أنفاس1.  تقديم
نحاول، في هذه المقالة، تبني التصور الذي يعتبر الازدواجية ظاهرة طبيعية لا تؤثر سلبا على تعلم الفصحى. بل إن تفاعل العامية والفصيحة يحتم البحث في التقارب، ونشره وتعميمه، واستغلاله في تعليم العربية وتبسيط تلقينها.
 2.   النسق الفصيح والعامي: خصائص  ومواقف
تعود الازدواجية العربية إلى ما قبل الإسلام1. شكّلت موضوع الدراسات الأدبية وفقه اللغة منذ القرن التاسع عشر.2 ولقد انبنت معظم التصوّرات حول هذه الظاهرة على اختلاف النسقين "الفصيح" و"العامي". اعتُبرت الفصحى نظاماً مقنّناً ومعقّداً نحوياً، تستعمل لأغراض الكتابة والشؤون الرسمية، وفي مجال الدين  والسياسة، توصف باللغة المعيار، وتعد اللغة المشتركة (lingua franca) بين كل بلدان العالم العربي، مما يجعلها تتجاوز الخصوصيات المحلية.
تتوفر على ثمان وعشرين صامتاً وثلاثة صوائت طويلة، وثلاثة أخرى قصيرة. أساسها نظام صرفي (inflectional) يقوم على الإعراب والنهايات الصرفية (models endings) التي تتجلى في نظام ثنائية الأفعال والأسماء والضمائر. وتتميّز بمعجم غنيّ يتضمن وحدات معجمية متعددة بالنسبة للمعنى الواحد. كما تتعدد فيها مصادر الأفعال وجموع الأسماء. ولها للمؤنث علامة وللمثنى أخرى وللصفات نهايات، مثل /an-/ وللموصولات أشكال مختلفة.
تُوظف، في المقابل، العاميات العربية في الحديث اليومي، وتستعمل في القطاعات غير الرسمية، تختلف من بلد إلى بلد، ومن منطقة إلى منطقة في البلد الواحد. تهيمن في أشكال الفن والثقافة الجديدة من نوع الأغنية والمسرح والسينما والرواية والقصة القصيرة. وتُستعمل، للأغراض الأيديولوجية في مخاطبة الكتلة بهدف التضامن. وهي، بخلاف الفصحى، لا تحظى بالاحترام، بل قد يُقرن استعمالها بالجهل والأميّة. و ليست مكسباً إضافياً، لأنها تكتسب، ولا تُتعلَّم.

أنفاسيأتي النمط التشاركي في الإدارة المدرسية على طرف النقيض من الأنماط السلطوية في الإدارة، فهذا النمط من الإدارة التشاركية ينظر إلى العاملين في المدرسة من خلال النظر إلى أعمالهم كافة، وليس مجرد منفذي للتعليمات التي تصدر من المستويات العليا في الهرم الإداري في المدرسة أو المؤسسة التعليمية، وإنما كأشخاص قادرين على تحمل المسؤوليات والمشاركة في التصدي إلى المشكلات ووضع الحلول المناسبة لها, والمساهمة في وضع الخطط والسياسات إذا منحوا الفرصة.  ويوفر هذا النمط التشاركي المناخ المؤسسي الإيجابي الذي يدفع في اتجاه تحفيز الطاقات الإبداعية لدى العاملين في المؤسسة التربوي .(Mcgreger,1960:51)
أولاً: مفهوم النمط التشاركي في الإدارة المدرسية
إن النمط التشاركي في الإدارة، كما يعرفه كيث وجيرلينج  (Keith & Girling, 1991:27)، هو ذلك "النمط الإداري الذي يقوم على المشاركة "النظامية" و"الملموسة" للعاملين في المؤسسة في عمليات صنع القرارات المتعلقة بسياسات المدرسة ومهامها ومشكلاتها".
