مازال الليل لم يستر عورته بعد، بدأ دبيب الحياة يسري بعد ليلة طويلة من الشخير، الناس يهرولون في اتجاه "باب الرب" لاستقبال شاحنات "الهندية" القادمة من المناطق المجاورة للمدينة.
أجلس فوق كرسي خشبي صلب يكاد عظم عجيزتي أن يلامسه من فرط النحافة. يضع النادل أمامي إبريق الشاي والبيصارة ورغيف الشعير الخشن دون أن أتكلم معه. انهمكت في الأكل بنهم لعلي أتمكن من طرد دوران الرأس الذي ألم بي، وأن أنعم بهذا الهدوء الذي يستعمر المكان. إنني عشقت التلذذ بنسيم صباح هذا اليوم قبل أن أعود إلى غرفتي بالفندق لأخلد لنوم عميق ينسيني صخب موسيقى علب الليل وترهات الندامى أو لعلي أحتمي ببرودة غرفة الفندق الاصطناعية قبل أن يحرق لفح الهجير جمجمتي. أعرف بأن الناس يهربون من هذه المدينة في فصل الصيف، لكنني أحب قضاء نصف عطلتي بها خلسة وخوفا من زوجتي سليطة اللسان. أنام طيلة النهار وأستيقظ في الليل لأهيم بصفة عشوائية في دروب المدينة وحاناتها.
جلست أمامي تضع قبعتها المبرقشة ذات الأهذاب السوداء المنسدلة فوق وجهها الأبيض؛ عيناها منغرستان في صحن البيصارة بشدة، قطعت جزءا من الخبز وناولتها إياه لعلها تكون ساغبة؛ لكنها رفضت أن تشاركني الأكل. أكملت وجبة إفطاري بتلذذ حتى النهاية دون مبالاة. فجأة فاجأتني بسؤالها:
ـ أتعرف ما حاجة الإناث بالذكور؟
أجبتها وأنا أبتسم مستغربا:
ـ لكنك لا تزالين صغيرة..