرات الواردة والتي امتلأت بها الساحة دون تفعيل فملأت رفوف الأرشيفات داخل الإدارات، ووقفت سدا منيعا أمام اتخاذ قرارات مستجدة تهم الفئة التعليمية وتحرير المؤسسة المدرسية من التحرك نحو التغيير والانطلاق إلى الأمام.

استمرار البيروقراطية داخل الإدارة :

من الواضح، وانطلاقا من مشاكل يقع فيها رجال التعليم يوميا، ومن ظهور أشكال جديدة للتظاهر والاعتصام ضد الإدارة التعليمية والتربوية في الآونة الأخيرة، يظهر أن البيروقراطية مازالت متفشية في مجتمعنا، تتوغل بطريقة جديدة حداثية وديمقراطية. وهذا أمر قد أدى إلى بروز العديد من الاحتجاجات من طرف فئات مظلومة لم تستفد أبدا من أبسط حقوقها، ألا وهو الاستقرار وجمع الشمل الأسري. فالحركة الانتقالية التي تعلن عنها الإدارة التربوية والتعليمية بين سنة وأخرى، لا تذهب بعيدا إلى حل مشاكل فئات قد أجحف القانون بتعقيداته وتفرعاته في حقها، فجعلها في آخر الصف من حيث الاستفادة من حق الانتقال وتغيير الأمكنة ومقرات العمل، ولم تنظر بعين الرحمة تجاه أسر مازالت مشتتة، ونحو أطفال أبرياء بعيدين عن جو الأسرة. وهذا الإجحاف كان وبالا على العملية التعليمية التعلمية مما يجره عليها من ضعف في المردودية ووقوفا مانعا في طريق تقدم المسيرة التعليمية المنشودة، ومن هنا، ألا يمكن للإدارة التربوية وبشيء من المرونة أن تحل مثل هذه المشاكل حتى لا تزيد الطين بلة، وتقضي على البقية الباقية من الأمل في شق طريق الإصلاح من جديد؟ .

إن الحديث عن التعليمي بلادنا أصبح لا يعني فقط، كما يتبادر إلى أذهان البعض عملية بمثابة التقليل من شأنه أو التنقيص من ضرورته، أو حتى نفي إصلاحه وتغيير المسار الضائع الذي يمشي فيه باعتباره قاطرة التقدم والرقي إلى الأمام لمسايرة التغيرات العالمية والتحولات الاقتصادية والسياسية التي يعرفها العالم، والتي تؤثر تأثيرا واضحا على كل القطاعات بما فيها قطاع التعليم، ولو كان الحديث الذي اتخذناه منطلقا لإبداء آرائنا مقصورا على نفي "سلطة التعليم" ووجوده وضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من تأثيره على المجتمع، لكان من البداية إيضاح البعد النقدي الذي نتخذه. وبدلا من الحديث عن إرجاع سلطة شايعة للقطاع التعليمي ببلادنا التي فقدت عبر الزمن، إن بصفة مباشرة أو غير مباشرة كما يفعل البعض من كتابنا والبيداغوجيين، كان يجب الدفاع عن توجهات أخرى يحاول البعض إلصاقها بالقطاع التعليمي، لكننا في حقيقة الأمر أردنا أن نستغل مساحة ولو ضئيلة تمتد على قدر أنفسنا للدفاع عن الرمق الأخير الذي لازال تعليمنا يحافظ فيه على صحته وعافيته .
"سلطة التعليم" التي نطالب بإرجاعها إليه إذن في حديثنا هذا ليس هو تجريد القطاع من قدرته على التأثير والتأثر وعلى تحقيق أهداف سامية، بل نفي كل سلوكات الترقيع والتشتيت في النظريات المعرفية والتربوية والأفكار الواردة جاهزة من الغرب بلباس التقديس سواء كان ذلك النفي بقبرها نهائيا أو بتنقيحها تنقيحا يلبس لباس القيم المغربية والوطنية كما فعلت العديد من البلدان التي خطت خطوات عظيمة نحو الرقي والازدهار وأصبح يضرب بها المثل في كل حين .

anfasseمنذ أن تحدث آبل جونز سنة 1926 عن أن العصر الذي نعيشه هو عصر الصورة وهذا المفهوم متداول إلى يومنا هذا، وقد أشار بعده الناقد والمحلل السيميائي رولان بارت(Roland Barthes) في مقالته المشهورة "بلاغة الصورة" في مجلة "تواصلات" عدد 4 سنة 1964 بأننا نعيش "حضارة الصورة"، بالرغم من التحفظات التي أبداها بارت بشأن هذا النعت الجديد بالنسبة إليه، حيث إن حضارة الكلمة مازالت هي المهيمنة أمام زحف العوالم البصرية، مادامت الصورة عينها نسقا سيميائيا(Système sémiotique) لا يمكن، كما يرى بارت، أن يدل أو يخلق  تدلالا(Sémiosis) تواصليا إلا من خلال التسنين اللساني، فالصورة عاجزة عن أن تقول كل شيء في غياب العلامات(Signe linguistique) اللسانية، لأن معانيها عائمة متعددة، والتواصل لا يتم بتاتا من السديم، ومن العماء.
تعد الصورة بذلك من المفاهيم التي لا يمكن أن نجد لها تعريفا جامعا مانعا، لأنها موضوعة مرتبطة بجميع مجالات الحياة، بدءا من نواة المجتمع(الأسرة) مرورا بالمدرسة، وكل ما يرتبط بالتنشئة الاجتماعية(Socialisation) عموما؛ ولعل هذا ما جعل منها لا تستقر على حال.
 ففي ثقافتنا العربية نجد الصورة يتجاذبها المقدس والمدنس، إلى حد أنها وصلت مستوى التحريم لارتباطها بإعادة الإنتاج استنادا إلى المخيلة والمصورة. وفي ذلك يرى ابن منظور أن الصورة ترتبط بالتخيل والتوهم، فتصورت الشيء توهمت صورته، والتصاوير التماثيل، ولعل هذا المعنى الأخير للصورة جعلها مزدراة لأنها متعلقة بالأوثان.
أما في الثقافة الغربية فتمتد كلمة صورة إلى الكلمة اليونانية (Icon)  التي تشير إلى التشابه والتماثل، والتي ترجمت إلى  (Imago) في اللغة اللاتينية و (Image) في اللغة الانجليزية واللغة الفرنسية مع اختلاف في النطق. ويتفق معجما لاروس(Larousse) وروبير(Robert) في أن الصورة هي إعادة إنتاج شيء بواسطة الرسم أو النحت أو غيرهما، كما يشيرا إلى الصورة الذهنية(Image mentale) المرتبطة بالتمثل(Représentation).