anfasseيتساءل المربون المجددون عن مدى قدرة المؤسسة التعليمية على أداء رسالتها إذا ظلت معزولة عن المحيط الذي يكتنفها، كما يعبر علماء الاجتماع عن انشغالهم العميق بموضوع انفتاح هذه المؤسسة الاجتماعية الفرعية على المجتمع الذي خرجت من رحمه، وهذا الانشغال وجيه وقلق يستحق الوقوف المتأني والتأمل العميق في أسباب هذه الأزمة.
  ويستطيع أي واحد منا، وبسهولة، أن يرصد المخاوف التي تكتنف العاملين بقطاع التعليم، والمحافظين منهم على وجه الخصوص، من نتائج انفتاح المؤسسة التعليمية على المجتمع وإشراك المجتمع المحلي وهيئاته في تسيير المؤسسة التعليمية وتدبير الشأن التربوي، ومن نتائج وانعكاسات التدخل والإشراف على التعليم المدرسي، بدعوى عدم أهلية المجتمع للنظر في التعليم المدرسي، لذلك يزيدون في اقتراحهم على أن تظل وظيفة الفاعلين وأعضاء مجلس تدبير المؤسسة التعليمية استشارية، ويقتصر دورهم على تمويل أنشطة المؤسسة وتغطية النفقات المالية التي تتطلبها الحياة التعليمية المدرسية، كما تلقى فكرة تمثيلية التلاميذ في مجالس المؤسسة معارضة ورفضا بدعوى قصور التلاميذ وعدم أهليتهم.
  إن المضمون الواضح والبارز للخطاب الإصلاحي في وقتنا الراهن يولي أهمية كبرى لقضية انفتاح المؤسسة التعليمية على مجتمعها المحلي، وهذا ليس بدعة جديدة تدعو للتوجس والخوف، وإنما هي تصحيح لوضع خاطئ ساد نظامنا التربوي. فالتعليم كان يتم في الماضي عن طريق المشاركة الفعلية للمجتمع في شؤون الحياة المدرسية، إلا أنه مع تعقد الحياة والتطور واتساع المعارف الإنسانية وتدوينها وظهور الحاجة إلى التخصص والكفاءة، نشأ التعليم النظامي ونشأت المدرسة وقد أخذت على عاتقها وظائف عدة منها تجزئة المعارف وتبسيطها ووضعها بنظام متدرج بحسب سنين الدراسة ومراحلها المتعددة وملاءمتها للعمل العقلي والعمر الزمني، وكان المعلم الساهر على تعليم الأطفال يخضع في وظيفته لمراقبة الجماعة وإشرافها، فهي التي تتعاقد معه عن طريق الشرط، كما كان المنهاج المدرسي ترجمة عملية لأهداف التربية واتجاهاتها في المجتمع ومنبثقا عن حاجات البيئة التي يعيش فيها الأفراد ومن متطلبات تنميتهم، بل كان العرف جاريا على أن يضع الأب الخطوط العامة في طريق تعليم ولده وتهذيبه، بتحديد المواد التي ينبغي دراستها وتحديد طرق ووسائل تأديب الصبي. وقد ظل هذا الوضع قائما حتى نشأت المدارس النظامية، وعم انتشارها البلاد العربية، وأصبح المعلمون يعينون من قبل السلطة التي لها حق الإشراف على التعليم والتحكم في المناهج والعلوم الملقنة للناشئة، وتقلصت فرص إشراف المجتمع المحلي على التعليم المدرسي النظامي، ورغم ما قيل حول الموضوع، فإنه لا يمكن أن ننكر الدور الذي قامت به هذه المدارس في تشييد صرح المدنية العربية الإسلامية وفي النهضة العلمية والارتقاء بأحوال المجتمع المسلم، بنشر العلم والمعرفة وبث الثقافات البانية في النسيج الاجتماعي، إذ كانت هذه المؤسسات مفتوحة في وجه العموم، لا تضع قيودا ولا شروطا أما الراغبين في التعلم، كما كانت كثير من العلوم تدرس تلبية لطلب اجتماعي أو نزولا عند رغبة أبداها المتعلمون.

