في أيامنا هاته أصبح الناس يشككون في جدوى وقيمة التراسل بالبريد العادي، ومبررهم في ذلك أن انتشار الشبكة العنكبوتية "الانترنيت" والهواتف النقالة سهل على الناس إمكانية التواصل بشكل أفضل، وأسرع، وأنجع مما كان عليه الأمر فيما مضى من الزمن، وهو ما يقضي بالضرورة على التواصل الكلاسيكي الذي كان محققا بالتراسل العادي. إن هذا الخطاب الذي قرع أجراس نهاية الإنسان الذي كرس واقعها في وقت من الأوقات، يجعلنا نستوقف الفكر عند لحظة استفهامية أساسية وهي: بأي معنى نفهم نهاية التراسل؟ ألا يستتبع هذا القول الحكم بموت إنسان التراسل، وليس التراسل وحده؟ وبعبارة أخرى، إلى أي مدى حررت الانترنيت والهواتف النقالة إنسان هذا الزمان من قيم التواصل الكلاسيكي بالتراسل؟
نحتاج لمعالجة هذا الإشكال الانكباب على تجلية الأبعاد التي تنطوي عليها موطنات الفتح الجديد، في خطوة أولى، وفي خطوة ثانية، سيكون من الضروري تعميق النظر حول الحياة الفعلية لموت المراسلة الكلاسيكية.
1- الانترنيت والهاتف النقال: أهما فتح جديد؟
أي فتح أكبر من الفتح الذي وطدت أقدامه الشبكة المعلوماتية والهواتف النقالة التي غزت مختلف أوجه الفعل الحياتي بالنسبة إلينا، حتى أكثر الأشياء حميمية والتي تمسنا في صميم وجودنا؟ يبدو الأمر في الظاهر فتحا وهو في الحقيقة غزو، لأننا لم نستشر في رغبتنا في توطين هذه التقنيات الجديدة في التواصل، والحمولة العنفية التي يحويها "الغزو" تحيل على إمكانية تهديد وجود إنسان حامل لقيم ومسلكيات في النظر إلى ذاته، وإلى العالم، وإلى الآخر، تماما كما حدث مع الصحون المقعرة، فبمجرد أن ظهرت صيرت المغاربة غرائز بلا ضمائر، ودون أن تكون لهم الحصانة الكافية لدفع خطر التخدير الذي تمارسه عليهم، وهم في وضعية استلاب شبه مطلقة.