لقد جاءت كلمة "نظامية" ترجمة لكلمة (Regular)، التي يقصد بها الكاتبان بأن المشاركة صفة ضرورية للنمط الإداري في المؤسسات، وكلمة "ملموس" ترجمة لكلمة  (Significant)، وذلك من أجل تمييز المشاركة التلقائية التي تحدث في المدرسة حتى ولو كانت تمارس بشكل سلطوي، كأن يفوض المدير مسؤولية الصف للمعلم (Vann,1992:30) لتتعدى إلى المشاركة على مستوى صناعة القرار المتعلق بالمناهج وصياغة الأهداف التعليمية والتصدي للمشكلات، ومناقشة السياسات ونقدها، واقتراح البدائل الملائمة.
ويرى (Vann,1992:30) أن الأخذ بالنمط التشاركي في الإدارة المدرسية يتطلب توافر شرطين ضروريين هما:
1. توفر درجة عالية من الثقة المتبادلة بين العاملين في المؤسسة التربوية، إضافة إلى الثقة بالنفس لدى المديرين أو العاملين.
2. توفر مستوى عالٍ من القناعة بمفهوم القيادة التشاركية، وصناعة القرار على أساس تعاوني.
ثانياً: مبررات استخدام النمط التشاركي في الإدارة المدرسية
لقد حدث الكثير من التغيرات في واقع المدرسة المعاصرة، وفي تصور المجتمع لها ولدورها، بحيث أصبح هذا التطور يجد في النمط التشاركي في الإدارة المدرسية اقتراباً أنسب لروح العصر ولواقع المدرسة نفسه، ويمكن إجمال هذه التطورات بما يلي:

أنفاستتداول أدبياتنا التربوية في الآونة الأخيرة مصطلحات رنانة من قبيل الجودة والحكامة والمر دودية أو الإنتاجية ، لكن اجتهاد منظرينا في تفسير معانيها واستعراض تعار يفها ، لم توازه الإرادة الصادقة في التطبيق ، حيث مازال سوقها غضا لم يشتد عوده بعد ، في المقابل ، توالت الإخفاقات وتفاقمت المعوقات على الساحة التعليمية والتي استحالت إلى عقبات مستعصية عن الحل .
هذا الوضع المتردي رفع أصوات هيئة التدريس بالتذمر والشكوى من تخلف السياسات التعليمية، وعدم ملاءمة البرامج من حيث الكم والكيف ، الأمر الذي انعكس سلبا حتى على المدرسين أنفسهم فقابلوا الإهمال بالإهمال ،مطبقين قاعدة السن بالسن ، وهذا أمر غير محبذ من فئة ألفناها مضحية على الدوام .
إن العديد من المدرسين يرجعون ضعف المردودية إلى رداءة المناخ التربوي بشكل عام ، ورغم صحة هذا الطرح بنسبة كبيرة ، إلا أن هناك أسبابا أخر من قبيل عتاقة طرائق التدريس ، التي لا زالت تحتفل بالتلقين وحشو المعارف ، بدل التربية على الإبداع وتنمية القدرات والمهارات، وبناء الكفايات التي تمكن المتعلمين من مواكبة التغيرات،  وتلبية الاحتياجات المتجددة في مستقبل يتغير بسرعة.
لابد من القول أنه لا يمكن أن ننتظر شيئا كثيرا من شخص يحس بأن هويته المهنية تهتز شيئا فشيئا،  مادامت مهنته مغبونة حتى من أقرب المقربين ، ...وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ....هذا الغبن المفضوح ولد خوفا مرضيا لدى العاملين بالقطاع ، فأصبحوا يخافون من المستقبل والمسؤولين والمتعلمين والآباء....من كل شيء ومن لا شيء .  فهل نرجو بعد كل هذا إبداعا وخلقا ومردودية من شخص اجتمعت فيه هذه المواصفات ؟
من المحقق أن غياب التحفيز المادي والمعنوي ، يساهم بشكل فعال في تدني المردودية ، فما دام الوضع الاعتباري للمدرسين آخذا في التناقص بشكل مقصود ، وما دامت سياسة التجويع والتفقير هي الملازمة لأهل الدار ، ومادامت رغبة التمدرس لدى المتعلمين شبه منعدمة ، في ظل سيطرة وسائل الإعلام وثقل البرامج وانعدام التواصل ، فإن الحديث عن المر دودية هو العبث بعينه .