anfasse.org"إنه عصر الصورة ! "
هكذا أعلن آبل جانس عام1926 مبشرا بتحول كبير في أنماط التخاطب الاجتماعي ,وانتقال تاريخي من اللفظي إلى البصري . فمع ظهور السينما وتزايد الإقبال على المشاهدة الفيلمية ساد الاعتقاد بفعالية الصورة كأداة للمعرفة و الابداع و التواصل , بل انبرى المتحمسون الى الاعلان مبكرا عن تراجع سلطة القراءة والثقافة المكتوبة امام جاذبية الصورة المتحركة !
ومع انتشار التليفزيون منذ أربعينيات القرن الماضي تأكدت هذه الهيمنة الايقونية إذ تحول الفضاء السوسيوثقافي إلى فضاء بصري بامتياز , وأضحت الصورة فاعلا اساسيا في تشكيل وعي الانسان المعاصر .
إلا أن إدراك الاوساط الاقتصادية و السياسية  للدور الخطير الذي تلعبه الصورة في الهيمنةعلى النشاط العقلي , وتوجيه السلوك وإكساب عادات جديدة سيحول هذا الفضاء إلى ساحة معركة ومضمار للتسابق نحو استباحة العقول وتدجين الوعي , وحصر النشاط الانساني في الاستهلاك و التقليد وعبادة الصورة ! 
فتنامت المخاوف من مخاطر الادمان على مشاهدة الصور المتحركة وما يترتب على ذلك من هدر للوقت و الجهد و الطاقة الانسانية ,وبث عوالم خيالية تفصل المرء عن معيشه وواقعه ,وتمنحه إشباعا وهميا لرغباته وطموحاته , كما تسهم بشكل واضح في تسطيح الفكر وحصر الاهتمام بالمؤقت و الهامشي على حساب الثابت و الضروري ! , لذا ارتفعت الأصوات مطالبة  بتفعيل البعد التربوي و الانساني للصورة المتحركة .. وداعية إلى الحد من ثقافة الاستهلاك التي أضحت سمة لازمة للمنتوج البصري .

anfasse.orgيعرف المشهد التربوي بالمغرب حراكا ملفتا يروم تحديث المنظومة التعليمية ,وتغذية مكوناتها بصيغ ومشاريع جديدة لمسايرة التحولات الوطنية و الكونية ,وتمكين المدرسة من مواصلة دورها  " حراسة القيم , تحصين الهوية , التنشئة الاجتماعية..." في ظل قسوة المتغير السياسي و الثقافي و الاجتماعي .
ومن بين الأوراش المستعجلة التي حظيت باهتمام ملفت تلك المتعلقة بإرساء منظومة قيمية -أخلاقية تؤهل الطفل لتبني سلوكيات محددة سواء في علاقته مع الآخر أو مع مؤسسات الدولة و المجتمع ,كما تحصنه ضد نزوع العولمة نحو اقتلاع الخصوصيات بدعوى توحيد القيم ,وتكريس مفهوم المواطنة العالمية !
فعمدت وزارة التربية إلى إدراج مادة تعليمية جديدة تحمل اسم " التربية على حقوق الانسان" ,وتم الترويج لمصطلحات و مفاهيم جديدة في الوسط المدرسي كالكرامة , و الحرية , و التسامح , و الديموقراطية ,و تكافؤ الفرص .. إلا أن هذه المبادرة ظلت متعثرة بسبب غياب التكامل بين مكونات المقرر الدراسي , فتحولت إلى مادة  تلقينية تكتفي بتمرير المباديء و المفاهيم دون القدرة على بلورتها في السلوك اليومي للمتعلم . مما استدعى التفكير في مقاربة عملية تتخطى حاجز اللفظية والتلقين نحو بلورة قابلة للرصد فظهر في أدبيات وزارة التربية مفهوم "السلوك المدني ".
يحيل هذا المفهوم على مرجعيات متعددة ومتداخلة ( قانونية , سياسية , فلسفية ) تثير شيئا من اللبس حول دلالته التربوية , كما تحد من القدرة على تمثله ,وبالتالي أجرأته من لدن الفاعل التربوي .
فهل يتعلق الأمر بمعيار أخلاقي يتم من خلاله تعويد الطفل على التحلي بقيم و فضائل معينة تؤهله للاندماج الأمثل في مجتمعه ,وتبني سلوكات واعية و مثمرة في علاقته مع الآخر ؟ أم الغاية هي حمله على الانصياع لمجموعة من الضوابط القيمية و القانونية التي يتحكم في انتقائها الهاجس السياسي في المقام الأول ,وتعويده على الانقياد و الإذعان لسلطة الواجب والخيار الجماعي ؟
تحيل التعريفات اليسيرة لهذا المفهوم على طابعه التركيبي , فهو اولا سلوك : أي ممارسة فردية داخل إطار اجتماعي معين , وهو ثانيا مدني : أي مستوعب للواجبات التي يفرضها الانتماء لمجتمع إنساني تم تحديث بنياته وفق تصورات فلسفية وسياسية و اقتصادية محددة .

