عندما تكون حتى حياة المخلوقات البشرية على المحك، تثير الأحداث، أو تحيي، أسئلة ذات طابع فلسفي. وهكذا، يذكرنا وباء الفيروس التاجي بأهمية وإلحاح الأسئلة التي طالما كرّس لها الفلاسفة مناقشة حية. تلك العلاقات بين الأفراد والمجتمع، بين العلم والسياسة، وأخيرا بين اللوغوس والبراكسيس. كانت الأسئلة مشتعلة تحت الرماد. لقد أيقظها الفيروس، وقدم لنا، على وجه الخصوص، الفرصة لاستيعاب وجاهة تحليلات أوغست كومت، أب الوضعيلا
- لا فرد بدون مجتمع
غالبا ما يُنظر إلى المجتمع بشكل سلبي. إنه النظام القائم الذي يميل إلى خنق الحريات الفردية. إنه يتجسد في دولة يعتبرها البعض (الذين لا يعرفون شيئاً عن بينوشيه) اليوم في فرنسا سلطوية إن لم تكن ديكتاتورية. الفيلسوف آلان، الذي ألف "المواطن ضد السلطات"، ألم يقل: "الفرد الذي يفكر، ضد المجتمع النائم، هو ذا التاريخ الأبدي" (آلان، السياسة، PUF).

ولد ماركو ديرامو بروما سنة 1947، حصل على درجة الماجستر في الفيزياء النظرية من جامعة La Sapienza الكائن مقرها في العاصمة الإيطالية. بعد ذلك، سافر إلى باريز حيث استمع إلى محاضرات رولان بارث ودرس السوسيولوجيا على يد بيير بورديو. في سنة 1978، عاد إلى مسقط رأسه ليشتغل في جريدة il manifesto اليسارية حتى 1992 حيث أصبح مراسلا خاصا للجريدة في الولايات المتحدة.
كتب ديرامو هذا المقال بالإنجليزية ونشره في الموقع الرسمي الخاص بمجلة اليسارالجديد. حاولت ترجمته إلى العربية وكانت النتيجة كما يلي.
لن يكون هناك انتعاش. ستكون هناك اضطرابات اجتماعية مصحوبة بعنف. ستكون هناك تداعيات سوسيوقتصادية: بطالة مأساوية. سيعاني المواطنون بشكل كبير: سيموت بعضهم، وسيشعر آخرون بالفظاعة.” هذا ليس كلام إسخاتولوجي° لكنه كلام جاكوب فالينبرج Jacob Wallenberg، سليل إحدى أقوى سلالات الرأسمالية العالمية، الذي يتصور انكماشا اقتصاديا عالميا بنسبة 30 % وبطالة مرتفعة بسبب الحجر الذي فرضه فيروس كورونا.

أسهمت العديد من العوامل في تطوّر نسَقِ الترجمة من الإيطالية إلى العربية، وبالمثل في تحسّن جودة الأعمال، بعد أن كان التواصل بين اللغتين يعاني من الترجمة الوسيطة ومن ندرة الأعمال المنجَزة. حيث شهد مجال الترجمة من الإيطالية إلى العربية، في السنوات الأخيرة، تحوّلًا ملحوظًا، انعكست آثاره على الثقافتين العربية والإيطالية. وتعودُ بدايات التأسيس الفعلي للترجمة من الإيطالية إلى العربية إلى المترجم المصري طه فوزي (من مواليد 1896 بالمحلّة الكبرى)، الذي يُعَدّ الرائد الحقيقي للدراسات الإيطالية وللترجمة من الإيطالية. فقد قدّم العديد من الإنجازات التأسيسية تخطّت الثلاثين عملا، لعلّ أشهرها ترجمة المحاضرة العلمية التي ألقاها لويجي رينالدي في القاهرة (1921) وظهرت لاحقا بعنوان: "المدنية العربية في الغرب" على صفحات "مجلة المقتطف"، فضلا عن نقله جملة من الأعمال والكتابات الأخرى مثل "حياة نيكولا ميكافيلي الفلورنسي" لجوزيبي بريتيزوليني، و"هذه هي اليمن السعيدة" لسلفاتور أبونتي، و"محاسن الإسلام" للاورا فيتشا فالييري، و"واجبات الإنسان" لماتزيني، و"مملكة الإمام يحيى: رحلة في بلاد العربية السعيدة" لسلفاتور أبونتي، وغيرها من الأعمال الأدبية والتاريخية.

بحكم شغفي بالنبش في الخطاب الفلسفي الغربي الذي تراكم في المواقع الرقمية منذ بداية الأزمة الوبائية التي اجتاحت العالم بأسره، وقع اختياري على مقال مكتوب بالإنجليزية، منشور بموقع theconversation بتاريخ 29 أبريل الأخير ويحمل توقيع فيتوريو بوفتشي، أستاذ الفلسفة السياسية بإحدى الجامعات الإرلندية، مهتم بالظلم الاجتماعي وبفلسفة حقوق الإنسان.
ينطلق الكاتب من مفهوم "الحالة الطبيعية" عند الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز (1588-1679) مستشهدا بأقواله من أجل وضع القارئ أمام أهوال تلك الحالة، لكنه يقدم في ثنايا مقاله مخارج ممكنة للانفلات من قبضة الحالة الطبيعية الهوبزية. لنتابع.

