وبرحيله فقد الشعر العربي أحد أهم شعرائه الطليعيين الذين ملأوا المنابر الثقافية ـ ولمدة طويلة ـ بحضورهم القوي عبر مواقف جريئة حارقة، وقائمة على الرفض والنقد الصريح، لأنه كان مهووسا بجوهر الوجود ومعناه. ومن ثم راح يستعيد البحث الرامبوي عن ذلك الاحتجاج الاجتماعي ـ الوجودي ـ، ويصرخ بأعلى صوته معلنا عبث العالم، داعيا إلى تغييره.
لقد اختمرت تجربة محمد الماغوط الشعرية في ظل ثنائية الصراع بين العرب والصهيونية على الصعيد الخارجي، وبين قوى التخلف والتقدم داخليا، وتشكل هذه الثنائية خلفية أساسية لرؤية الشاعر للعالم. إذ انخرط في حركة المجتمع يندد بالهزيمة وبالواقع الاجتماعي الذي أنجبها، ويحاسب المسؤولين الحقيقيين عنها.
وتتسع رؤية محمد الماغوط المنددة بالهزيمة في كل ما كتب من شعر، وهي أكثر احتفالات بالمحتوى السياسي وافتضاح السلطة العربية عقب هزيمة حزيران 1967 المريعة.
وتكمن أهمية محمد الماغوط في كونه استطاع أن يعطي للغته الشعرية حرية جنونية، إذ اتخذ تعبيره الشعري نبرة عنيفة في محتواه الدلالي، وفي شكله اللغوي والأسلوبي في آن معا، وهذا ما تجسد في نكهة العري التي مارسها الماغوط في معجمه الشعري عبر توظيف لغة الانتهاك، وتعمد البذاءة اللغوية المتحررة من أسار اللغة النمطية المقدسة "اللغة التراثية الفصيحة" ليحط في عالم الناس ويلتحم بمشاكلهم وتناقضاتهم جريا على مقولة" اندريه برتون: André Breton" حين يتعلق الأمر بالتمرد، ينبغي ألا يحتاج أحد منا إلى أسلاف" بيانات السريالية ص 80.
والمتتبع لأعمال محمد الماغوط الشعرية، يلاحظ أن البذاءة اللغوية اتخذت عنده حجما أوسع من شعراء جيله، لأنها مرتبطة عنده بالتمرد على المواضعات الاجتماعية المكبلة للحرية. ففي ديوانه: "حزن في ضوء القمر" قصيدة بنفس العنوان يقول فيها:
" وأنا أتسكع تحت نور المصابيح.
أنتقل كالعواهر من شارع لشارع...
أشتهي جريمة واسعة