anfasse.orgأدى الانفجار المعرفي الذي صاحب الثورة التكنولوجية عقب الحرب العالمية الثانية الى انكماش السلطة المعرفية للمدرسة .بل ذهب بعض الباحثين ك "ايفان ايليتش" الى اعتبارها فائضا لا لزوم له أمام بدائل تعليمية أقل كلفة وأكثر جاذبية !
فتنامى الوعي بضرورة تنويع مصادر التعلم , وتحديث المناهج الدراسية بما يلائم حاجيات و اهتمامات الطفل , واحتواء الوسائط المعرفية الجديدة بشكل يمكن المدرسة من مواصلة دورها في تحقيق تنشئة اجتماعية سليمة . لذا توالت المبادرات الرامية الى احداث و تفعيل المرافق التربوية و الأوعية التعليمية الموازية للفصل الدراسي و مراعاة استجابتها لميول و اهتمامات المتعلمين !
وقد حظيت المكتبة المدرسية باهتمام لافت في جل مبادرات الاصلاح التربوي , غير أن غياب رؤية استراتيجيةمتكاملة لدور المكتبة في خدمة المسار التعلمي , وحصر الاهتمام في الشق المادي " تجهيز المرفق , وتوفير المطبوعات وحوامل المعلومات "  أفرز إكراهات ومعيقات جمة تحد من فعالية المكتبة في إحداث نقلة نوعية في المجال التعليمي , لعل أبرزها :
 - عدم تخصص المشرفين على المكتبات المدرسية , فجلهم معلمون متفرغون لم يحظوا بأية دورة  تكوينية في مجال الخدمة المكتبية .
 - ضعف الأساليب الفنية في عرض مواد التعلم بالمكتبة "كالفهرسة والتصنيف و الاعلان عن المحتويات" بل انعدامها في حالات كثيرة مما يحد من الإقبال على المكتبة.
 - غياب إدماج فعال للمكتبة المدرسية في المناهج الدراسية  وضعف الاهتمام بالمهارات ذات الصلة " كالمهارة البحثية مثلا" .
 - قصور الوعي بأهمية التعلم الذاتي في عصر تكاثرت فيه وسائط المعلومات بشكل غير مسبوق , ومواصلة تبني أساليب تعليمية تعتمد المقرر الدراسي كمصدر وحيد للمعرفة !  

حدث في العشرين سنة الأخيرة تحول في المشهد التربوي , تمثل أساسا في تغيير الباحثين لمجالات اهتمامهم و ابتعادهم عن الخوض في العديد من المواضيع من مثل  الأهداف التربوية , و النقاش الساخن حول موضوع السلطة و النظام داخل المؤسسات التعليمية... فاتجهت البحوث للانشغال ببعض القضايا الجديدة- القديمة, من مثل قضية التمركز حول المتعلم وموضوع  طبيعة التعلم و آلياته, والعودة للاهتمام مجددا بالمعرفة و  بمحتويات التدريس و بالتنظيمات المنهاجية لمضامينه  وغيرها. مما ساهم في ظهور نماذج لمناهج جديدة ، سنعمل على التعريف بها في هذه المداخلة .
كما أن  تطور التربية حاليا ، يتميز بعودة الاهتمام بالعنصر البشري وبروز دوره بشكل جديد . إن ما يميز المخطط و الإداري و المرشد  و الموجه و المعلم في وقتنا الحاضر ، هو المواجهة المستمرة للمستجدات و للمواقف غير المتوقعة و اتخاذ القرار . كما أصبح عملهم يتميز بالسعي الحثيث نحو تعديل السلوك  والتكيف مع تحولات الواقع وضغوطات العمل اليومي  ومسايرة في نفس الآن ، ما يصيب المناهج التعليمية من تجديد و تطوير .

