" إن العقل الذي يسمو إلى معرفة الحقائق الأبدية لا يفنى حيث يتداعى الجسد، ذلك لأن البشر إنما يذمون الظلم خوفاً من أن يصبحوا من ضحاياه، لا اشمئزازاً من ارتكابه " . " من المستحيل وجود نظام حكم مثالي لأفراد ليسوا مثاليين " ( أفلاطون).
- المقدمة: يتحلى الخيال بأهمية كبيرة في الفكر الفلسفي، والإنساني عموماً، حتى ليصدق القول إن الإنسان يتميز بكونه يتخيل. فالخيال هو الَملكَة التي تنقل الإنسان من التعامل مع المُعطى والسائد، إلى التعامل مع المُتشكِّل بإرادة الإنسان وعمله. وهكذا يصبح العالم، مع الخيال، عالماً لنا بعد أن كان عالماً قائماً بذاته، وبعد أن كان خاماً يُصبح واقعاً مفيداً. وهكذا يتجاوز الإنسان عبر الخيال الموضوعية المبالغة، كي يحقق تلك الصلة البينيّة والمتفاعلة بين الذات والموضوع. فيكون كلاهما في حالة " اعتماد متبادل " و" تضامن وجودي ".
الفلسفة والعلم وليدا الخيال والعقل معاً، ولولاهما لما ارتقى الإنسان بفكره وعلمه نحو حالة من التطور المتصل. فالتقدم سمة جذرها الحقيقي ينهل من معين التخيّل، ذلك أن كلاً من الفلسفة والعلم قد اصطدما، غير مّرة، بمشكلة حدود المعرفة العقلية، وأحالا الأمر عند كل " عقبة إبستمولوجية " على التخيل. وهكذا، تضامن العقلي واللاعقلي، بل والميتاعقلي، كي يشكلوا المعرفة الإنسانية بشقيها الفلسفي والعلمي. حيث يبدو أن للعلم الحديث دوراً في التخيل أكثر من اعتماده على الحواس.
إذا أردنا وضع علم الاجتماع في إطاره الصحيح، فلابد من العودة إلى الماضي ومراجعة ما قاله المفكرون عن مجتمعاتهم، أو عن فكرة المجتمع عموماً. حيث تمثل دراسة تاريخ التفكير الاجتماعي مطلباً مهماً للباحث في علم الاجتماع. إذ ينبغي أن يكون الباحث على وعي تام بتطور هذا التفكير عبر فتراته الزمنية المتعاقبة، حتى يتمكن من فهم تطور الظواهر الاجتماعية المختلفة فهماً سليماً، ذلك أن الظواهر المعاصرة إنما هي نتاج تراكمات كثيرة ومعقدة.