هناك اغتراب سياسي مخصوص لأن السياسي مستقل. إنه الوجه الآخر ل لمفارقة التي لابدّ من توضيحه الآن:
بيت القصيد هو أن الدولة إرادة . يمكن أن نلحّ قدر ما نشاء على المعقولية التي يمنحها السياسي للتاريخ ـ هذا حق ـ؛ لكن إذا كانت الدولة معقولة الغاية، فإنها تتقدّم في التاريخ بفعل القرارات. ليس من الممكن أن لا نُدخل في تعريف السياسي فكرة القرارات ذات المدى التاريخي، أي تلك التي تغيّر بصورة دائمة مصير جماعة إنسانية تنظمها الدولة وتوجّهها. فالسياسيّ تنظيم معقول ، والسياسي قرار: تحليل محتمل للأوضاع ، ورهان محتمل على المستقبل. لا يستقيم السياسي دون سياسة.
يحمل السياسي معناه بعد أن يفوت أوانه، في التفكير، في " الاستذكار"، في التنقيب، في المشروع، أي في قراءة محتملة للأحداث المعاصرة وفي حزم الحلول في الآن نفسه. لأجل ذلك إذا كانت الوظيفة السياسية والسياسي بلا تناوب، أمكن أن نقول في معنى ما أن السّياسي لا يوجد إلا في اللحظات الحاسمة، في " الأزمات"، في " المنعطفات "، وفي مفاصل التاريخ.

"إذا كان نظام دماغنا يسمح لنا بإدراك الصورة المعروضة على شبكية العين ولكن أيضًا لفهم معناها، فإنه قادر أيضًا على إنتاج صور ذهنية في غياب أي واقع خارجي. كل صورة، مهما كانت، لها نوعان من الخصائص. بادئ ذي بدء، لها خصائص فيزيائية مستمدة من دعمها، وكذلك من أصلها. يمكن أن تكون، على سبيل المثال، صورة فوتوغرافية على ورق أو لوحة على قماش: في الحالة الأولى، ستنتج الصورة عن تعديل كيميائي، تحت تأثير الضوء، للسطح الحساس لورق الصور؛ في الجانب الآخر، يتعلق الأمر بطبقات من الطلاء يضعها الفنان جنبًا إلى جنب. لكن الصورة لها أيضًا خصائص دلالية، والتي تعتمد على محتواها، على ما تمثله. هذه الخصائص الدلالية تعطيها في الواقع معنى يمكن فهمه من قبل أولئك الذين يشاهدونها. بالطبع، يعتمد معنى الصورة على الشخص الذي قام بإنشائها: المصور، من خلال التقاط الصورة، يريد الاحتفاظ بذكرى أو يشهد على آرائه؛ في غضون ذلك، يريد الرسام التعبير عن مشاعره أو مشاركة خياله. لكن نوعي الخصائص، الفيزيائية والدلالية، للصورة لا يمكن فصلهما. يمكن للصورة تغيير الوسيط دون تغيير الاتجاه: يمكننا تصوير اللوحة القماشية مع الاحتفاظ بنفس الخصائص الدلالية. لقد اعتدنا الآن على معالجة البيانات على تعدد الدعم الممكن للصور.