 فإلى أي حد يتمكن هؤلاء المهنيون  ، من التفوق في  هذه المواجهة و ينجحون في استيعاب المستجدات و مسايرة مقتضيات تطوير المناهج و تحديث  أساليب التخطيط و العمل ؟ وما هي السبل الملائمة لجعلهم  يندمجون في العمل بفعالية و يؤدون دورهم التربوي داخل مؤسساتهم بنجاح ؟

كما ظهرت عناية كبيرة بالمدرسة كمؤسسة و نشطت البحوث التي تهتم بشروط تحويل المدارس إلى مؤسسات ، لها نوع من الاستقلال في اتخاذ القرار على مستوى التجديد التربوي و المساهمة الفعلية في إرساء دعائمه  و المبادرة في تنظيم مشروع المؤسسة و المنهاج المندمج للمؤسسة ، وعقد  اتفاقيات التعاون و الشراكة مع فعاليات المجتمع المحلي وإشراك أولياء التلاميذ و المهنيين من حرفيين وتجار وفلاحين و غيرهم ، في الرفع  من مستوى الأداء التربوي- التعليمي  والمساهمة في تنمية المحيط الاقتصادي و الاجتماعي والثقافي .

و نشطت و بموازاة التقدم التكنولوجي ، دراسات تتناول مختلف أوجه الاستفادة من التكنولوجيا  في مجال التربية وتوظيفها لتحسين أداء المدرسة والمدرسين.فاكتسحت تكنولوجيا الاتصال و المعلوميات مجال التعليم ليس كوسائل فحسب بل كأسلوب في التفكير وتنظيم العمل ، فظهر المنهاج التكنولوجي .

anfasse.orgأضحى من نافلة القول الحديث عن ازمة بنيوية تنخر المنظومة التربوية لسائر البلدان العربية.فرغم السعي الحثيث لمراجعة المناهج و البرامج الدراسية , وملاءمتها للمستجدات و المتغيرات ,ورغم الاهتمام الواضح بإدماج الوسائط الحديثة في المسار التعليمي/التعلمي,وإرساء مقاربة تواصلية بين المؤسسة المدرسية ومحيطها بغية خلق مناخ تعلمي أفضل إلا أن الوضع لا زال يراوح مكانه !
إن مبادرات الإصلاح ومشاريع التحديث التي طالت السياسات التربوية حرصت على تطوير المناهج و المقررات الدراسية وتجريب الأساليب و الطرائق الحديثة بيد أنها أغفلت مطلبا جوهريا يتمثل في إعادة النظر في ادوار المدرس باعتباره حجر الزاوية في كل إصلاح !
وإذا كان الانفجار المعرفي الذي أحدثته الثورة التكنولوجية قد الغى السلطة المعرفية للمعلم,فإنه بالمقابل ألقى على عاتقه مسؤولية جسيمة تتمثل في " حراسة " منظومة القيم و السعي إلى ترسيخها بشكل يحفظ الهوية و الخصوصية و يحسن مؤشر الانتماء !
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة هو مدى أهلية المدرس للقيام بهذا الدور الحيوي و الخطير في ظل معيقات و إكراهات عدة نوردها كالآتي :
 * تسارع وتيرة التحولات الاجتماعية و الاقتصادية التي يشهدها العالم وما يصاحبها من تسليع       للقيم , واستهداف للخصوصيات المحلية وللهويات ونظم الأخلاق و المعتقدات.
 
 * خضوع السياسة التربوية في كل بلد عربي للإملاءات الخارجية " توصيات البنك الدولي نموذجا"
    و التي تستهدف بالأساس إعدام الهوية  وضرب مقومات الشخصية العربية و الاسلامية .
 
