"أردت أن أكون خائناً، لصا، ناهبا، مخبرا، كارها، مدمرا، محتقرا، جبانا. بضربات الفأس والصراخ، قطعت الحبال التي شدتني إلى عالم الأخلاق المعتادة، أحيانا فككت عقدها بشكل منهجي. بوحشية، أبتعدت عنكم، عن عالمكم، عن مدنكم، عن مؤسساتكم. بعد ما خبرت حظركم الإقامة، سجونكم، إنذاركم ، اكتشفت مناطق خالية شعرت فيها بفخر أكبر. " (ج.ج.)

1 - المجتمع الإجرامي حسب جينيه

عالم جان جينيه يختصر بأكمله في هذه الكلمة (المقتطفة من "يوميات لص" ). قال طبيب محلف لدى إحدى المحاكم إن جان جينيه وصل إلى "العمى الأخلاقي". هذا ليس خطأ لأن جينيه مرشد أخلاقي يتهم المجتمع ويريد إعادة تأهيل المجرمين. يجب أن نتذكر أن الإنسان الفاضل ليس هو الرجل الذي يصنع لنا أخلاقا ولكنه الشخص الذي يبني أخلاقا، أيا كانت .

تقديم
ينطلق آلان تورين من مبدأ أساسي وهو أن أي مجتمع تاريخي (مجتمع متوفر على شروط التطور)، يقوم على دعامتين أساسيتين: مجموعة من الممارسات التي يقوم بها تجاه محيطه (ثرواته الطبيعية والبشرية) وهو ما يسمى الاقتصاد. ومجموعة من التأويلات التي ينتجها حول هذه الممارسات ليعطيها معنى، وهو ما يسمى الثقافة.
وتختلف الأنماط  المجتمعية باختلاف هذين العنصرين. فالمجتمعات الدينية تقوم بممارسات دينية وتفكر في نفسها وفق مقولات دينية (تمثلت في الفكر اللاهوتي في القرون الوسطى). والمجتمعات السياسية التي ظهرت مع عصر النهضة، وامتدت حتى القرن التاسع عشر. وقد قامت على أساس ممارسات سياسية ( الملك ، الشعب، الحرب...). وتجلت التمثلات الثقافية لهذا المجتمع في إنتاج ما كيافيللي وهوبز ولوك وروسو وطوكفيل..؛ والمجتمعات الاجتماعية التي ارتبطت بالثورة الصناعية، والتي اتسمت ممارساتها بالبعد الاجتماعي (الأسرة، الطبقة، النقابة، المدرسة..)،  وفكرت في نفسها بمقولات اجتماعية عبرت عنها السوسيولوجيا كما حددها دوركايم بكونها تفكيرا في  الاجتماعي بما هو اجتماعي.

في بداية الألفية الثالثة، صدر لماريو بارغاس يوسا رواية "حفلة التيس" عن دار النشر "غاليمار" الشهيرة. في هذه الرواية تحدث الروائي عن مدينة عليها أحد الطغاة الذي يذيق شعبه الهوان. استطاع ماريو بارغاس رسم صورة مرعبة لذلك الطاغية، مستعيناً بحسه الروائي العميق، وبتجربته الأدبية الفنية. نجح في تقصي فترة تاريخية، سياسية تصعب على الرواية تناولها بنفس الشكل.
ثمة وصف عميق ودقيق للدواخل الشخصيات ومشاعرها، وحالات الهلع والذعر التي تنتابها، ووصف آسر للشوارع والبيوت والحدائق والطرقات والروائح، وزرقة البحر وفق منحى بصري لا يترك شيئاً إلا ويجد له حيزا في رواية الأرواح الباحثة عن الطمأنينة في تضاريس تلك الجمهورية المضطربة والقلقة، فتتحاور بخوف، وتحيا بخوف، وتموت بخوف... لكنها تتغلب في النهاية على هذه العقدة، وتقتل الطاغية.

