من الأغنية إلى العولمة أو العلمانية مرورا بمغامرات الأحزاب السياسية، مسار يدل على أن إدغار موران فضولي يريد معرفة كل شيء. لكن ما يميزه أكثر هو شكل فكره، حيث يتم نسج كل شيء معا. هنا لقاء مع أب الفكر المركب، من خلال هذه الحوار الذي نشر في شهر ماي من 2018 في مجلة "Carnets de science".

بفعل تقدمه في السن جعلته مشيته يبدو مثل شيخ حكيم، لكن إدغار موران يبقى أكثر من أي وقت مضى عالما أنثروبولوجيا بمجتمعنا المعاصر. مع أنه مؤلف عمل ضخم تحت عنوان "المنهج"، نُشر على مدار ما يقرب من ثلاثين عاما، لم يتعب أبدا من أن يشرح مرارا وتكرارا كيف أن الفكر المركب الذي قام ببنائه هو أفضل وسيلة لفهم العالم بكل ما فيه من تنوع. فضلا عن كونه مديرا فخريا في المركز الوطني للبحوث العلمية، إدغار موران هو أيضا رئيس نشط للمجلس العلمي لمعهد علوم الاتصال. في مكتبه بالدائرة 13 بباريس، يحكي بجرعة زائدة من الاستنكار الذاتي عن علاقاته بعالم البحث، المنحرف أحيانًا بالنسبة لهذا المفكر المادي، الذي ينمي عن طيب خاطر التناقض والغموض.

في سنة 1382، طلب عالم عربي في خدمة حاكم تونس الإذن له بزيارة مكة، وعندما حصل عليه أبحر في اتجاه إسكندرية مصر. وهكذا ، في سن الخمسين، هاجر – نهائيا – بلاد المغرب ( العربي) التي أدى فيها هو نفسه و أجداده دورا مهما ضمن شتى المجالات.
كان عبد الرحمن بن خلدون ( 1332 – 1406) ينتمي الى عائلة من جنوب شبه الجزيرة العربية. استطاعت الحلول بإسبانيا مباشرة بعد غزو هذا البلد من قبل العرب وكتب لها الاستقرار بمدينة اشبيلية. وعندما استأنفت الممالك المسيحية في شمال شبه الجزيرة الايبرية توسعها الكبير، رحلت عائلة ابن خلدون الى تونس. عائلات أخرى كثيرة منقطعة بالعادة للثقافة وخدمة الدولة قامت بنفس الشيء والتحقت بمدن المغرب، غرب العالم الاسلامي، لتشكل طبقة الأشراف التي استغلت العائلات الحاكمة المحلية كفاءاتها.

يعتقد سورين كيركيغارد (1813-1855)، كما اعتقد سلفه إيمانويل كانط، أن المعرفة الأخلاقية بديهة عالمية. وقد غنّى بوب ديلان ذات مرة: "أنت لست بحاجة إلى خبير جوي لمعرفة الطريقة التي تهب بها الرياح"، ولعل كيركيغارد أراد القول إنك لست بحاجة إلى مختص في الأخلاقيات لمعرفة الحق من الباطل.
يرى كيركيغارد أنه عندما يتعلق الأمر بالأخلاقيات، فإنه لا يوجد غرض معرفي، أو بالأحرى مجموعة من القواعد أو المعايير التي يتناقلها شخص عن آخر. لكن لمجرد كون خبير الأخلاقيات هذا غير قادر على منح أي شخص أي جزء من المعرفة الأخلاقية التي لا يعرفها سلفا، فإن ذلك لا يعني أنه لا يوجد شيء يمكن للكاتب القيام به لمساعدة القارئ على أن يعيش حياة أكثر استقامة.

نظرا لأن تزفيتان تودوروف، الفرنسي الجنسية والبلغاري الأصل، تربطه صداقة بالمفكر العالمي الفلسطيني إدوارد سعيد، وبما أن وفاة الثاني حدثت قبل وفاة الأول، كتب الأخير مقالة نشرتھا جريدة لوموند ضمنھا شھادته في حق صديقه ذي الأصل العربي. من خلال مضمونھا، تھدف المقالة إلى تقديم عربون الوفاء بالذكرى واستعادة لمكانة إدوارد سعيد وقامته في العديد من المجالات المعرفية .

”كان ادوارد سعيد واحدا من المثقفين الأكثر شھرة وتأثيرا في العالم، ألّف نحو عشرين كتابا، كان يبدو أنه يحيا حيوات في ذات الوقت، مارس النقد الأدبي في بداياته الأولى، وسار فيه على خطى جورج لوكاش وإيريش أويرباخ، أّما شھرته فھو مدين لھا بأعماله التي أنجزھا عن الھويات الثقافية، ولقاء الثقافات، وعن القوميات والحركات الإمبريالية، كما كان أيضا أحد الأصوات المسموعة أكثر التي تخدم القضية الفلسطينية1، بيد أنه كان يحرص على أن يكون دفاعه آخذا بالحسبان الشعب اليھودي ومعاناته التي تمتّد من الاضطھادات حتى المذابح.