 * ضعف الإعداد التربوي للمدرس حيث يتم التركيز على البعدين القانوني والديداكتيكي في صياغة    برامج التكوين على حساب البعد الأخلاقي و الإنساني الذي يشكل ملمحا أساسيا من ملامح الفعل   التعليمي .

anfasse.orgهناك مقطع من محاورة الجمهورية يتحدث عن "الأسرة الثلاثة"، حيث يميز أفلاطون بين ثلاثة أنواع من الأسرة: فكرة السرير التي خلقها الإله، والسرير المصنوع من قبل النجار، وأخيرا السرير الذي صوره الرسام. فكرة السرير هي الأكثر واقعية، إذ إليها يوجه النجار نظره لكي يصنع سريرا ملموسا  وخاصا. أما السرير الذي يصوره الرسام فما هو إلا محاكاة لسرير النجار، وبهذا فهو مبتعد عن "الواقع" الحقيقي بثلاث درجات، بما هو ليس سوى صورة الصورة. هذه اللاحقيقة المزدوجة لا تمثل" الشيء كما هو في الواقع"، وإنما "ما يظهر كما يظهر". وبالتالي فما الرسام غير أفاق، وما الصورة غير "سيمولاكر" أو نسخة خداعة. إلا أن رهان أفلاطون لم يكن فقط متعلقا بتبيان طبيعة الصورة وإنما كان أيضا رهانا أخلاقيا وسياسيا، إذ خطورة الصورة تكمن في كونها تدعي الواقعية بينما هي ليست سوى"سيمولاكر"(نسخة مشوهة للواقع). لذلك دعا أفلاطون إلى المراقبة الصارمة للفنانين داخل المدينة. هذه " الإكونوفوبيا"(رهاب الصورة) التي تزامنت مع لحظة التأسيس في تاريخ الفلسفة، والتي عبرت عن حيثيات فعل التأسيس ذاته، بما هو انتقال ثوري من الميتوس إلى اللوغوس، من نمط التفكير الأسطوري الذي كان على مستوى الشكل تقليدا شفهيا متوارثا يستعمل لغة التصوير والتشخيص وعلى مستوى الرسالة مستهدفا للتأثير الوجداني الحسي، إلى نمط التفكير العقلي، الذي تجلى في شكل أدب مكتوب يشتغل بالمفاهيم المجردة ومستهدفا التفكير النقدي للقارئ. هذا الرهاب، وتحت التأثير العميق لأفلاطون، ظل ملازما، بأشكال صريحة تارة ومضمرة تارة لتاريخ الفلسفة، وعلى الخصوص ما قبل المعاصرة. بيد أن ما يهمنا هنا هو أن هذا الرهاب انتقل إلى مدرس الفلسفة بما هو صديق للفيلسوف، وبالتالي صديق لنصه المكتوب، ونصير لمفهومه المجرد، إذ قلة هم الأساتذة الذين يقاومون الشعور بذنب الخيانة وبجريمة امتهان المفهوم المجرد، وهم يوظفون دعامة بصرية أو سمعية- بصرية في الدرس الفلسفي. هذا الخوف ليس صدى لتاريخ إيكونوفوبيا الميتافيزيقا فحسب، بل يجد ما يبرره في الواقع الثقافي المعاصر. فالإعلام السمعي البصري(التلفزة والأنترنيت) يستأثر بالحصة العظمى من وقت الأطفال والمراهقين، حتى أنه أصبح يبدو "مدرسة مضادة"، خاصة أنه يقدم دفقا من الصور و المعلومات التي تخلط بشكل خطير بين الصواب و الخطأ على المستوى القيمي ، وبين الواقع و الخيال . كما يقدم الكثير من العنف المجاني . و يقترح أحيانا نماذج من السلوك المنحرف.