لا يرتبط طرح هذه المسألة الأكثر عمومية بإطار ذاتوي بل يتطلّب الخروج من باراديغم النفعية للرأسمالية الفلاحية- الغذائية و بإيتيقا مرتكزة على ألم الأفراد. إلا أنّ هذا، على وجه الاحتمال، لم يصبح ممكنا إلاّ قريبا بسبب الأزمة البيئيّة التي نمرّ بها وتحقّق الوعي الإيكولوجي على الصعيد الأخلاقي. فالإيكولوجيا تعلّمنا بشأن دور النباتات أكثر من تعرّفنا بقيمتها النفعيّة للإنسان. ينتج عن هذا، أنّه في الفترة الانتقالية الحالية، كانت النباتات ممزّقة بين منزلتها التقليدية كموضوع – مصدر objet-source محايد قيميّا وبين شروط إمكان مطلقة لكلّ حياة على الأرض. يبدو أن الهوّة الأخلاقية سحيقة. كيف يمكن تجاوز الانفلاق الأقصى الذي يضع من جهة، من يستغلّ زيت النخيل مزيلا بنشاط الغابات من الأرض التي يشعر أنّه سيدها ومالكها، في مواجهة المدافع عن الجزرة والمستعدّ لأن يعزف لها الموسيقى الكلاسيكيّة كي يلطّف طبائعها، من جهة أخرى؟ إن الحلّ على ما يبدو حلاّ وسطا.فلا يتعلّق الأمر بردع استغلال أو تحوير غير مرشّد للنباتات بتعلّة عدم إلحاق الضرر بها، ولا بالطبع الدفاع عن شكل من تدمير للنباتيّ حيث لن يسمح بقتل أقلّ نبتة لأكلها. فباعتبار أنّ النباتات كائنات مثبّـتة في محيطها، هي شروط الإمكان وهي في الآن نفسه، متميّزة بوصفها أنظمة عضوية تمام التميّز، تستدعي التفكير وفق طريقة أكثر تمركز إيكولوجي تكون فيها الأولويّة للمحافظة على نوعيّة العلاقة بين العالم العضوي واللاعضوي.

"استخدام عقل المرء يعني فقط أن يسأل نفسه في كل ما يجب عليه أن يقوم به، سواء كان من المستحسن وضعه كمبدأ كوني للاستخدام، أو الدافع الذي يقوم بشيء ما وراءه أو القاعدة الناتجة عنه"
" على الرغم من أننا قد نحمل المفاهيم عالية، وبالتالي نبتعد عن الإحساس من خلال التجريد، فسيكون هناك دائمًا تمثيلات حسية، يكون مصيرها المناسب مناسبًا لاستخدام مفاهيم التجربة التي علاوة على ذلك، ليست مستمدة من التجربة. في الواقع، كيف نريد أن نعطي للمفاهيم المعنى والدلالة، إذا لم يتم تقديم بعض الحدس (الذي، في النهاية، يجب أن يكون دائمًا مثالًا مأخوذًا من تجربة محتملة)؟ إذا، بعد هذه العملية الملموسة للذهن، حذفنا مزيج الصورة، أولاً من الإدراك العرضي للحواس، ثم حتى الحدس الحسي المحض بشكل عام، يبقى فقط هذا المفهوم الفكري المحض، مداه متضخم الآن، والذي يحتوي على قاعدة فكرية عامة.

شارك إدغار موران، عالم الاجتماع المشهور عالميًا، في جميع المعارك لمدة ستين عامًا. كلماته السريعة والمختصرة تناقض فكرة عودة معاداة السامية. هذا المصطلح يُستخدم، على حد قوله، لإخفاء القمع الإسرائيلي، و لإضفاء طابع"إسرائيل" على اليهود، ولتقديم مبررات لإسرائيل تشرعن سياساتها. مواقفه المؤيدة للفلسطينيين المقموعين والمهانين جرت على إدغار موران التشهير والقذف. من الحوار الذي أجرته معه سيلفيا كاتوري والمنشور في الإنترنت يوم 17 يونيو 2005، نحتفظ بانطباع عن رجل كبير يتحلى بالبساطة والنزاهة.
- لقد تعرضتم لتهمة “القذف العرقي" بسبب انتقادكم لإسرائيل. فهل يمكن أن تكشفوا لنا عما يدفعكم إلى الإدلاء بدلوكم في هذا النزاع.
+ في البداية هناك شيء لا يفهمه المدافعون، بدون شرط، عن إسرائيل، وهو أن هناك من يمكن أن تحفزه الشفقة على شعب يتحمل الآلام. هذه الآلام المتصلة للفلسطينيين، المعرضين للإذلال، والإهانات وهدم بيوتهم واقتلاع أشجارهم، هي ما يحفزني. وبديهي أن المقالات التي أحررها ليست مقالات عاطفية. إنني أحاول القيام بتشخيص.
إن المقال “إسرائيل ـ فلسطين: السرطان”4، الذي جُرِّمْتُ بسببه قد تم تصوره بهذه الروح.