أنفاستوطئة:
إنّ العولمة، كفكرة، ليست جديدة، بل هي قديمة قدم المُثل اليونانيّة، مروراً بسيادة الفصحى لهجة قُريش، انتهاءً بالحداثة الغربيّة... أيضاً بما يتعلّق بالعلوم من اجتماعيّة وطبيعّية ودقيقة.
أدرك ضرورة التّوضيح.
بداية التّوضيح؛ إنّ العولمة لا تحمل من الوضوح، كفكرة يرغب من يرغب بتحقيقها في عالم الاقتصاد1، سوى خط واحد: دستور اقتصاديّ عالمي واحد (Constitution of a single global economy) كما صاغها (رينيت روجيرو) من كان المُدير العام لمُنظّمة التجارة العالمّية (WTO).
المُفرد الواحد هو الكلِمّة وهو المُمارَسَة.
الواحد، سُلطة وأشياء أخرى.
ما سأفعله في بضعة سطور مُقبلة، هو الإشارة إلى حدّة التّناقض بين العولمة، بوصفها لا تتميّز إلا بالواحد، وبين الفردانيّة والجمع... مُبيّناً إسقاطاتها على شخصنا وعلى حياتنا.
بين فردانية بين مفرد:
بينما الواحد، من حيث تعريفه، لا يقبل سوى نفسه وسُلطته، تحمل الفردانيّة داخلها، من حيث تعريفها، ضدّها.
أبدأ بتعريف الفردانيّة لأنتقل من بعدها إلى تعريف المُفرد، مُظهراً كيف أنّ الإنسان، في تاريخه المغرور به، على الرغم من أنّ الفردانية هي ما يولد معه الإنسان2، كان دائم المُحاولة لخلق الواحد والالتصاق بالمُفرد فكراً ومُمارسة 3. الفردانية، الهو الفاعل، لا نهائيّة الحدود من ناحية، وبشكل تناقضيّ، مُحدّدة، تنبع لا نهائيّة الفردانيّة من كونها أبداً غير تامّة التّبلور أبداً دائمة التغير تراكمياً، أي أنها أبداً في صيرورة تراكمّية مُتحوّلة 4. وبكونها مُتحوّلة, ثانياً، فهي تتضمّن المُمكن. والمُمكن، من حيثُ تعريفه، غير حتمي الحدوث غير مُحدّد المعالم، وبكونها تتضمّن المُمكن اللاحتمي الحدوث غير مُحدّد المعالم، ثالثاً، فهي تحمل بُعدي الحضور والغياب في آن: ما هو موجود في حيّز الواقع وقد يكون ظاهراً، وما هو موجود في حيّز المُمكن وقد يأخذ تجسّده وقد يظهر. وهنا، عليّ الإشارة إلى أنّ الغياب، في سياق الحديث عن المُمكن ضمن لا نهائية حدود الفردانيّة، يحمل من المعاني أكثر من واحد، يعنيني في هذه اللحظة:

أنفاسربما حان الحين لنميط اللثام عن أفكار ظلت تراودنا ردحا من الزمان ، كان هدفنا منها كشف النقاب عن بعض العلل التي لازمت جسمنا التعليمي، ولا زالت تنخر كيانه العليل ، طالبين خلالها من القائمين على الشأن التربوي ، والساهرين عليه تنظيرا وتنفيذا ، أن يأخذوا بها – رغم بساطتها – إن أرادوا أن يرضوا نفوسنا التواقة إلى وضع أفضل مما هو كائن، فنحن نريد تعليما حقيقيا، منتجا ، فعالا، مواكبا لروح العصر وتحديات العولمة المتوحشة.