أنفاسهناك اعتراف متزايد أن المناخ الاقتصادي للعالم يتجه نحو اقتصاد مبني على المعرفة knowledge-based economy ، حيث المعرفة ستكون عزيزة كالثروة الثمينة. بهذا الخصوص، التكنولوجيا يمكن أنْ تعزز كأداة مفيدة وبشكل فعّال، إدارة رأسمال معرفةَ المنظمات knowledge capital. وبالرغم من أن عدّة دراسات بحثية قدمت أطر إدارة معرفة تلبّي متطلبات المنظمات المتخصّصة في الحقول المتنوّعة للمعرفة،فان إدارة المعرفة الشاملة لم توجد كتكنولوجيا وسيطة وموجهة نحو الحاجات الظاهرة لمنظمات البحوث التربوية educational research. ومن هنا ضرورة استخدام مدخل تكنولوجيا إدارة المعرفة المشكّلة كبوابة مطورة لخلْق المخزون repository ولتسهيل الموارد المشتركة في المنظمات البحثية. يشمل هذا الإطار المبنيّ على التكنولوجيا، عمليات إدارة المعرفةَ التي تأسْر وتدمج موارد المعرفة الواضحة للمنظمات البحثية. الإطار أيضا يدعم الشبكات الاجتماعية social networks التي تُمكّن المساهمة وتشفير المعرفة الضمنية عن طريق تسهيل التبادلات والتغذية الراجعة feedback عبر الإنترنت.
و تُقدّم مجموعة من النظريات السائدة، سويّة مع الممارسات والتوصيات الحالية، التي تركز على الإدارة الفعّالة للمعرفة في المواقع التعليمية. تُزوّد مجموعة من التصاميم البسيطة لربط الناس، والعمليات، والتقنيات، وتناقش كيف ان المنظمات يمكن أن تروّج للسياسات والممارسات التي تساعد الناس على أن يساهموا ويديروا المعرفة. وتوصف إدارة المعرفة: " كمجموعة الممارسات التي تساعد على تحسين استخدام البيانات والمعلومات في اتخاذ القرارات و تحسين المحاسبية Accountability في التعليم، وتعزيز ثقافةَ التكنولوجيا وثقافة المعلومات؛ وتزود المداخل والسمات العملية لإدارة المعرفة".

أنفاسالمدرسة كما هو معروف هي تلك البيئة الصناعية التي أوجدها التطور الاجتماعي لكي تكمل الدور الذي مارسته الأسرة في تربية وإعداد أبنائها، ومدهم بالخبرات اللازمة لدخولهم معترك الحياة فيما بعد، فهي لذلك تعتبر الحلقة الوسطى والمهمة التي يمر بها الأطفال  خلال مراحل نموهم ونضوجهم لكي يكونوا جاهزين للقيام بمسؤولياتهم في المجتمع مستعينين بما اكتسبوه من المهارات المختلفة والضرورية لتكيفهم السليم مع البيئة الاجتماعية الكبرى، ذلك لأن المدرسة ليست سوى مجتمع مصغر، ومنزه، وخالي من جميع الشوائب التي تتعلق بالمجتمع الكبير ،لكي يتمرن فيها الأطفال على الحياة الفضلى، وعلى التعاون الاجتماعي ، والإخلاص للجماعة وللوطن .
ولقد أصاب المفكر والمربي الكبير [ جون ديوي ] كبد الحقيقة عندما عرّف المدرسة بأنها [ الحياة] أو أنها [ النمو ] أو أنها [ التوجيه الاجتماعي ] ورأى أن عملية التربية والتعليم ليست أعداد للمستقبل، بل إنها عملية الحياة نفسها، ودعا المربين إلى الاهتمام بثلاثة أمور هامة لتربية النشء حددها بما يلي:
1 ـ تعاون البيت والمدرسة على التربية والتوجيه .
2 ـ التوفيق بين أعمال الطفل الاجتماعية وبين أعمال المدرسة .
3 ـ وجوب إحكام الرابطة بين المدرسة والأعمال الإنتاجية في البيئة .
 
ولقد أكد [ديوي] وجوب دراسة الطفل وميوله ورغباته، وضرورة جعلها أساساً في التعليم، كما أكد على التوجيه غير المباشر وغير الشخصي عن طريق الوسط الاجتماعي، وشدد على أهمية التفكير والتحليل ، وفهم معنى الأشياء في حياة الطفل، وإتاحة الفرصة للأطفال لكي يجمعوا الحقائق ويرتبوها، ويستنبطون منها النتائج، ثم يمحصونها ويعرضونها على محك الاختبار حتى تنجلي وتظهر حقيقتها.
فالطفل لا يستطيع أن يكتسب عادات اجتماعية بغير الاشتغال في الأعمال الاجتماعية، والتربية في حقيقة الأمر هي عملية تكوين النزعات الأساسية الفكرية والعاطفية .

