وقفت طويلا أمام النتائج التى أظهرتها الدراسات الحديثة حول التأثير السلبي للتكنولوجيا الجديدة على القراءة ، حيث أثبتت الأرقام تناقص عدد القراء نتيجة انتشار التليفزيون والإنترنت وألعاب الفيديو ، واستفزت تلك النتائج فضولى حول تداعيات تكنولوجيات المعلومات على مستقبل القراءة الكتابة فى العصر الرقمى ، وحاولت استكشاف ذلك فى الموضوعين السابقين ، ونستكمل هنا استشراف مستقبل القراءة والقراء فى العصر الإليكترونى مع روجر تشارتير Roger Chartier مدير قاعة إكولى Ecole des Hautes Etudes للموسيقى بباريس ، ومن أعماله المبكرة التاريخ الحديث لأوروبا ، وخاصة تاريخ التعليم ، وتاريخ الكتب والقراءة . وحديثا هذه الأيام تركزت أعماله حول العلاقة بين الثقافة المكتوبة ، وبين الآداب وخاصة المسرح فى فرنسا . ودراساته بصفة عامة تقع فى سياق المناطق البينية بين علم الاجتماع والفلسفة والأنثربولوجيا . وله كتاب مشهور مع كافاللو جوغلإيمو Gugliemo Cavallo عنوانه تاريخ القراءة في الغرب نشر عام 1999 ، وكتاب عن اللغة وتطبيقاتها عام 1997، وعن الثقافات والثورة الفرنسية عام 1993 . و روجر تشارتير Roger Chartier له ايضا مقالة هامة منشورة على الإنترنت عام 2002 باللغة الإيطالية والفرنسية والإنجليزية، يتناول إشكالية القراء والقراءة فى العصر الإليكتروني ، ويذكرنا فى بداية مقالته بالمقولة المشهورة التى كتبها رولند بارذيس Roland Barthes عام 1968 وأعلن فيها موت المؤلف ! وخلع عنة سيادته السابقة على اللغة، حيث انتشرت كتابات متعدّدة فى العديد من الثقافات، كلها في حوار مع بعضها البعض بأسلوب احتجاجي وساخر ، وان المؤلف تنازل عن تفوقه وأوليته إلى القارئ، هذا الشخص الذى تتجمّع عنده كلّ الآثار والنتائج المكتوبة. وأصبحت القراءة فى المكان او القراءة المتنقلة او الجمعية غير مستقرة وقلقة .
موت المؤلف والقارئ:
واذا كان رولند بارذيس أعلن وفاة المؤلف ، فان روجر تشارتير فى مقالته بعد ان أكد ولادة القارئ تبعه فورا تشخيصا بموته ، معتمدا على التحويلات في ممارسات القراءة ، حيث تظهر المعلومات الإحصائية التى جمعت من مسوح مختلفة فى دول أوروبا حول السلوك الثقافي - بينت بشكل حاسم - انه بالرغم من أنها لم تشير إلى انخفاض عام في النسب المئوية العامّة للقرّاء لكنها أكدت على الأقل تخفيضا في نسبة القرّاء الجادين "'heavy readers في كلّ فئة عمريه ، وبشكل خاص بين القرّاء المراهقين. لكن السياسات التحريرية عزّزت ملاحظات الاعتقاد في وجود أزمة قراءة . وبدون استعراض الإحصائيات ، يقرر روجر تشارتير ، بأنهم فى فرنسا وأوربا يشعرون بأزمة قراءة قاسية جدا في مناطق العلوم الاجتماعية والإنسانية خاصة فى الفلسفة والآداب.