إن مشكلتنا الأساس ، أننا درجنا – منذ أن تخلينا عن دورنا الريادي في الحضارة الإنسانية – على استيراد متطلباتنا في شتى المجالات من عوالم أخرى ، بعيدة كل البعد عن طبائعنا ومعتقداتنا وهويتنا ، والغريب في الأمر أن ذلك لا يرجع إلى نقص أو خصاص في الطاقات المحلية الخلاقة والمبدعة ، وإنما لولعنا المزمن بكل ما هو آت من الغرب ، فحق علينا قول ابن خلدون بأن المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب.
إننا نفتقد الشجاعة اللازمة لمواجهة حقيقة تخلفنا التعليمي والاقتصادي والاجتماعي وهلم جرا، فنحن مستغرقون بوعي أو بدونه ، في قرار مكين يستحيل الخروج منه بشكل سريع.
إن التعليم هو الوقود الذي يحرك مجتمع المعرفة ، ولهذا يجب أن يسعى المجتمع بمكوناته كافة ، من أجل الحفاظ على بريقه وتوهجه . وتحقيقا لذلك يجب البدء بتغيير بعض المصطلحات التي لم يعد لها مكان في عصر التكنولوجيا، ونظم الاتصال المتطورة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، استبدال التعليم بالتعلم ، فهذا الأخير أكثر مواءمة ، وهو الأنسب في الظروف الراهنة لما يعرفه العالم من انفجار معرفي ، فقد أصبحت المعلومات مطروحة في الطريق يأخذها العربي والعجمي ، كما آن الأوان لتفعيل بعض الأقوال المأثورة التي طالما زينا بها إنشاءاتنا في صغرنا ، ومنها التعلم من المهد إلى اللحد ، فقد فرضت الضرورة هذا المبدأ ، وكل من حدد تعليمه أو وضع له سقفا زمنيا يتوقف عنده ، يصبح مهددا بالأمية والجهل ولو بعد حين..والأدبيات التربوية الحديثة فعلا ، غدت تنادي مؤخرا بالتعلم مدى الحياة ، ما دامت الشبكة العنكبوتية قد نسجت خيوطها في أغلب البيوت ، فما عاد هناك من عذر أمامنا للتعلم ثم التعلم ولا شيء غير التعلم.

أنفاسمن بين الدراسات الميدانية المغربية في موضوع التخلف الدراسي نجد دراستين إحداهما لعبد الكريم غريب تحت عنوان "التخلف الدراسي – دراسة نظرية وميدانية في المدينة والبادية " والثانية لمحمد الدريج بعنوان
"Le retard scolaire au Maroc –étude psychologique de certains de ses facteurs "
و سنقوم باستعراض هاتين الدراستين بشكل موجز من خلال الفرضيات التي انطلقت منها كل دراسة . و أداة البحث المعتمدة و كذا عينة البحث التي أجريت عليها الدراسة , إضافة إلى النتائج التي توصلت إليها كل من الدراستين . لننتهي بعد ذلك إلى مناقشة النتائج التي توصل إليها كل من الباحثين  في دراستيهما .
1- دراسة عبد الكريم غريب : (عبد الكريم غريب -1991)
تعتبر من الدراسات المغربية في هذا المجال , و هي دراسة نظرية و ميدانية في المدينــة و القرية .
يرى عبد الكريم غريب أن ظاهرة التخلف الدراسي ليست ظاهرة عابرة لحظية مؤقتة بل إشكالية تكاد تكون مزمنة , صاحبت المدرسة المغربية منذ تأسيسها إلى اليوم .
في الشق النظري للدراسة قام عبد الكريم غريب بتحديد مفهوم التخلف الدراسي وتمييزه عن مفاهيم أخرى ( الضعف العقلي والتسرب , الشذوذ النفسي ) .
ثم أعطى نبذة تاريخية عن هذه الظاهرة وتجلياتها في نسق التعليم المغربي , انطلاقا من فترة ما قبل الحماية ثم إبان الحماية وصولا إلى فترة الاستقلال .