أنفاسفي سياق انهماكنا بموضوعات التربية، وأسئلة الثقافة والمجتمع، وفي أثناء محاولتنا الاطلاع على تجارب الآخرين ومساءلتهم الدائمة للمعرفة ومدارسها، نقدم هذه المواد الثلاث لخبراء وأساتذة في الجامعات الكندية، جمعها وترجمها الزميل محمد فاضل بحكم تواجده في كندا لغاية استكمال الدراسة، ما يمكّنه من الاطلاع على ما يجري فيها من بحوث ودراسات وتجارب تطبيقية، نرى معه أهمية ترجمتها للغتنا وتقديمها للتربويين الفلسطينيين والعرب، لنوفر أساسات معرفية نعيد على هديها مساءلة معرفتنا والتأمل في ممارساتنا التربوية.وبحكم انشغالنا بالمعرفة كمعرفة أولاً، إلا أننا نقدمها هنا في سياق أن نعرف أولاً، ولكن نعرف لنسأل ونختبر ونبحث، فما نقدمه في هذا السياق هو مساحة إضافية لتعميق الحوار وتنمية فضاء الممارسة، ولذلك كانت هذه الترجمات متداخلة ومتنامية تبدأ من النظرية البنائية كخلفية معرفية، تبحث في التعلم كنسق بنائي مشروط بمقولات المعايشة والاختبار والحوار بين ما نعرف وما نختبر، ما يؤسس لحوار آخر حول إشكاليات التعليم كبناء للمعنى ومفاوضة دائمة له، لجعل التعلم سيرورة من المحاججة والنماء، ومن هذا الربط بين بناء المعنى ونمو الشخص جاء البحث الأخير عن مكانة القيم ودورها الوظيفي في الفعل التربوي.
النظرية البنائية بمصطلحات بسيطة
دمينيكو ماسكيوترا1
إن الرؤية البنائية كوضعية إبستمولوجية تبين إمكانية أن يطور الشخص ذكاءه ويبني معارفه عن طريق الانخراط في الحركة ونتائجها.  في هذه الحالة سيدمج الشخص المعني ويفهم الوضعيات الجديدة من خلال ما كان يعرفه سابقاً، كما يقوم بتعديل معارفه الداخلية من أجل التكيف مع المعارف الجديدة.  هذا التكيف مع الوضعيات الجديدة من شأنه توسيع شبكة المعارف الداخلية التي يملكها الشخص وإثراؤها.  كما أن النمو المتواصل لشبكة معارفه سيمكنه من معالجة الوضعيات الأكثر تعقيداً.

أنفاستتضمن كل الثقافات معايير تقويم وإرشاد (prescription)، تتراوح تأثيراتها وتختلف باختلاف المجتمعات. والتقويم أيديولوجية أو مجموعة من المعتقدات التي تنص على أن الاستعمال اللغوي، على غرار سلوكات أخرى كالأكل واللباس، يجب أن تتم وفق طرق صحيحة. ومن هنا يصعب فصل طبيعته عن ظواهر التعيير (standardisation) والتطبيع (normalisation)، إذ إنه مثلهما تُفرض قوانينه عن طريق السلطة، وتُقرر "من فوق" وبدون اتفاق خاص، ويعتبر كل خروج عن معاييره، مهما كان طفيفاً انحرافاً أو طرقاً سيئة. وعادة ما تُقنن قواعده في كتب الاستعمال حتى يرجع الناس لها لتمييز الصواب عن الخطأ.1
نحاول في هذه المقالة تبيان إيجابيات وسلبيات التقويم، وحقيقة سوء التفاهم بينه وبين اللسانيات، متبنين، ضمنياً، ضرورته في حياة اللغة. نقف عند الموقف العام للحماة من اللغة الذي يتمثّل، خصوصاً في عدم الفصل بين النسق والاستعمال، ثم نناقش، على ضوء ذلك تضارب تحديد المُقوّمين العرب للخطأ والصواب في اللغة، نحواً ومعنى، ومعاناة سيرورات إدماج العامي في الفصيح من عدم التمييز بين النسقين، اللهجي والفصيح.

التقويم وآثاره:
إذا كان الناس يقبلون نتائج التقويم دون اعتراض، فإن ذلك لا يعني عدم إدراكهم لتأثيراتها وانعكاساتها. ومن المظاهر العامة لآثارها: أولاً استعمال المناسبة، وثانياً التنغيم، وثالثاً تقييم نتائج الاختبارات اللغوية، ورابعاً التمييز الطبقي.