التحفيز يثير الإبداع ... - المختار شعالي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

    يعتبر التحفيز عاملا من عوامل الإقبال على التعلم والتوجيه، كونه يحض التلميذ(ة) على تعبئة نفسه بنفسه ومن تلقاء ذاته لمواجهة التحديات التي تعترضه وقيادة سيرورة توجيهه. وتعتبر التعبئة دافعا لتحديد أهدافه وتحسين إدارة سلوكه والرفع من استعداده للتجاوب ، إذ لن يكون للنشاط التعلمي والتوجيهي معنى وفعالية إلا إذا كان هناك تجاوب من طرف التلميذ(ة) . إن الفكرة الكامنة وراء التعبئة إذن هي إثارة موقف محفز ، موقف يضع التلميذ(ة) في حالة مشروع وميل للعمل ويعزز الاستعداد لديه لرفع التحديات والسعي وراء تحقيق الأهداف سواء تلك المتعلقة بالتعلم أو تلك المتعلقة بالتوجيه، باعتبار أن الموقف المحفز  هو بمثابة شعلة تجعل الدراسة ممتعة وتوقظ الرغبة في النجاح وتحرك الميول المهنية والاهتمامات وترفع من تطلعات التلميذ(ة) في التوجيه.

     غير أن الموقف المحفز لا يتحقق إلا حينما تتوفر الكفاءة والقدرة. هذا الافتراض يرتكز على القول ‹‹من يقدر يريد›› ، بمعنى أن الشعور الداخلي بالقدرة هو الذي يحشد مقدرات التلميذ(ة) لمواجهة التحديات. عندما يتفوق التلميذ(ة) وينجح في مهمة تتأكد قدرته ، فتتحفز ديناميكية الطموح لديه وتتولد الرغبة والإرادة من جديد، و تطفو  الحاجة إلى النجاح مرة أخرى. ويبدو أن مساهمة الأستاذ وبراعته قد تتجسد في بناء هذه القدرة ، حيث يستطيع أن يوفر الظروف لظهور الشعور بالكفاءة وتوطيده وذلك من خلال خلق وضعيات اختبار مندمجة في تعلمه.

 

المختار شعاليالمختار شعالي     ينبع امتلاك الإحساس بالقدرة - أو بعدم القدرة - من الفرضيات التي قد يضعها التلميذ(ة) لشرح نجاحه أو إخفاقاته . إذا اعتقد أن فشله يعود إلى نقص في الذكاء، فسيشعر بالعجز وعدم التحفيز لأن سبب فشله كان خارج إرادته. أما إذا عزا إخفاقه إلى نقص في الجهد أو سوء استخدام الاستراتيجيات ، فسوف يميل إلى اعتبار أن فشله يعود إلى عدم تحكمه في وضعيته. يمكنه بعد ذلك أن يقول أنه إذا بذل المزيد من الجهد أو إذا استخدم الاستراتيجيات الصحيحة ، لكان قد نجح . لذلك سيكون أكثر حماسا وأكثر استعدادا للانخراط في الأنشطة التي ستعرض عليه.

     إن الإحساس بالقدرة والشعور بامتلاك سلطة على المصير لا يتحقق بالخطابة أو بالإقناع وإنما يتحقق باختبار الذات عند مواجهة تحديات ووضعيات واقعية. يشعر الشخص بالقدرة حينما يختبر ذاته وقدراته في الواقع ومواجهة التحديات التي تعترضه. و هذا  الشعور بالقدرة هو الذي يحفز ويعبأ الذات لتتجاوز كل العوائق التي تواجهها . وعليه ينبغي التأكيد على أن الطريقة الفعلية التي يصل بها الفرد إلى معرفة ذاته وقدراته تقوم بالضرورة على الاحتكاك بالأشياء والمواقف ومواجهتها في سياقات ‹‹تعبوية››.  يقتضي هذا ألأمر إذن مرافقة وتعبئة من طرف الأستاذ(ة) أثناء عملية التعلم ، حيث يمنح التلميذ(ة) فرص تجربة اكتشاف موارده الذاتية و حدود إمكانياته من خلال تقييم ذاتي واقعي في وضعيات واقعية. ويتحقق هذا الأمر بشكل جيد حينما يعتمد الأستاذ بيداغوجية قائمة على المشروع ، حيث تعتمد معرفة الذات في هذه البيداغوجية على الملموس وتتغذى بالحقيقة المؤكدة المؤسسة على وقائع ومدعمة بها ، وبالتالي موثوقة ومستقرة . وقد يؤدي التأثير المتكرر لهذه التغذية إلى تثبيت التماسك النفسي. يتعرف المراهق على ذاته ، إذن ، ليصبح واضحا ومألوفا وقابلا للتنبؤ مع الشعور بالثقة بالنفس التي لا تتبدل مع مرور الوقت ، والإحساس بالاستمرار التي يدمج الماضي والحاضر والمستقبل . عندما يشعر الإنسان بالثقة بالنفس ويحس بانسجامها، ويحس أنه أقل غرابة عنها ، فقد يشعر بالقدرة على التحكم في أموره ، وقد يتمكن من التغلب على ما يسمى بأزمة هوية، وأن يرى مخاطر أقل إزعاجا وخوفا في اتخاذ خيارات للمستقبل. وباختصار فإن البيداغوجية التي يعتمدها الأستاذ لتحقيق هذه الأهداف ينبغي أن تقوم بتوعية التلميذ(ة) بأهمية شروط الفوز والنجاح، وبأهمية معرفة كيفية قياس ما يفصله عما يريد مع الحفاظ على الشعور بالفعالية والرغبة في المضي قدما.

    ومجمل القول، فإن تعبئة التلميذ(ة) تعتبر وسيلة للتدخل لإيقاظ الرغبة لدى التلميذ(ة) في النجاح من خلال الرفع من حافزيته للتعلم والاهتمام بمصيره . ويقتضي تحقيق هذا الهدف إيجاد إجابة عن عدة أسئلة منها :  كيف يمكن جعل تلميذنا يتعبأ ويتحرك من أجل ذاته ومن خلالها في علاقته بمصيره ومستقبله؟ أي كيف يمكن جعل تلميذنا يهتم بمستقبله وينخرط في إجراءات ذاتية لرسم ملامح هذا المستقبل؟ ما الذي سيجعله ينتقل إلى معني وفاعل ومسؤول؟ كيف يمكن جعل المعرفة التي تمررها المدرسة لها معنى وغاية وذات فائدة في الحياة وخاصة الحياة المهنية؟ تلك أسئلة تقود الأستاذ ، كل حسب أسلوبه، لخلق وضعيات لإيقاظ موقف محفز لدى التلميذ(ة) عبر وضعه في وضعيات قصدية (لها قصد) ومحفزة  ، باعتبار أنه دون الرفع من حافزية التلميذ(ة) وحشد إرادته وإمكانياته سوف لا يكون للتعلم أو التوجيه أي مفعول ولا جدوى..باعتبار أن التحفيز يثير الإبداع والتألق والأمل .. وباختصار شديد فإن التعلم الذي يخلو من الحافز والفضول سيكون تعليما بلا فعالية ولا تطور ولا حياة ...

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