أما في ما يخص الشق الميداني للدراسة , فلقد حاول حصر ظاهرة التخلـــف الدراسـي و التعرف عليها مع محاولة الوصول إلى تحديد وفهم أهم أسبابها , ليقوم بعد ذالك باقتراح بعض الحلول لمعالجتها .(عبد الكريم غريب - التخلف الدراسي- 1991)

أنفاسيعيش المتعلمون ظروفا لا تربوية قاسية ، فور إحساسهم بانعدام العدل داخل الفصول الدراسية ، مما يسبب لهم الكآبة ، ويؤدي بهم إلى النفور والثورة ، وأحيانا إلى العنف كتعبير سلبي عن الرفض وعدم الرضا .
إن العدل داخل الفصل شكل من أشكال احترام حقوق المتعلم ، فمتى أحسن هذا الأخير بأن حقه في التعلم محفوظ ، ومساواته مع غيره مضمونة ، تقل أسباب الثورة لديه وتنتفي دوافع العنف المضاد .
والعدل التربوي –إن صح هذا التعبير – يتخذ أشكالا عدة ، فيمكن تلمسه مثلا في تبادل الأفكار والمعلومات بين المدرس والمتعلمين بشكل عادل ونزيه ، في نطاق من الاحترام المتبادل لحق الغير في التعبير والمساواة. كما يمكن أن يتمظهر في حالة العقاب أو الزجر ، والعدل يكمن هنا في تفادي التحيز والتمييز أثناء معاقبة المتعلمين، إما لدواع اجتماعية أو عنصرية. فالمتعلمون الصغار أكثر ملاحظة لنوعية ردود أفعال المدرسين عند  الزجر أو العقاب ، خاصة عند تشابه مخالفاتهم .
ما قلناه عن عدالة العقاب ، يمكن تعميمه على عدالة الجزاء والثواب ، فالمتعلم يحس بالحرمان والظلم عند انتفاء عدالة التوزيع لدى المدرسين ، توزيع التعزيزات والحوافز والعلامات وما يرتبط بها . فالمتعارف عليه  والعادي جدا ، أن تكون العلامة الكبرى للمتفوقين والدنيا للمتعثرين ، والمساواة بينهما ظلم سافر لكليهما لوجود فروقات واقعية بينهما ، في الذكاء، والقدرات العقلية، والسلوك، ودرجات التركيز والانتباه ، إضافة إلى اختلاف الميولات والدوافع والرغبات .
على أنه يجب على المدرس في هذه الحالة أن يراعي هذه الفروقات أثناء بناء تعلماته ، محاولا تقليص الهوة بينها باختيار التقنيات البيداغوجية المناسبة والبرامج الأنجع في التنفيذ ، مع فتح المجال أمام الجميع لإبراز المكنونات وتطوير القدرات ، بعيدا عن نظام الامتيازات ، الذي يرمي المحرومين داخل الفصول في دوامة من البؤس والشقاء ، ويكدسهم في فئات متمردة ترفع صوتها ، عندما يبلغ السيل الزبى ، مطالبة بحقها في المساواة ، ويكون رد فعلها في البداية بالنقد الصامت الخفي ،الذي يتحول إلى اعتراض علني ، ثم تظاهر عفوي ، فإضراب سلمي محدود،  يكون مثلا برفض المشاركة في الأنشطة والتفاعلات الصفية ، وقد ينتهي بالعنف حسب نوعية العلاج وكذا نوعية المتضررين، وبيئة تواجدهم، ودوافع ثورتهم .