"1- الرمز:
ظاهرة لسانية يشتغل عليها التحليل في حقلين مختلفين:
- مسطح اللغة، جثة هامدة، نسق مغلق حول نفسه.
- مسطح الكلام ،من حيث هو حركة التي تتخذ من الجملة نقطة ارتكازها.
- المعنى الرمزي:
في الظاهر لا يعدو أن يكون سوى حالة خاصة من المعنى.
-الكلمات هي متعددة المعاني: إن لها أكثر من دلالة واحدة، حيث إمكانية عدة استعارات التي لها معنى مضاعف، أو معنى المعنى.
-تمثل الحلم يتطور في مشهد معين، لكن من جهة أخرى تريد صوره أن تقول شيء معين ولا تتجاوز إذن نحو ماوراء الصور ذاتها. نزيف المعنى.
-الانزياح، تشرد شعب، يعني في درجة ثانية بعد من الوضع البشري تم انتزاعه من مكان معين في حركة نحو مكان آخر.
-النور هو الوسط في مرآوية الأشياء، لكن هو أيضا رمز لشفافية الأشياء وللعلاقة بين الأشياء.

خص آلان تورين، أحد أكبر السوسيولوجيين في عصرنا، مجلة زمان بحوار قيم أبرز فيه رؤيته للحداثة، للديمقراطية وللعنف الذي يهز عالمنا. وهي أفكار تتجاوز نطاق ما هو مألوف ومحافظ.
يذكرنا آلان تورين في هذا الحوار بأنه رجل مبادئ. وهو قول يقطع مع الحياد الشائع لدى السوسيولوجيين. تلك خطوة ملتزمة لها ثمنها في النهاية. ويعتبر هذا السوسيولوجي الفرنسي من أكثر السوسيولوجيين تأثيرا في عصرنا. وقد ترجمت كتاباته ونشرت في أكثر من مئة بلد. ولد آلان تورين سنة 1925. وانضم في شبابه إلى المدرسة العليا للأساتذة بباريس. وهي مدرسة مفرطة الانتقائية بالنسبة إليه. وعلى خطى السوسيولوجيا الميدانية، تقمص تورين شخصية عامل منجمي بشمال فرنسا خلال سنة 1947. وبذلك دشن مرحلة طويلة من سوسيولوجيا الشغل، مع التوقف طويلا عند الحركة العمالية. وفي سنة 1964، نشر أحد أعماله الذي يعتبر مرجعا في الميدان، "الوعي العمالي".

هؤلاء الإغريق الذين يسكنون وجداننا وتفكيرنا وتأويلاتنا وتصوراتنا بمختلف مشاربها وأزمنتها وأمكنتها، هل بإمكاننا التفكير خارج جبتهم في الفلسفة كما الكوسمولوجيا، وفي السياسة كما العلوم، وفي الموسيقى كما الفنون؟ إنهم يمثلون هذا الحاضر، بل قل إنهم الحاضر وقد تنطع من القوانين التي وضعوها.. كل تفكير إذن لا يمكن أن يخرج عن إطار ما هو إغريقي حتى ولو كان يضاده أو يناقضه تماما، بل أكاد أقول أننا لسنا سوى صدى وإعادة تكرار لما حصل خلال سبعة قرون بميثولوجياتها ولوغوسها، بفنها وأدبها، وبخَطابَتها فمنطقها.. أليست فلسفة العصر الوسيط تثمينا للصراع الضمني بين الأفلاطونية والأرسطية في ربط شيق بين الثيولوجيا والأكسيولوجيا؟ إضافة طبعا إلى أفلوطين والذي إن لم يكن إغريقيا بالجغرافيا فإنه إغريقي بالهوى. أوليس الصراع الذي طبع الفلسفة الحديثة بين المدرستين العقلانية والتجريبية يجسد الصراع الضمني بين المعلمين الأول والثاني على المستوى الفلسفي والإبستيمولوجي والمنطقي والسياسي..؟

يوجد الفكر الفلسفي لبول ريكور عند مفترق طرق التخصصات المتعددة ، ويعتبر أمرًا أساسيًا في علم اللاهوت ، ولكنه لا يشتمل فقط على اللاهوت - وخاصة التفسير الكتابي – بل يتضمن أيضا الفكر النقدي والعمل الأكاديمي المعاصر. كما تعد أعمال ريكور الفلسفية مرجعا أساسيا لأولئك المهتمين بعلم الجمال ، لأنها تعيد تأهيل اللحظة الجمالية الحرة ضد أي سبب فعال. كما يشدد ريكور على التغلب على الأخلاق من خلال علم الجمال (الذي له الحق في أن يكون أخلاقيًا) ، لكنه يبيح إمكانية فصله عن الأخلاق أيضًا ، بقدر ما يأخذ مصدره في اللغة وفي الفعل الإنساني (وليس في فعل الله أو في خلقه على هذا النحو).