تقديم:
نترجم هنا كلمةMédiocre الفرنسيّة بعبارة "متوسط الكفاءة" لأن الأمر يتعلق بمجال العمل والتسيير في المجتمعات المعاصرة، التي بعد أن كانت تفوّض إدارتها إلى من يتمتعون بالأهلية التامة في مجالاتهم، انتقلت تدريجيا نحو وضع يقتضي توظيف من هم في مستوى "المعدّل العام"la moyenne générale  (المتوسّط)، ونحو الحطّ من درجة الكفاءة الوظيفية إلى المستوى المتوسطMédiocre ، بل والى ما هو أدنى من المتوسط. أما ما يسمّيه "آلان دانيو" هنا بالمديوقراطيةMédiocratie  فهو حسب رأيه سيطرة هذا المستوى اليوم على مجالات العمل والتسيير بشكل عام، إنه كما يقول "المستوى المتوسّط وهو في طور الفعل"(La médiocrité en acte  )، أو قل في طور التحكّم. وإذا أردنا أيضا تحميل العبارة شُحْنةً أخلاقية وسياسية فإنه يمكننا أن نستخدم لفظ "تفاهة"، (ومنها التافه: جمع توافه وتافهين) أو "رداءة" أيضا، وذلك قياسا على  درجة الانحطاط الحاصل وعلى ما لحق بالمجتمعات من ضرر اجتماعي ومعرفي وسياسي من جرّاء صعود وتفشي هذا النمط الجديد من التسيير. وفي الحقيقة، يضعنا المعجم الفرنسي أمام المعنيين في الآن نفسه: فالجذر اللاتيني mediocritas يعنى أن يكون الشيء في مستوى متوسّط (fait d’être moyen) وهو ما يتأتى من معنى medium، أي milieu. ولكن المعاجم الفرنسية تحيلنا أيضا إلى المعنى الثاني الذي يدلّ على المستوى الأدنى من المتوسط (Dont la valeur est inférieure à la moyenne) وعلى التفاهة أو حتى الرّداءة (Qui n’est pas intéressant, qui est très mauvais).

أي شيء أكثر موضوعية ظاهريا من خارطة نصفي الكرة للأرضية؟ إنها تقدم العالم فيما يبدو كما هو.. هذا مجرد وهم.. إنها تقدمه كما يراه العالم الجغرافي؛ دلك أننا حين نرسم كرة على سطح نحدد لهذا الرسم حرفه وجهتيه العليا والسفلى ومركزه. هكذا نجد في الخرائط أستراليا في الأسفل على اليمين، في اليسار أمريكا، وأفريقيا تحت أوربا التي توجد في الوسط.

هل هي رؤية محايدة؟ بالطبع، لا. فها هو العالم الجغرافي كريستان كرتلو، أحد المشاركين في الندوة التي نظمتها جامعة باريس دنيس ديدرو بمناسبة عيد ميلادها الثلاثين، يقول: "رتبت أوربا، التي هي أصل العالمية، وجه الأرض حول ذاتها". جمعت أعمال هذه الندوة في كتاب غني ومثير بشكل خاص بعنوان ."Trans-etre les passés" :في هذا الكتاب أسئلة عن شروط إنتاج المفاهيم المتداولة بكثرة في العلوم وعن دلالتها وصلاحيتها، وفيه بيان لكون العلوم ساهمت دائما في تشكيل رؤية للعالم مشبعة بالإيديولوجيا على حساب حرصها على توافر الدقة والموضوعية في نظرتها إلى الأشياء.

في نهاية نوفمبر ما قبل الأخير، عقد بموسكو مؤتمر مجموعة Vperiod ("إلى الأمام! ")، وهي منظمة سياسية ماركسية روسية صغيرة أغلب أعضائها من الشباب. على الرغم من صغر حجمها، فهي ناشطة داخل حركة مناهضة للعولمة، كما في دعم نضالات العمال. ينشط هؤلاء المناضلون الملتفون حول جريدتهم، في مدن روسية مثل ساراتوف، ياروسلاف، سمارة، سانت بطرسبرغ أو حتى تيومين.

هم يواجهون وضعا صعبا للغاية. السيد المطلق للإعلام، للبرلمان، للمؤسسات والنقابات، فلاديمير بوتين تمكن فعلا من استغلال سلبية السكان الذين يعانون، في معظمهم، من الآثار المدمرة لقوانين السوق بلا جهاز للحماية والذين يجب عليهم أن يضمنوا بشكل متزايد معيشهم اليومي بواسطة "تدبيرهم" الشخصي.