أنفاسهناك ظواهر اجتماعية خفية ، في كثير من المؤسسات التعليمية ، لم تولها الدراسات التربوية والبيداغوجية، والسيكولوجية اهتماما بالغا ، حتى يتأتى لها أن  تبرز إلى سطح الوجود ، وتصبح بالتالي قابلة للرصد والدراسة ..  بل بقيت هذه الظواهر، حبيسة جدران المنظومة التربوية . يتحدث عنها المعنيون بها، والمكتوون بنارها في صمت ، أو من  وراء حجاب ... هدَه الظواهر في شموليتها لاتنتظمها  في الأغلب الأعم ، القوانين والتشريعات ، بل تخضع للأعراف المتعامل بها ، والتقاليد المتوارثة ،  والنظرة السائدة بين جميع الفاعلين التربويين ..والتي يطبعها أحيانا  المزاج الشخصي ، والانفعال ، والذاتية ..  دون تحكيم المنطق .. والاحتكام إلى القوانين والتشريعات المنصوص عليها..
ومن بين هدَه الظواهر : العلاقات السائدة داخل الحياة المدرسية ــ بين جميع الأطراف ــ و التي لاتتسم في غالب الأحيان  بالشفافية ،والديموقراطية ، ونكران الذات ..   وعدم تغليب الجانب الإنساني ... وبالتالي فقنوات التواصل ، والحوار، والتفاهم البناء ، ضيقة إلى أبعد الحدود....
 ونتحدث هنا عن العلاقات داخل الفصول الدراسية ــ أي بين المدرسين وتلامذتهم  ــ أوخارج الفصول الدراسية ــ أي بين الإدارة التربوية ، وبين الأعوان ، وبينها ، وبين التلاميذ ، والمدرسين ، وبين هؤلاء جميعا  وبين آباء وأمهات التلاميدَ  ــ أو خارج أسوارالمؤسسة ــ أي بين الإدارة التربوية، وبين مجموع أطراف المجتمع المدني ومكوناته . فهدَه العلاقات كلها تتسم بشيء من الحيطة والريبة والحذر . فهل هدَه الأشياء كلها لها علاقة بالمنظومة التربوية ..  هل تلعب دورا إيجابيا في تطويرها والسير بها إلى الأمام ؟؟ أم هي شي ء ثانوي لا يجب الالتفات إليه . ولايمس بنية التعليم في شيء ..
لعل الثقافة السائدة في مجتمعنا، والتي تتسم بتقليديتها، وتغليب الجانب التسلطي ، والباتريريكي / الأبوي .. هي التي تحدد السلوكات البشرية ،  وتنعكس على الممارسات الحياتية واليومية ،  في جميع القطاعات الخدماتية والوظيفية  بما فيها التعليم ..
 هذه التسلطية وأسلوب التحكم ، وإبراز النرجسية المفرطة ، أو ممارسة السادية أحيانا أمام الآخر، تجد لها صدى في أسلوب التعامل بين فئات متساكنة متجاورة ، أو تعيش بين جدران واحدة ، كما هو الشأن في المؤسسات التعليمية .

أنفاس ما أحوج منظومتنا التربوية إلى الفعل المقاوم ، إذ تكالبت عليها معاول الهدم من كل جانب ، ونخرتها العديد من الأمراض ، وعلى رأسها الاستخفاف وانعدام الرغبة الحقيقية في الإصلاح . وما عاد بالإمكان أن يدعي أحد الجهل بحقيقة تردي أوضاعنا التعليمية .
 إننا نعيش فترة تربوية حالكة تستدعي وقفة شجاعة للمحاسبة ، ووضع القاطرة على السكة الصحيحة . فتعليمنا يواجه إقصاء فعليا من المجتمع والحكومات المتعاقبة ،باسم انعدام المردودية واللا جدوى .
لقد أصبحت الأمور واضحة لدى المواطن العادي ، فمنذ أن غدت سياساتنا التعليمية أسيرة املاءات غربية يتحكم خلالها صندوق النقد الدولي في نسب النجاح والاكتظاظ ، ونوعية البرامج وطرق التدريس ، وعدد المدرسين ونمط تكوينهم ،تراجع التعليم العمومي خطوات كثيرة إلى الوراء ، ليفسح المجال للوبيات التعليم الخصوصي ،التي غزت سوق التربية كالفطر، ليعمل الجميع من أجل الإجهاز على آخر معقل للمجانية ، باعتبارها أكبر معرقل للتقدم وأوضح مسبب للتخلف .
