يتوخى تدريس النصوص الأدبية في مدرستنا تحقيق مجموعة من الأهداف المراد بلوغها من أجل الإرتقاء بالمستوى المعرفي والجمالي لدى المتعلم وكذلك إلى تنمية الحس النقدي لديه وتهذيب شعوره وجعله منفتحا على المنتجات الأدبية والفكرية القديمة والحديثة، وكذلك من أجل تكوين بعد ثقافي لديه٠ علما أن النصوص المقررة في الكتب المدرسية تختلف من ناحية عصورها وكذلك من حيث اتجاهاتها الأدبية والفنية، إلا أن طريقة تدريس هذه النصوص تختلف من جنس أدبي إلى ٱخر، إلا أن السؤال المطروح هنا،هو؛ هل يراعي فعلا ديداكتيك النصوص الخصوصيات الفنية والجمالية والإبداعية والثقافية التي ينتمي إليها النص ؟
حيث تذهب اتجاهات الفكر التربوي المعاصر إلى أن عملية فهم النصوص وتدريسها تعتمد بالأساس على التقاطع الموجود بين الثقافة الممثلة لأفق القارئ وبين النص على اعتبار أن النص ينتمي إلى عصر معين تتحكم فيه عوامل متعددة تؤثر على الكاتب بحيث لا يمكنه الخروج عن ثقافة عصره لهذا فالنص الأدبي يخلق نظامه الدلالي الخاص داخل النظام الدلالي العام للثقافة التي ينتمي إليها ، وبالتالي فإن إنتاج الدلالة يكون بالتفاعل بين النص والقارئ داخل سياق ثقافي معين٠
وإذا أخدنا على سبيل المثال؛ شعر العصر الجاهلي، فلا يمكن تدريس قصيدة تنتمي إلى هذا العصر لإمرئ القيس مثلا دون استحضار قصة حياته وأيضا دون استحضار البناء العام للقصيدة في العصر الجاهلي وكذلك بيئة هذا العصر ومدى تأثيرها على نفسية الشاعر، لهذا فمن الضروري على المدرس أن يشير لهذه العوامل لأنها تدخل في الإطار العام لفهم القصيدة، لأنه بقراءة النص وحده دون الإشارة إلى المؤثرات التي ساهمت في تحفيز الأديب على إنجازه يبقى فهمنا للنص عقيما، إذ أن عملية القراءة وحدها لن تكشف لنا عن نظامه الدلالي٠ وخير مثال أيضا على ذلك مثلا النصوص الشعوبية المدونة في العصر العباسي لشعراء أمثال بشار بن برد؛ فنص من نصوص بشار لا يمكن فهم معناها دون الإحاطة بالظروف الخارجية التي ساهمت فيه، لا يمكن فهم النص دون العودة الى تاريخ تلك الحقبة التي عاش فيها من أجل استحضار تلك النفس التعصبية للموالي وعدائهم للعرب . من هنا على المدرس أن يصبح مؤرخا في كثير من الأحيان من أجل وضع النص في سياقه التاريخي الذي لا مفر من الابتعاد عنه، لأن النص لا يمكن أن يعبر عن ثقافة خارجة عنه أو بعيدة عنه، لأن الثقافة السائدة في عصر معين هي التي تؤثر في الميولات الفكرية والأدبية للأديب ٠
وبعودتنا للنصوص الأدبية المقررة في الكتب المدرسية المقررة في مدارسنا نجدها تتضمن نصوصا تنتمي إلى عصور أدبية مختلفة كالعصر الجاهلي والإسلامي والعباسي والعصر الحديث؛ وأن كل نص ينتمي إلى عصر معين٠إلا أن ما يعاب عليه الأدب العربي هو ربطه بالحقب السياسية مما يذهب بالبعض إلى اعتبار هذه النصوص تنتفي فيها صفة الإبداعية والجمالية، ومن المعلوم أن هناك اختلافات كثيرة بين هذه العصور، وإذا عدنا إلى منهجية تدريس النصوص الأدبية في المدرسة المغربية فهي تعتمد على طريقتين ؛ طريقة عامة وهي الطريقة المتبعة في تدريس المادة ككل، الطريقة الخاصة وهي طريقة تدريس كل درس بحسب موضوعه ٠ لنأخذ على سبيل المثال نصا ينتمي إلى أدب الخطابة على اعتبار أن هذا النص ينتمي إلى مجزوءة الأنماط الحجاجية من كتاب النجاح في اللغة العربية للسنة الأولى بكالوريا تخصص آداب وعلوم إنسانية للكاتب عبد الحميد الكاتب، فقراءة النص وحده وفك شفراته لن يؤدي بنا إلى نتيجة، لأن ذلك النص جاء نتيجة ظروف تحكمت في إنتاجه على اعتبار أن كاتب هذا النص ينتمي إلى العصر الأندلسي؛ وجاء هذا النص نتيجة تكليف الخليفة الناصر لدين الله لعبد الحميد الكاتب على ذكر خصاله الحميدة ودوره في إرساء دعائم الدولة في عصره٠ لهذا فقراءة التلاميذ لهذا النص والاكتفاء به لن تؤدي إلى النتيجة المرجوة خصوصا وأن النص كتب بلغة صعبة تعود مصطلحاتها الى العصر الجاهلي والإسلامي، حيث وجب على المدرس بعد قراءة النص مباشرة؛ ذكر ظروف إنتاج النص، وقد جاءت أيضا في الكتاب المدرسي من أجل الكشف عن النظام الدلالي للنص، هذا الأخير الذي تحكمت فيه مجموعة من العوامل ٠
من هنا فعلى المدرس أن يكون مطلعا على ثقافة كل عصر قبل أن يدخل في تفاصيل أي نص ينتمي الى عصره أي عليه أن يكون ملمّا بتاريخ الأدب العربي ككل .