"ان كل الفلسفة ملتزمة، وإن لكل الفلسفة العظيمة سياسة"
تقديم:
موريس ميرلوبونتي فيلسوف فرنسي ولد سنة 1908 وتوفي سنة 1961 تأثر بفينومينولوجيا هوسرل وبالنظرية القشتالتية النفسية التي وجهت اهتمامه نحو البحث في دور المحسوس والجسد في التجربة الإنسانية بوجه عام وفي المعرفة بوجه خاص. من أهم كتبه بنية السلوك وفينومينولوجيا الإدراك الحسي.
يمنح موريس مرلوبونتي لفن الحوار مكانة بارزة في أسلوبه الفلسفي ويخوض تجربة النقاش مع الغير بغية الاتصال بالجمهور وعرض أفكاره وتحليل نظرياته للعموم والخروج بالفكر الفلسفي من الجامعة الى المجتمع وذلك لأن المطلوب من أي مؤلف هو اعتناء التفسير بمختلف المشاكل التي يطرحها في صيغة أسئلة ولا التعرف على المذهب العقدي الذي يتبناه والشرح الدقيق للنصوص التي كتبها باللغة الأكاديمية.

كل علامة تتضمن أو تستلزم ثلاثة أنواع من العلاقات. النوع الأول علاقة داخلية، وهي التي تصل بين الدال والمدلول. ثم هناك علاقتان خارجيتان: أولاهما افتراضية هي التي تجمع العلامة بمخزون خاص من العلامات الأخرى، من بينها نختار العلامة المرغوبة لندرجها ضمن الخطاب؛ وثانيتهما فعلية متحققة داخل الملفوظ، وهي التي تربط العلامة بغيرها من العلامات التي تسبقها أو تتلوها.
النوع الأول من العلاقات (الداخلية) يتجلى بوضوح في ما يسمى عادة الرمز؛ فالصليب مثلا يرمز للمسيحية، جدار الفيدراليين يرمز للكومونة، واللون الأحمر يرمز لمنع السير؛ سنسمي هذه العلاقة الأولى علاقة رمزية، رغم أننا لا نجدها في الرموز فقط، ولكن نجدها أيضا في العلامات، ( ويمكن اعتبارها بمعنى عام جدا رموزا اصطلاحية خالصة).

"لم أفهم أبداً الأدب إلا من حيث هو مشاركة في العالم... إذا لم يكن كل شيء، فإن الأدب ليس شيئًا... لذا لا يوجد أدب واضح ، ولكنه في عمق العالم"
تمهيد:
اذا كانت الفلسفة نخبوية بالأساس وتتكلم بلغة مفهومية مجردة صعبة القراءة والتقبل وتتحرك ضمن فضاء أكاديمي وتعيش في برجع عاجي منغلق على ذاته، فإن الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر وجد لها الحلول والوسائط البيداغوجية الضرورية لكي تتجاوز أسوار الجامعات وتصل الى الجمهور وتكسب الكثير من القراء والمتابعين من خلال تكلمها لغة الأدب والمسرح، وتخترق الثقافة الشعبية عن طرق النقد والالتزام والتطرق الى قضايا الناس والتفكير في شؤونهم اليومية وتقدم حلولا ملموسة لمشاكلهم الفعلية.

باعتباري مهتما بقراءة ما يكتبه فلاسفة الغرب عن جائحة فيروس كرونا منذ بداية انتشارها، أجريت اليوم بحثا في محرك غوغل لأقرأ مقالا فلسفيا جديدا ذا صلة بالوباء. في الصفحة الأولى من نتائج البحث الكبيرة العدد كما تعلمون، وقع ناظري على خطاب من تأليف الفيلسوف الإيطالي سيرجيو بينفينوتو Sergio Benvenuto، رأى النور على صفحات .journal-psychoanalysis.eu يوم 2020/03/02. وبما أن هذا النص منشور هنا باللغة الإنجليزية فلا شك في كونه نتاج ترجمة من اللغة الإيطالية، ولا ضير من ترجمته إلى اللغة العربية انطلاقا من الترجمة الإنجليزية.

"أنا لست اختصاصيا في الفيروسات ولا في علم الأوبئة، ومع ذلك فقد تكونت في ذهني فكرة - رغم أني عشت أكثر من سبعين عاما، وبالتالي أنا من بين الأشخاص الأكثر ضعفا - عن كوني غير خائف من فيروس كرونا على صحتي. بالنسبة لي، قد تكون هناك أسباب احتمالية، مثلا عندما أسافر على متن طائرة: يمكن أن تتحطم، ولكن يبقى ذلك من المستبعد جدا. في الواقع، مات حتى الآن فقط 364.459 شخص في جميع أنحاء العالم نتيجة للفيروس. ولا مجال لمقارنة هذا الرقم بأعداد ضحايا الحربين العالميتين. أولئك الذين ماتوا في إيطاليا بالوباء ربما عددهم أقل من أولئك الذين قتلوا في حوادث السير بالإضافة إلى وفيات حوادث الشغل. باختصار، أنا لست خائفا من العدوى، لكني أكثر قلقا بشأن رد الفعل الاقتصادي لبلد مثل بلدي، الذي هو في تراجع مستمر منذ التسعينيات. بعد كل شيء، الفقر يقتل أيضا.