لقد سنت البرامج الوافدة أسلوبا ماكرا هدفه الظاهر تحديث منظومتنا التعليمية لتواكب تحديات العولمة التي لا ترحم ، أما الهدف الباطن فلا يكاد يخفى عن المتبصر الغيور ، فهذه البرامج تسعى إلى إفراغ تعليمنا من مضمونه، وإفقاده لهويته ودوره الحضاري ، فهي تكرس نوعا من التبعية في شتى المجالات ، مما يخنق الإبداع وروح الابتكار الضروريين لكل تقدم ونماء .
لقد عمل أعداء التعليم في الداخل والخارج على جعل المجال التربوي حقل تجارب دائم ، بطريقة منسقة محبوكة ، فما إن نضع الأصبع على مكمن الخلل ، ونشمر جادين عن سواعدنا لمعالجته ، حتى تتغير الأمور ، فنعود إلى نقطة الصفر ، ليصيبنا الإحباط من جديد فتركزت في ذواتنا عقدة النقص وآمنا بالعجز يغزو الهمم والقلوب .
وكيف لا يتسرب الريب إلى  قدرتنا على الخروج من هذا النفق المسدود ، حين نرى اليوم ما أصاب مستوى متعلمينا من ضعف بين، غدا موضوعا للتندر والتفكه في المجالس ، ناهيك عن التشويه الممنهج الذي يطال صورة الفاعلين التربويين عبر منابر إعلامية يفترض فيها الحياد والعقلانية .

أنفاسمن الظواهر السلبية التي لازمت مجتمعنا ولا زالت ، غياب ثقافة الحوار ، وهكذا نجد سطوة الكبير هي العليا داخل أغلب أسرنا ، وان كان على ضلال ، فالأب يسكت الأم ، والأخ الكبير يسكت الصبيان والبنات ، فيسود الصمت ويعلو صوت الإكراه ويعم الهدوء ، ولعمري هو ذاك الذي يسبق العاصفة .
ولتفادي الإرهاصات الكارثية الناجمة عن إسكات الغير وهضم حقه في التعبير ، من تعانف بين وخفي ، وانتشار للحقد والكراهية والبغضاء ، أضحى الحوار مطلبا أساسيا يجب استخدامه من قبل الأسر والمدارس في تربية النشء ، بل يفترض فيه أن يكون منهج حياتنا الحالية وأسلوبها القويم ، ما دامت العولمة توسع شيئا فشيئا من مدى الحريات الشخصية للأفراد .
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه : أي حوار نريد ..؟
لا شك أن الحوار يتم بشكل من الأشكال في معظم بيوتنا ومدارسنا ، لكن الإشكال يكمن في نوعيته وجدواه . وعليه ، فلكي يكون حوارنا بناء وجديا ، يجب أن يسبقه اتفاق بين المتحاورين على مبادئ كبرى يخضع لها الحوار ، وحبذا لو كانت ذات طابع أخلاقي . وفي إطارها يتم السماح لكل طرف ، بالتعبير عن أفكاره وقناعاته بكل حرية دون قمع أو تحقير .
ومتى اقتنع طرفا الحوار بان الحقيقة نسبية لا يمكن لأي واحد أن يدعي امتلاكها ، مهما بلغت درجة ذكائه أو منزلته العلمية ، نكون قد أسسنا لحوار هادف يمكن أن يصير مع الزمن أسلوب حياة .
إن الحوار لا يساهم فقط في تحقيق النجاحات التربوية لدى الأطفال والمتعلمين ، بل ينمي لديهم الحس النقدي ،وهذا ما فتئت تتغنى به المقاربات الحديثة في علوم التربية هذه الأيام . فالطفل عندما يتحاور ، يتمكن من الوقوف عند مجموعة من الآراء المتباينة ، منها ما يوافق تفكيره ، ومنها ما يتناقض معه ، وهنا يستفيد شيئا جديدا ، ونعني به المقارنة ، .هذه الأخيرة تجعله يوسع أفق تفكيره فيصبح أرحب وأكثر قبولا للجدل والحجاج.