في مواجهة تعدد الهجمات المعادية للمجتمع والقمع ضد النقابيين المستقلين، بدأت المقاومة الشعبية في الظهور. نقابتانان مستقلتان سعتا جاهدتين لتنظيم أنفسهما ضد الاتحاد الرسمي: الأكثر راديكالية، زاشيتا لديها حوالي 90،000 عضوا، واتحاد العمل يضم ما يقرب من مليون عضو.

ملخص:
قدّم فيلسوف البلاغة الجديدة ش. بيرلمان سلسلة من المحاضرات حول فلسفة المنطق في خمسينيات القرن الماضي، وقد تمّ جمعها، فيما بعد، في ثلاث كراسات نُشرت عام 1959 وأُعيد طبعها سبع مرات. اشتملت الأولى والثانية منها على مقدمة تاريخية في الفلسفات القديمة للعصر الإغريقي؛ وللعصور الوسطى وللأزمنة الحديثة. أما الثالثة فقد تضمنت على قسمين: الأول حول عناصر المنطق الشكلاني؛ والثاني احتوى على الخطوط العامة في نظرية الحِجاج الذي تمّ ترجمته في نصنا هذا، إضافة إلى ترجمة مُقدِمة المؤلِف للكراسة الثالثة. وسوف نقوم بترجمة ونشر الكراسات الأخرى تباعاً.

*  Chaïm Perelman : Cours de logique … Logique Formelle et Théorie de l’argumentation (Pro manuscripto), 3 fascicules, PUB, 1959, 7e éd. 1964. Premier fascicule, Introduction historique…Antiquité. Deuxième fascicule, Introduction historique…Moyen âge et Temps modernes.

اعتبارات أولــــــــــيّــة

على الرغم من تعدد مفاهيم المنطق وتنوعها، إلا إنها ترتبط جميعاً بفكرة الإثبات. فالمنطق هو دراسة طرق الإثبات في الاستدلال.   

واياً كانت الفكرة التي لدينا عن الإثبات، فهو مفهوم يتعلق دائماً بأطروحة موضوعة في شكل صيغة معبر عنها بلغة معينة. وهذا ما لا ينطبق على الحالات السايكولوجية التي تمر بها النفس الإنسانية، مثلاً، فهي حالات نختبرها ونشعر بها، لكنها ليست موضوعة في شكل صيغة محددة، ولا يمكن إثباتها. من هنا، جرى حسم دور لغة العامة القابلة للتواصل بسهولة، بل وكان اقل الميزّات تنازعاً عليها في المنطق.

تقديم: يطرح الباحث البلجيكي "دانيال زامورا" في هذا المقال (من جريدة "لوموند دوبلوماتيك"، جانفي 2019) مسألة الانتقال من الطرح التقليدي لمسألة العدالة الاجتماعية- وهو طرح يرتكز على مفهوم الدولة الراعية وعلى التحليلات الاشتراكية الماركسية التي تعود إلى القرن التاسع عشر- والطرح المعاصر لدى علماء الاقتصاد وعلماء الاجتماع الذين واكبوا تطور الرأسمالية المعاصر والأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي أفرزتها. ففي حين يركّز الطرح التقليدي على نقد الفوارق الطبقية بين الأغنياء والفقراء وعلى ضرورة تدخل الدولة من خارج المنظومة الاقتصادية لحل مشكل الفقر واللامساواة (أي أنه يعتبر المشكل سياسيا واجتماعيا)، يتّجه الطرح المعاصر أكثر فأكثر إلى التعامل مع الفقر باعتباره حقيقة مستقلة عن الفوارق الاجتماعية بين الأفراد وعلى ضرورة معالجته معالجة مالية مستقلة لا تتضارب مع مقتضيات اشتغال السوق(بمعنى أنه يحوّل الفقر إلى مسألة اقتصادية بحتة). وهو ما يطرح أمامنا سؤالين اليوم: هل ستنجح المنظومة النيوليبرالية في التعامل مع الفقر بفصله عن جذوره الاجتماعية العميقة إلى ما لا نهاية؟ أم أن زخم التناقضات الاجتماعية سيعيد مسألة اللامساواة والفقر حتميّا إلى حلبة الصراع الاجتماعي والى الجذور الحقيقية للمشكل؟ أهمية هذا المقال تتأتى من كونه يرصد في إيجاز مراحل تطوّر التفكير الاقتصادي المعاصر في مسألتي الفقر واللامساواة وينظر في مدى مشروعية المقاربة النيوليبرالية لهما.