يوجد توتّر ضمني، يظلّ غالبا لاواع وبالتالي غير مصاغ نظريّا، بين الأهمّية الخبرية للنباتات التي يصفها ويدرسها الإيكولوجيون وبين البيولوجيون النباتيون وغيابهم النّسبي في الفكر الفلسفي والإيتيقي. وفي كلمة، كيف نفسّر عامّة لامبالاة فلاسفة البيولوجيا وأغلب مفكّري الإيتيقا البيئية تجاه النباتات، في الوقت الذي يبرهن فيه العلماء على ميزاتها الأساسيّة اللازمة لكلّ حياة وكلّ محيط؟ والآن، بعد وصف وتشخيص هذه الإثباتات سنحاول تعليلها واقتراح تمشّ بديل بتوسّط بعض المبادئ المفيدة للتفكير الإيتيقي في النبات.

سقراط لم يجد نفسه في أي موقف من تلك المواقف. لقد فكر بالتأكيد كثيرًا في المشكلات التي وجهها بعد ذلك إلى الآخرين (خاصة بفضل المقابلات السابقة). كان لديه بالتأكيد وجهة نظر مفصلة حول هذه القضايا، المربكة وحتى المكلفة في بعض الأحيان - كما رأينا في مرافعة افلاطون. (سوف أعود إلى هذه النقطة لاحقا). لكن كما رأينا، لم يقتنع بأي رأي من آرائها، رغم أنه عاش وفقا لها ما دام لا يرى أي سبب للشك فيها.
كان على استعداد تام لمزيد من التفكير فيها إذا لزم الأمر، حتى يتم تأكيد حقيقة كل واخد منها. بالنسبة لأي شخص يميل إلى هذا الحد، يبدو من المعقول أن يعتقد أن الدور المناسب في المناقشة الفلسفية هو الدور الذي يتمسك يه سقراط: استجواب الآخرين، مع الاستمرار في فحص الأفكار أثناء المحاورة وبالتالي في العمل. وفي حالة عدم اقتناعه بأي رأي من الآراء، فإن الانتقال من دور السائل إلى دور المجيب سيكون محرجًا من الناحية الفكرية (وبالنظر إلى موضوع المناقشة، من الناحية أالأخلاقية). إن القيام بذلك يعني التأكيد على أنه ملم، أو مقتنع بما يكفي برأي لتاكيده بافتراض أنه صحيح وأنه من المؤكد أنه سينجح في تبريره تماما.

تتميز فلسفة سقراط كأسلوب حياة عن جميع التصورات اللاحقة بكونه قضى حياته في فحص الأفكار الأخلاقية للآخرين بلا هوادة بالموازاة مع فحص نفسه. يضع سقراط صحة روحه فوق كل القيم الأخرى، ويجعل هذا الخير يعتمد بشكل وثيق على التحقيق الفلسفي والفحص الذاتي، بحيث أنه في شهادة أفلاطون عن محاكمته، صرح لهيئة المحكمة أنه سيرفض التبرئة المقترحة إذا اضطر بسببها إلى التوقف عن نشاطه . لكن لماذا رفض ذلك؟ أعلن أولاً على سبيل التوضيح أنه ليس مدينا لهم بالطاعة بقدر ما هو مدين بها لأبولو، الذي ألزمه رده على طلب شريفون بتكريس نفسه لفحص آخر. ويضيف أن هيئة المحكمة، بصفتها ممثلة للشعب الأثيني، يجب أن تجد أن من مصلحتها أن تستمر بدلاً من التوقف. ليس لدي أدنى شك في أن سقراط صادق في تقديم هاتين الحجتين (على الرغم من أنه من غير المحتمل أن تكونا قد أقنعتا هيئة المحكمة).