إن اقتناع الطفل بأن أفضل وسيلة للاتصال والتعلم ،والنمو العقلي والوجداني ، مرتبطة بشكل وثيق بالحوار ، تمكنه من قبول الآخرين الذين لا يشكلون عرقلة أمام الوصول إلى أهدافه ، وهذا ما يجعل منه كائنا اجتماعيا ، يؤمن بأن هناك رأيا ثانيا وثالثا ، وربما أكثر من ذلك ، ويقينه أن أحد هذه الآراء هو الأقرب إلى الصواب .

أنفاسثمة من يتساءل : هل لدينا أزمة تعليمية ؟هل من مشكلة نعانيها في تعليمنا ، أطرافها المدعى عليهم على الدوام رجال ونساء التربية ؟
من البديهي أن قضية التربية والتعليم هي الشغل الشاغل للجميع في شتى البقاع ،وسائر الأزمان . شغل الحاكم والفيلسوف، والعالم والشاعر، والمصلح والثائر، وصاحب الرأي ورجل الشارع .وسبب ذلك طبعا موقع التعليم البارز في المجتمع ومخططات التنمية ، ونصيب الأسد الذي يستنزفه من حصص الإنفاق العام .
ولعل جزءا كبيرا من تردي أمور التعليم ببلادنا ، وسائر بلدان العالم العربي ، يعود إلى الاختلاف الواضح والاضطراب السافر في طريقة تدبير الأزمة بين صناع القرار وأهل الدار .
والجلي أن معظم محاولات الإصلاح التربوي تأتي من القمة أو من خارجها ( املاءات البنك الدولي )، ولا تمثل في الغالب الأعم برامج قابلة للتنفيذ ، فكيف لا تتناثر في السماء وهي أشبه بالهباء ، تذروه الرياح ما إن يلامس تضاريس الواقع التربوي الصلبة المستعصية .
إن مشكلتنا الأساس مع أزماتنا ، تكمن في عدم تحلينا بالصراحة والوضوح ، فمتى أقنعنا نفوسنا بنقاء القصد وصفاء السريرة ، سهل علينا تدبير مشاكلنا .
ولعل أنانية بعض مسؤولينا ، وسلبية مفكرينا وأكادميينا المتخصصين ، من أهم العوامل التي جعلت كل من هب ودب  يكيل الاتهامات لرجال التعليم دون تبصر. فتفشت بذلك ظاهرة نقد التعليم ، وأصبح أكثر المتفائلين يقر،  بل ويعلن جهارا فشل المدرسة ، ويحملها وحدها مسؤولية الخراب التام للمجتمع والبيئة وأشياء أخرى ....
ولم يقف أي واحد ليتساءل :
كيف يمكن الخروج من الأزمة في ظل الظروف القائمة والإمكانيات الكائنة ؟
كيف يمكن استغلال مواردنا البشرية للتكيف مع مشاكل التعليم ،التي لا تحتاج إلى سرد أو توضيح ؟
من يا ترى يتفاءل بتجاوز أزمة التعليم ، ونحن شعب لا يرضى أن يقف على مكمن الداء بل ولا يستطيع الإشارة إليه؟
إن  ربط  أزمة التعليم بالتحولات المجتمعية ، والكف عن إلباسه لبوسا اقتصاديا دون توفير شروط ذلك ، واحترام خصوصياتنا الفكرية ، بعيدا عن الاستعارة العمياء من الغرب ، والاهتمام بالتنظير التربوي المهتم بالمحتويات وإيجاد الحلول لا عرض الإحصاءات والجداول ، من أبرز السبل الكفيلة بحل لغزنا المحير .